العراق هو الحاضر الغائب في السياسة الخارجية التركية, فهو دائما يشغل حيزا مهما في أدائها, ورغم تبني مهندسها السيد أحمد داود أوغلو ما يسمي ب' سياسة صفر مشاكل مع بلدان الجوار' أي الوقوف بشكل متساو مع الجميع والتغاضي عن الماضي والبدء من جديد دون أحكام مسبقة إلا أنقرة وفي واقع الأمر كانت منحازة لكل ما هو ضد رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي ومعه الرئيس العراقي جلال طالباني, وهو ما ظهر واضحا طوال الثمانية الشهور الماضية الماضية والتي اعقبت الانتخابات النيابية والتي اسفرت بدورها علي تقارب في حجم الكتل السياسية خاصة كتلتي القائمة العراقية ودولة القانون. ولم يخف مسئولين قرييبن من المالكي تحفظهم حيال إنحياز الاناضول بشكل سافر لآياد علاوي, أما الطالباني المخضرم والذي يعرف جيدا خبايا الكواليس لدي الجار التركي فقد لزم الصمت وهو يري دوراي تركيا معرقلا لإعادة إنتخابه لولاية رئاسية أخري, بيد أنه وما أن تحققت الأخيرة إلا ووجدناه يشن هجوما كاسحا ضد تركيا معتبرا سياساتها في بلاده فاشلة وخاطئة مشيرا إلي أنه لا يعرف من يقف وراء هذا الفشل, ومضي طالباني الذي كان يشارك في مؤتمر الاشتراكية الدولية في باريس قبل أسبوع, قائلا في حوار أجرته صحيفة ميلليت أوسع الصحف التركية انتشارا أن انقرة قدمت الدعم الكامل لتحالف اياد علاوي, لكنها بقيت خارج العملية السياسية تماما, وأبدي الرجل اندهاشه لرفض أنقرة إعادة إنتخابه كرئيس للعراق لفترة ثانية, في الوقت الذي سعي فيه و خلال رئاسته لتطوير العلاقات بين البلدين وخاصة مع شمال العراق الذي يشكل هاجس أمني مزمن لكل الساسة الأتراك كونه مسرحا لانطلاق الاكراد الانفصاليين بحرب عصابات ضد الجيش التركي, ويبدو أنه استشعر حدة انتقاداته فراح يلطف قليلا مؤكدا أن نفوذ تركيا في بلاد الرافدين اكثر من نظيره الايراني وان الأخير مبالغ فيه. وكان طبيعيا أن تثير التصريحات الطالبانية العنيفة حفيظة القصر الجمهوري في' شنكاياي كشك' بوسط العاصمة, والدليل علي ذلك أن جول إما أن عاد قادما من لشبونة حيث كان يشارك قمة الناتو حتي أعرب عن استغرابه ودهشته لحديث الرئيس العراقي مؤكدا ان تركيا تصرفت باخلاص ولم تعمل مطلقا علي تغير التوازنات بهذا البلد الجار, وان وزير الخارجية أوغلو اقترب بمسافة متساوية من جميع الاطراف خلال مرحلة ما بعد الانتخابات كل ذلك إنطلاقا من الحرص علي سيادة العراق مستشهدا بدعم بلاده الكامل للعملية الديمقراطية التي يعيشها العراق بالاضافة إلي أنه كان من اوائل الذين قدموا التهئنة للطالباني والاتصال به هاتفيا بعد اختياره رئيسا للجمهورية مشيرا إلي أنه لا يعلم كيف توصل الطالباني لتلك الاستناجات غير الصحيحة بالمرة بل العكس هو الصحيح فقد ساعدت تركيا علي تمهيد الطريق الصعب لتحديد اسم رئيس البرلمان من اجل اختيار رئيس الجمهورية وتعضيدا لهذا القول اكد مصدر دبلوماسي تركي في حديث خاص لصحيفة وطن بأن السياسة التركية لم تفشل في العراق لانها بالاساس كانت تهدف الي اشراك جميع المكونات الجديدة وان تركيا ابدت دعمها لتسلم الطالباني منصب رئاسة الجمهورية ولاية ثانية وتأسيسا علي ذلك جرت إتصالات مع رئيس القائمة العراقية اياد علاوي لاجتياز المرحلة الصعبة وهذا ما حدث!! أيا كان الأمر فتكرار النفي من شأنه أن يبرهن علي صحة إنتقادات الزعيم العراقي وهو أيضا أحد كبار القادة الاكراد, وبالتالي وتجاوزا للقيل والقال ثمة واقع علي الساحة وهو في كل الاحوال جاء عكس ما كانت ترغبه تركيا التي فشلت بشكل أو باخر مؤقتا علي الاقل في إيجاد موضع قدم لها في مسلسل الصراع علي من يتولي قيادة الحكومة والذي إنتهي لصالح إيران الفائزة بإمتيار علي حد وصف الكاتبة الصحفية أصلي أيدن تاشباش, لكن هذا لا يؤدي بالضرورة إلي استنتاج مؤداه أن دور تركيا أضمحل بل العكس أنه بدأ وفقا لما ذهبت إليه أدبيات سيارة هنا تحدثت بإسهاب عما يجب أن تفعله بلادهم في المرحلة القادمة, فخسارة مباراة لا تعني ضياع الساحة العراقية مستندين في ذلك إلي شرائح كبيرة من الساسة العراقيين تؤكد دوما علي أن دور السفير التركي في بغداد' مراد اوز تشليك' اكبر بكثير من دور نظيره الامريكي وان الجميع يدرك تأثير السياسة التركية في العراق دون النظر الي نتيجة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وبما أن الأخيرة في طريقها إلي الظهور فعلي أنقرة ألا تتحرج في أن تعيد مجددا مواقفها الرامية إلي حكومة أقل انحيازا للطائفية وساعية إلي عراق وحدوي يعلو فوق القيم المذهبية وبالتوازي علي رئيس الجمهورية جلال طالباني أن يكون رئيسا للكافة وليس للأكراد فحسب!!