السؤال الذي يلح عليك وأنت تري الحشود الهائلة في مكةالمكرمة, وتمتلئ بها ساحات الحرم المكي الشريف, كيف يتسني لكل واحد منهم الطواف والسعي, بل والدخول إلي حيث توجد قبلة المسلمين جميعا من مشارق الأرض ومغاربها أقرب أبواب الحرم إلي الكعبة باب الملك عبدالعزيز, وعليك أن تمتزج بسيل بشري جارف ينساب إلي علامة خضراء مضيئة تشير إلي بداية أشواط الطواف السبعة. سبحان الله القادر علي أن تجد مكانا لك, بل وأن تقترب وقد تلمس أحجار الكعبة المشرفة, إلا أن الوصول إلي الحجر الأسود أشبه بالمعجزة في هذه الأيام, ويقف جندي لمحاولة تنظيم مستحيلة وسط مشاعر متأججة لا تري ولا تسمع إلا النداء الذي أتي بها من كل فج عميق لأداء مناسك الحج. وحول الكعبة تطوف الناس أفرادا وجماعات, وتتشابك الأيدي خاصة من القادمين من شرق آسيا إندونيسيا وماليزيا, وكذلك من أعماق إفريقيا, وهؤلاء عليك أن تفسح لهم الطريق حرصا علي سلامتك, لكن الملاحظة اللافتة هذا العام هي زيادة الحرص من الطائفين علي سلامة من يتعثر أو يقع علي الأرض, وكان في الماضي من عداد الهالكين لا محالة, لكن الآن يسارع من حوله لعمل سياج بشري ويتم إنقاذ المرأة المسنة, والشيخ الهرم حتي يعود لاستكمال طوافه ومناسكه. وما أجمل وأعذب أصوات تناجي ربها بلغات مختلفة من حولك, وكلها تطلب الغفران, وسعة الرزق, والرحمة, وتري الدموع متدفقة في صمت وخشوع يسجل علامة لإيمان صحيح لا مجال فيه للأدعياء الذين يحاولون الإيحاء بأنهم الأكثر عبادة وتدينا, يسير الشاب والشيخ والمرأة والفتاة يتأملون الكعبة والدموع تنساب بلا انقطاع, والقلب يدعو في همس وخشوع. وتتجلي المعاني السامية والخالدة في هذا الموقف العظيم, معاني الإسلام السمحة التي تفتح أبواب الرحمة والمغفرة بلا حدود, وتتعجب كيف انتهت الأشواط السبعة وتريد أن تواصل علي الرغم من إحساس باستحالة الدخول قبل أن تأتي. والإشارات كلها تؤكد أن موسم الحج هذا العام سوف يسجل رقما قياسيا في عدد الحجاج القادمين من الخارج, ولم يعد هناك مجال لقدم في شوارع مكةالمكرمة في أوقات الصلاة, حيث تعد جميعها امتدادا للحرم الشريف. muradezzelarab@hotmailcom