تجديد الحديث عن ملف الوحدة الوطنية في ذكري الأربعين لضحايا حادثة نجع حمادي أمر واجب. الحادث كبير ولا يجب أن نتعامل معه كما تعاملنا مع أحداث سبقته وإلا كنا كمن يكتفي بمشاهدة النار وهي تشتعل في بيته. للتوتر الطائفي أسباب كثيرة يتحمل الإعلام نصيبا كبيرا منها. لن أتحدث عن صحفيين يكتبون من منطلقات طائفية, أو جرائد تثير الفتنة فحساب هؤلاء لدي نقابة الصحفيين. سأركز حديثي علي فضائيات طائفية إسلامية ومسيحية انتشرت علي الأقمار وهي تبث برامج كل ما لديها هو الطعن في عقائد الآخرين. أصحاب هذه البرامج أصبحوا نجوما بين مشاهديهم علي حساب وطن ومجتمع تهدده الفتنة. أفهم أن يبذل الدعاة جهدهم لتحبيب الناس في دينهم وحثهم علي الالتزام به فهذه وظيفتهم. لكني لا أفهم ما صلة هذا بالطعن في عقائد الآخرين وكأن إيمان المرء لا يكتمل بغير تحقير المخالفين في الدين وعقائدهم.
بعض الطاعنين في العقائد يكيلون بمكيالين فيطالبون العالم باحترام عقيدتهم بينما يتفرغون للطعن في عقائد الآخرين. احترام جميع العقائد الدينية واجب مهما كان رأينا فيها. الطعن في عقائد الآخرين لا يؤدي إلي إقناع أحد بتغيير دينه, إلا قلائل, لكنه يؤدي إلي إثارة الكراهية بين الكثرة من الناس.
في زمن ازدهار الحضارة الإسلامية كان شيوخنا يناظرون الكهنة والقساوسة كما يناظرون بعضهم البعض. مناظرات علماء عصور الازدهار كانت تجري بين علماء ودارسين أجلاء بعيدا عن أعين العامة وآذانهم. اتفق علماؤنا في الماضي علي أن العامة ليس لديهم من المعرفة ما يحصنهم ضد الفتنة حال اطلاعهم علي مناظرات العلماء. دعاة اليوم يصرون علي استحضار العوام ومخاطبتهم, ومع العوام لا بد من التبسيط والتسطيح والابتذال فهذا هو أقصي ما يستطيعون إدراكه.
نريد إحياء تقاليد العلماء القدامي عبر إخراج العوام من ساحات المناظرة المعقدة بين أصحاب العقائد حماية للعوام من معارف لا يدركون عمقها, ومن آراء يتكسب أصحابها من وراء ترويجها علي الشاشات. علي السلطات القائمة علي أقمارنا الصناعية إلزام القنوات بميثاق شرف وتقاليد تحظر الطعن في العقائد. حرية الطعن في العقائد وخطاب الكراهية ليست من الأشياء التي يجب السماح بها بدعوي حرية التعبير.