سيشهد العام2011 علي الارجح ولادة دولة جديدة فيما يعرف الان بجنوب السودان, فلاشك في ان سودانيي الجنوب سوف يصوتون للاستقلال في يناير ويطلقون وبالتالي مرحلة انتقالية من ستة اشهر قبل قيام الدولة الجديدة. قبل نحو مائة يوم فقط من الاستفتاء, وصفت الوزيرة الامريكية هيلاري كلينتون السودان بانه' قنبلة موقوتة' مما يعكس المزاج القلق ليس فقط في واشنطن وانما في العديد من دول العالم. يتخوف العديد من الخبراء والمتابعين من ان السودان يتجه ربما نحو حرب شبيهة بالحرب الاهلية التي اسفرت عن مقتل حوالي مليوني سوداني منذ الخمسينات. يبدو ان العودة الي الحرب ليست محتملة ولا محتومة فلدي كل من الخرطوموجوبا( عاصمة الجنوب) حوافز قوية لتفادي تلك النتيجة كذلك فانه ليس من مصلحة اي من الدول التي لها علاقة بالملف السوداني ان تنفجر مثل تلك الحرب. فمن شأن الحرب في السودان ان تورط ادارة اوباما في ازمة دولية مكلفةاخري ومضرة سياسيا وتهدد امن الطاقة في الصين(7 في المائة من وارداتها النفطية من السودان) من شأن الحرب ان تهدد ايضا الاستثمارات الكبري في الاراضي السودانية التي تقوم بها شركات خليجية تعمل في قطاع الزراعة وحكومات خليجية تري في البلاد منطقة اساسية لانتاج الحبوب. في مقال مهم لفيليب دوبونتيه مدير الشئون الافريقية في معهد كارينجي يقول: صحيح ان الشمال والجنوب تصادما مرارا وتكرارا بسبب العائدات النفطية منذ توقيع اتفاق السلام الشامل العام2005 واستعمل الجانبان اكثر من30 في المائة من عائداتهما لبناء القوات المسلحة, لكن يمكن ان يشكل النفط قوة تساهم في التسوية في المستقبل. فيما ان الجزء الاكبر من الاحتياطي موجودفي الجنوب, في حين ان البني التحتية الاساسية بما في ذلك خطوط الانابيب والمرافئ, تقع في الشمال, فان الطرفين عالقان في نوع من التبعية المتبادلة. ثم انه من المستبعد جدا بناء خط انابيب في الجنوب, اذ إنه يتطلب سنوات طويلة من العمل ومبالغ طائلة, وازاء هذا الواقع تسقط الحسابات المحفوفة بالمخاطر التي يمكن ان تسعي كل عاصمة من خلالها الي الربح علي حساب تكبد العاصمة الثانية خسائر موازية, فنظرا الي ان الخرطوم تعتمد علي العائدات في60 في المائة من موازنتها. وتعتمد عليها جوبا في98 في المائة من موازنتها. لايستطيع اي من الجانبين ان يخاطر بخسارة هذه السيولة الان. بما ان احتمال خسارة الجنوب هو كأس مرة تتجرعها الخرطوم, فمن الضروري الحفاظ علي نموذج عادل لتقاسم العائدات في السنوات الخمس المقبلة تقريبا. مع الانتقال شيئا فشيئا من تقسيم العائدات بالتساوي كما يحدث حاليا الي رجحان تدريجي في كفة الميزان لصالح جوبا. وسيتعين علي الولاياتالمتحدة ممارسة ضغوط قوية علي جوبا كي تكبح مطالبها المتطرفة في مجال العائدات النفطية. سيكون المليونا جنوبي الذين سيواصلون علي الارجح العمل في الخرطوم وارسال تحويلات مالية اساسية الي عائلاتهم شهريا عنصرا اخر في هذا الرابط الاقتصادي, فتبقي المنطقتان متداخلتين بالنسبة الي ملايين السودانيين علي المستوي العائلي الاكثر جوهرية وتستطيع الخرطوم ان تلغي حقوق العمل الممنوحة للمهاجرين او تطردهم, لكن من شأن هذه الخطوة ان تقوض اقتصادها, وتدفع بجوبا الي الرد انتقاما. نستكمل غدا هذا التحليل المهم واين تقف مصر مما يحدث.