في ظل فورة صعود باراك أوباما قبل عامين, اعتبر العالم ان الشعب الامريكي ينتخب بالنيابة عنه رئيسا مختلفا سيكون جسرا مع الشعوب الاخري التي انهكتها توجهات السياسة الأمريكية في العقد الاخير خاصة بعد حربين في العراق وأفغانستان لم تجديا نفعا في الحرب العالمية علي الإرهاب وأكسبتا العالم الغربي عداوة وعدم ثقة شعوب الشرق. اليوم, تنحو السياسة الأمريكية الداخلية منحي جديدا يعتبر بمثابة نكوص عما تحقق في عامين وهو العودة الي انتخاب غالبية جمهورية بعد اختبار الغالبية الديمقراطية المسيطرة علي البيت الأبيض والكونجرس بمجلسيه في العامين الماضيين ثم باتت غالبية من التيار المحافظ والناخبين المستقلين وهم الشريحيتان الأكبر بين الناخبين الأمريكيين علي قناعة بضرورة التغيير. يعتبر الجمهوريون انتخابات اليوم بمثابة الاستفتاء علي سياسات الرئيس باراك اوباما في الشقين الداخلي والخارجي حيث يمكن ان تحدث انتفاضة من الطبقة الوسطي الغاضبة امام صناديق الانتخاب الرافضة للسياسات الديمقراطية من اجل اختبار حلول اخري تؤدي الي تقليص الانفاق الحكومي والعجز في الموازنة الفيدرالية وتشجيع قطاعات الاعمال علي خلق الوظائف والحد من تدخل الدولة الامريكية في تنظيم الاقتصاد وقطاعات المال والاعمال لكن الطريق الذي يترقبه الناخبون الغاضبون ربما لايتحقق تماما فالكونجرس يمكن ان يظل منقسما بين الديمقراطيين لو احتفظوا بأغلبية في مجلس الشيوخ والجمهوريين لو فازوا بالنواب في معركة اليوم لان الانقسام يعني ببساطة ان الديمقراطيين سيظلون محتفظين بأوراق مهمة في مواجهة الخصوم فيما يتعلق بمراجعات السياسة المالية والاقتصادية بعد الانتخابات وبالتالي لابد من صيغ وسط في تناول الشأن الداخلي الامريكي مثلما حدث بين بيل كلينتون ونيوت جينجريتش بعد انتخابات التجديد النصفي في عام1994. وتشير التوقعات الأخيرة الي ان الجمهوريين يحظون بتفوق اكثر من6% علي المستوي العام وهو ما يؤهلهم لتحقيق مكاسب كبيرة من المحتمل استعادة السيطرة علي مجلس النواب والحصول علي مقاعد اكثرفي مجلس الشيوخ وقال نحو نصف الناخبين الذين يؤيدون الحزب الجمهوري في السيطرة علي الكونجرس انهم ذاهبون الي التصويت احتجاجا علي سياسات الديمقراطيين علي الرغم من مخاوف الناخبين بشأن الانفاق الحكومي, بثت اللجنة الديموقراطيين الوطنية اعلانا جديدا يحذر من ان تخفيضات قياسية في التعليم اذا عاد الجمهوريون للسيطرة علي الكونجرس. واظهر استطلاع لتقرير كوكس الشهير ان غالبية واضحة من الامريكيين مستاءة جدا من الاقتصاد الامريكي. من تلك المجموعة, قال63% انهم سيصوتون الجمهوري للكونجرس اليوم الثلاثاء, مقابل30% يؤيدون الحزب الديمقراطي. كما اشار خبير من جامعة ميامي بولاية فلوريدا الي ارتفاع الحماس بين الديمقراطيين في الايام الاخيرة من اجل تضييق فجوة الحماس مع الحزب الجمهوري. لكن واقع الامر ان الفجوة لاتزال كبيرة حيث إن70% من الجمهوريين يصفون انفسهم بأنهم مهتمون بشكل كبير بالانتخابات مقارنة ب58% بين صفوف الديمقراطيين. وقد بدأت بوادر الحرب بين اوباما والنائب بوينر المرشح لرئاسة مجلس النواب خلفا لنانسي. بيلوسي حليفة الرئيس مبكرا فقد هاجم بوينر الرئيس الأمريكي بشدة بعد ظهر أمس, وقال إنه يستخدم ألفاظا غير لائقة في التعامل مع الخصوم السياسيين ويصفهم بالأعداء. وقال بوينر السيد الرئيس. هناك كلمة للأشخاص الذين لديهم الجرأة علي الدفاع عن الحرية والدستور وقيم الحكومة الصغيرة التي جعلت هذا البلد العظيم.. نحن لا ندعي أعداء لكننا نسمي وطنيين. فخلال مقابلة مع محطة إذاعية باللغة الأسبانية, قال أوباما إذا فضل اللاتينيون الجلوس في المنزل وعدم الاكتراث بالانتخابات بدلا من معاقبة أعدائنا فهذا لن يمنح مكافأة لأصدقائنا الذين يقفون معنا بشأن القضايا التي تعتبر مهمة بالنسبة لنا. وقد بدا التوتر واضحا علي الرئيس أوباما في الأسابيع الأخيرة بعد المؤشرات المتزايدة علي فقدان الديمقراطيين للأغلبية في مجلس النواب خاصة في ولايات الغرب الأوسط التي حصد فيها الديمقراطيون المحافظون مكاسب تاريخية في الانتخابات التشريعية لعامي2006 و2008 وهم المعروفون باسم بلودوجز أو الكلاب الزرقاء, بل امتدت الخسائر في الانتخابات الحالية لتصل إلي ولايات الشمال الشرقي التي هي معقل تقليدي للتيار الليبرالي وهو ما يدل علي اتساع موجة الغضب من طريقة إدارة الاقتصاد ومؤشرات البطالة الخانقة في البلاد. وقد نجح الجمهوريون في وضع السياسات الديمقراطية في موضع الدفاع عن النفس وتحويل الانتخابات إلي استفتاء علي الرئيس الأمريكي الذي يتمتع اليوم بأقل مستوي لشعبية رئيس أمريكي خلال فترات إجراء انتخابات التجديد النصفي في الأعوام الخمسين الأخيرة. وتظهر عمليات التصويت المبكر في عدد من الولايات الكبري ومنها فلوريدا أن نسبة إقبال الجمهوريين علي التصويت أعلي من مثيلاتها الجمهورية رغم تفوق الديمقراطيين تاريخيا في هذا التقليد لكن توقعات التصويت في ولاية فلوريدا بشكل عام تضع نسبة التصويت ما بين38% و40% فقط في ظل تراجع حماس الناخبين المستقلين عن التصويت وهي الشريحة التي ساندت أوباما في عام2008 بقوة والتي كسرت تقليدها المعتاد بعد المشاركة بقوة في انتخابات التجديد النصفي من أجل الرئيس المختلف وهو ما يفسر فتور رغبة تلك الشريحة في مساندة أي من الحزبين اليوم. يبدو أوباما وحيدا في حلبة صراعات السياسة التي لاتنتهي ولا ترحم وربما يخرج بدرس مهم يوم غد وهو أن الناس في أمريكا, مثل كل شعوب العالم, لا تأكل من كلام الحروب الايديولوجية بين يمين ويسار في أوقات الأزمات ولا يعنيها من يبقي في السلطة ومن يرحل حتي لو كان العالم كله وراءه ويفضله دون غيره فهي تبحث في الزعامة عمن يرفع عبء المستقبل عن كاهلها!