من المدهش حقا عبر القرون أن كثيرا من كبار المفكرين من غير المسلمين قد وضعوا محمدًا في أعظم مكانة، معترفين بأنه الأعظم. مايكل هارت هو أمريكي مسيحي عالم في الرياضة، والفلك وبعد دراسة مستفيضة، وضع ترجمات لأعظم مائة شخصية أثروا في تاريخ العالم، مع ترتيب مكانتهم الشخصية، مع شرح ووصف ما قام به هؤلاء القادة الدينيون والسياسيون والمخترعون والكتاب والفلاسفة والعلماء والفنانون من أعمال. ومن خلال دراسته التي اشتملت علي الشخصيات الشهيرة في التاريخ أمثال عيسي المسيح وموسي وقيصر ونابليون وشكسبير. رتب مايكل هارت محمدًا (570 632م) أنه الأول أي أعظم الشخصيات في التاريخ علي المستوي الديني والدنيوي. ثم أتي بعده مباشرة إسحاق نيوتن ورقم (3) المسيح ثم رقم (16) سيدنا موسي، وعمر بن الخطاب رقم (51) فما هي مبررات مايكل هارت لهذا التقدير؟ يقول مايكل هارت لقد اخترت محمدًا في أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمدًا هو الانسان الوحيد في التاريخ الذي نجح مطلقًا علي المستوي الديني والدنيوي. وقد دعا إلي الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا، وبعد 13 قرنًا من وفاته فإن أثر محمد ما يزال قويًا متجددًا. وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم قد ولدوا ونشأوا في مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيًا وفكريًا، إلا محمد، فقد قد ولد سنة 570 ميلادية في مدينة مكةجنوب شبه الجزيرة العربية في منطقة متخلفة من العالم القديم، بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن. وقد مات أبوه وهو لم يخرج بعد إلي الوجود، وأمه وهو في السادسة من عمره، وكانت نشأته في ظروف متواضعة، وكان لا يقرأ ولا يكتب. ولما قارب الأربعين من عمره كانت هناك أدلة كثيرة علي أنه ذو شخصية فذة بين الناس. وكان أكثر العرب في ذلك الوقت وثنيين، يعبدون الأصنام وكان يسكن مكة عدد قليل من اليهود والنصاري، وكان محمد علي علم بهاتين الديانتين. وفي الأربعين من عمره امتلأ قلبه إيمانًا بأن الله واحد أحد، وأن وحيًا ينزل عليه من السماء، وأن الله قد اصطفاه ليحمل رسالة سامية إلي الناس. وأمضي محمد ثلاث سنوات يدعو لدينه الجديد بين أهله وعدد قليل من الناس. وفي 613 ميلادية أذن الله لمحمد بأن يجهر بالدعوة إلي الدين الجديد فتحول قليلون إلي الإسلام. وفي 622 ميلادية هاجر الرسول إلي المدينةالمنورة. وهي تقع علي مدي 460 كيلو مترا أو يزيد من مكةالمكرمة. وفي المدينةالمنورة اكتسب الإسلام مزيدًا من القوة. واكتسب رسوله عددا كبيرا من الأنصار. وكانت الهجرة إلي المدينةالمنورة نقطة تحول في حياة الرسول، وإذا كان الذين تبعوه في مكة قليلين، فإن الذين ناصروه في المدينة كانوا كثيرين. وبسرعة اكتسب الرسول والإسلام قوة ومنعة، وأصبح أقوي وأعمق أثرًا في قلوب الناس. وفي السنوات التالية، تزايد عدد المهاجرين والأنصار، واشتركوا في معارك كثيرة بين أهل مكة من الكفار، وأهل المدينة من المهاجرين والأنصار. وانتهت كل هذه المعارك في عام 630 بدخول الرسول منتصرًا لمكة، وقبل وفاته بسنتين ونصف السنة شهد محمد الناس يدخلون في دين الله أفواجًا. ولما توفي الرسول كان الإسلام قد انتشر في جنوب شبه الجزيرة العربية. وكان البدو من سكان شبه الجزيرة مشهورين بشراستهم في القتال. وكانوا ممزقين أيضا، رغم أنهم قليلو العدد، ولم تكن لهم قوة أو سطوة العرب في الشمال الذين عاشوا علي الأرض المزروعة. ولكن الرسول استطاع لأول مرة في التاريخ، أن يوحد بينهم وأن يملأهم بالإيمان وأن يهديهم جميعًا بالدعوة إلي الإله الواحد، ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالي شبه الجزيرة العربية، وشملت الامبراطورية الفارسية علي عهد الساسانيين وإلي الشمال الغربي واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية ففي عام 711 اكتسحت القوات الإسلامية شمال إفريقيا حتى المحيط