القراءة والكتابة ليست هي أول التعليم فحسب, بل اول البشرية أيضا, فيعد اكتشاف القراءة والكتابة, أحد أهم العناصر التي ميزت بين الإنسان وغيرة من الكائنات, ومن يومها أصبح من الممكن تعريف الإنسان بأنه حيوان ذو تاريخ, وقد سجل الإنسان بتلك الكتابة خبراته وقيمه وتراثه وعقائده ونظمه الاجتماعية والسياسية والثقافية وأخلاقياته وأسس الانتماء إلي جماعة معينة من البشر وتاريخها وراح هذا البنيان الإنساني يرتفع ويتنوع ويصنف إلي معارف وعلوم مختلفة, شكلت أساسا يضاف إليه, ويشير إلي درجات من التطور تقطعها الأمم جيلا بعد جيل0 ومع العصر الحديث وتعقد المعرفة بأبعادها المختلفة, أخذت المدرسة علي عاتقها تلك المهمة التاريخية, مهمة نقل التراث الثقافي والعلمي والأخلاقي من جيل إلي آخر, من خلال المناهج والمقررات والانشطة التعليمية المختلفة, علي أن تبدأ تلك المهة بتعليم القراءة والكتابة ففي هذه الحالة تعد القراءة والكتابة هي أساس الدخول إلي عالم المعرفة والعلوم وبحارهم العميقة الواسعة0 ومن هنا أيضا تعد نسب الأمية بين الكبار أحد أهم عناصر قياس حالة الدول في مقياس التنمية البشرية, ومن نافلة القول ان اجادة القراءة والكتابة هي المدخل للحياة العصرية بمعناها الواسع, إذ كيف يقرأ رواية لنجيب محفوظ من يلهث لمجرد قراءة سطور من صحيفة سيارة, وكيف يستمتع بمشاهدة فيلم عالمي من لا يستطيع قراءة شريط الترجمة اسفل الصورة, وكيف يميز بين برامج الاحزاب السياسية وبرامج المرشحين من لا يميز الكلمات من الأساس. المهم أنه من هنا أصبح تعليم القراءة والكتابة, هو أول المهام التي تقابل المدرسة والمدرسين, بحيث أنه يكون من المفترض أن يجيد التلميذ القراءة والكتابة بعد العام الأول من المدرسة, لينفتح أمامه عالم الدخول إلي موضوعات, العلوم والتاريخ والحساب والجغرافيا والأدب وغيرها, والملاحظة العامة التي أسوقها هنا أن معدلات إجادة القراءة والكتابة أخذت تتضاءل جيلا بعد جيل, ويحدثنا الآباء عن مستوي إتقانهم الفذ لفنون اللغة قراءة وكتابة واستماع وحديث بل والخط أيضا بعد سنة او سنوات قليلة من المدرسة الابتدائية. وجرت في نهر التعليم مياه كثيرة ولعوامل عديدة منها الازدحام الشديد في الفصول والمدارس وضعف مستوي المعلمين وتدهور قيمة التعليم ذاته فضلا عن قرارات الإنجاح الاداري للطلاب والتي اشرنا اليها من قبل في هذا المكان المهم انه بسبب ذلك راح مستوي الخريجين يتدهور عاما بعد عام, حتي فوجئ الرأي العام بأزمة وزارية سنة1998, بسبب سعي محافظ البحيرة لتعطيل الدراسة في المدارس الابتدائية والاعدادية ريثما يتمكن تلاميذها من محو الامية وفك الخط, وراح الرجل يعلن تفاصيل الموضوع, إذ راح يتفقد بعض المدارس الاعدادية, واثناء امتحان التلاميذ فوجئ انهم لايكتبون شيئا وانما يضعون القلم علي الورق ويرسمون دوائر لان هناك زائرا غريبا, وقام الرجل بعمل امتحان مستقل بعيدا عن مدرسي وزارة التعليم ومفتشيها, واعلن ان حوالي26% من التلاميذ في المدرسة الاعدادية راسبون في امتحان الاملاء, وراح وزير التعليم وقتها يدافع عن نفسه قائلا بان الذين لايجيدون القراءة والكتابة6% فقط, وفعل مثل ذلك محافظ بني سويف, واكدت كثير من الدراسات التي اجرتها وزارة التربية والتعليم والتي رفضت نشرها واتاحتها للرأي العام ذلك التدهور, ورغم ذلك راحت الامور تسير من سيئ لأسوأ, وتشير الشواهد الي ذلك التدهور بحيث أنه لم يعد هناك من يؤكد بان تلميذ الاعدادية او حتي خريج الدبلوم الفني المتوسط يستطيع القراءة والكتابة. ومن هنا فإن مثل هذا القرار الشجاع لوزير التعليم يستحق التحية والتقدير, ولقد سبق أن أشرنا إلي تقديرنا لمجرد اعلان الوزير بأن الامور ليست علي مايرام فقد عشنا عمرنا كله والوزراء جميعا يقولون' كله تمام يا أفندم', ورغم ذلك فهناك بعض التحديات التي تواجه مثل هذا القرار الشجاع وتحتاج منا التفكير الهادئ. وأول تلك التحديات, هي: معارضة الشكلية والبيروقراطية, فلا شك ان البيروقراطية والورقية قد اصبحت وحشا يهدد كل جهود الحكومة, وأخشي ما اخشاه ان تسير الامور علي وتيرتها المعتادة وترتفع التقارير الي الوزير بانه:' قد تم عمل المطلوب وكله تمام', ومن هنا فإنني اطالب باشراك مجلس الامناء في الامر عن طريق اشرافه علي امتحان شهري مستقل, وهي مناسبة ايضا لمنح مجلس الامناء دفعة كبيرة لتفعيله, وثاني تلك التحديات: ان مستوي الطلاب في القراءة والكتابة سيكون بعد تقدم سنواتهم في الدراسة امرا شديد الديناميكية, رغم اعترافنا بسوء الحال علي وجه الاجمال, وهنا يصبح السؤال المطروح هو: هل نعطل الطلاب المميزين عن دروسهم وتحصيلهم الدراسي لان بعض زملائهم من المتعثرين في القراءة والكتابة, ويبقي اخيرا ان نتساءل هل يكون هذا الاهتمام بالقراءة والكتابة علي حساب دراسة الطلاب لمقرراتهم الطبيعية في المواد المختلفة وهل سيراعي الموجهون في توزيعهم للدروس الشهرية ذلك الوقت المستقطع لدروس الاملاء0 وأخيرا, في مواجهة تلك التحديات وتخوفنا من التهام تلك' الاملاء' للحصص حصة بعد اخري, أليس من الانسب ان نخصص' للاملاء' الحصة الاولي فقط علي مستوي جميع المدارس وجميع المراحل, يقوم بها المدرسون جميعا بصرف النظر عن تخصصهم, ولعله من المناسب هنا ان نشير الي اهمية اعادة الاعتبار انشطة الخط والقراءة والخطابة ومجلات الحائط وغيرها من انشطة لغوية0