الأطلسي ثم توجهت القوات الإسلامية بعد ذلك إلي مضيق جبل طارق وعبروا إلي إسبانيا، وساد أوروبا كلها شعور في ذلك الوقت بأن القوات الإسلامية تستطيع أن تستولي علي العالم المسيحي كله. ولكن في عام 732، وفي موقعة تاور بفرنسا، انهزمت الجيوش الإسلامية التي تقدمت إلي قلب فرنسا. ورغم ذلك فقد استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله، أن يقيموا امبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي، وهي أعظم امبراطورية أقيمت في التاريخ حتي اليوم، وفي كل مرة تكتسح هذه القوات بلدًا، فإنها تنشر الإسلام بين الناس، ولم يستقر العرب علي هذه الأرض التي غزوها، إذ سرعان ما انفصلت عنها بلاد فارس، وإن كانت قد ظلت علي إسلامها، وبعد سبعة قرون من الحكم العربي لإسبانيا والمعارك المستمرة، تقدمت نحوها الجيوش المسيحية فاستولت عليها، وانهزم المسلمون. أما مصر والعراق مهدا أقدم الحضارات الإنسانية فقد انفصلتا، ولكن بقيتا علي دين الإسلام، وكذلك كل شمال إفريقيا. وظلت الديانة الجديدة تتسع علي مدي القرون التالية، فهناك مئات الملايين في وسط إفريقيا وباكستان وإندونيسيا. بل إن الإسلام قد وحد بين إندونيسيا المتفرقة الجزر والديانات واللهجات، وفي شبه القارة الهندية انتشر الإسلام وظل علي خلاف مع الديانات الأخري. والإسلام مثل كل الديانات الكبري، كان له أثر عميق في حياة المؤمنين به، ولذلك فمؤسسو الديانات الكبري ودعاتها موجودون في قائمة المائة الخالدين. وربما بدا شيئا غريبا حقا. أن يكون الرسول محمد صلي الله عليه وسلم في رأس هذه القائمة، رغم أن عدد المسيحيين ضعف عدد المسلمين، وربما بدا غريبا أم يكون الرسول هو رقم واحد في هذه القائمة، بينما عيسي هو رقم 3 وموسي رقم 16. ولكن لذلك أسباب: من بينها أن الرسول محمدًا قد كان دوره أخطر وأعظم في نشر الإسلام وتدعيمه وإرساء قواعد شريعته أكثر مما كان لعيسي في الديانة المسيحية، وعلي الرغم من أن عيسي هو المسئول عن مبادئ الأخلاق في المسيحية، فإن القديس بولس هو الذي أرسي أصول الشريعة المسيحية، وهو أيضا المسئول عن كتابة الكثير مما جاء في كتب "العهد الجديد". أما الرسول فهو المسئول الأول والأوحد عن إرساء قواعد الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعي والأخلاق وأصول المعاملات بين الناس في حياتهم الدينية والدنيوية، كما أن القرآن الكريم قد نزل عليه وحده، وفي القرآن الكريم وجد المسلمون كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وآخرتهم. والقرآن الكريم نزل علي الرسول كاملا، وسجلت آياته وهو لا يزال حيًا، وكان التسجيل في منتهي الدقة، فلم يتغير منه حرف واحد، وليس في المسيحية شيء مثل ذلك، فلا يوجد كتاب واحد محكم دقيق لتعاليم المسيحية يشبه القرآن الكريم، وكان أثر القرآن الكريم علي أساس بالغ العمق، ولذلك كان أثر محمد علي الإسلام أكثر وأعمق من الأثر الذي تركه عيسي علي الديانة المسيحية. فعلي المستوي الديني كان أثر محمد قويا في تاريخ البشرية، وكذلك كان عيسي. وكان الرسول علي خلاف عيسي رجلا دنيويًا فكان زوجا وأبا وكان يعمل في التجارة ويرعى الغنم وكان يحارب ويصاب في الحروب ويمرض ثم مات. ولما كان الرسول قوة جبارة، فيمكن أن يقال أيضا إنه أعظم زعيم سياسي، وعن العرب عمومًا وعن امبراطوريتهم الواسعة، دون أن يكون هناك محمد فلم يعرف العالم كله رجلا بهذه العظمة قبل ذلك، وما كان من الممكن أن تتحقق كل هذه الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهديته وإيمان الجميع به. ورغم أن غزوات جنكيز خان كانت أوسع من غزوات المسلمين، فإنها لم تدم طويلا، ولذلك كان أثرها أقل خطرًا أو عمقًا. فقد انكمش المغول وعادوا إلي احتلال نفس الرقعة التي كانوا يحتلونها قبل ظهور جنكيز خان. فهذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أؤمن بأن محمدا هو أعظم الشخصيات أثرًا في تاريخ الإنسانية كلها!.