طبقا لنظرية رأس المال الاجتماعي يتكون المجتمع العام من شبكة اجتماعية كبيرة من العلاقات تحتوي بداخلها علي شبكات اجتماعية نوعية, وظيفية أو مهنية أو اجتماعية أو دينية. وتقوم داخل كل شبكة مجموعة من الروابط الاجتماعية التي تقوم علي طبيعة العلاقات الداخلية المتناثرة في الشبكة الاجتماعية. نعود الآن لمجتمعنا المصري ونحاول قراءة علاقة المسلمين والأقباط كشبكتين اجتماعيتين في إطار الشبكة الكبري للمجتمع المصري. إننا نري بوضوح شروط النمو المتوازن للروابط والمعابر بين المسلمين والأقباط وانعكاس ذلك علي نمو رأس المال الاجتماعي للمجتمع المصري. بينما تقوم بين الشبكات الاجتماعية المختلفة نوع أخر من العلاقات, تلك التي تمثل المعابر بين الشبكات النوعية المختلفة, وتتشكل هذه المعابر كنتيجة للعلاقة بين هذه الشبكات الاجتماعية المختلفة. ففي المساحات البينية, بين الشبكات الاجتماعية تتكون فراغات هيكلية تعزل الشبكات الاجتماعية عن بعضها البعض, ومن ثم تكون الحاجة ماسة إلي المعابر لوصل هذه الشبكات. وتمثل المعابر جهود الأفراد والجماعات من الشبكات الاجتماعية المختلفة التي تهدف إلي انتاج علاقات قوية تغطي هذه الفراغات وتربط الشبكات الاجتماعية ببعضها البعض, وكلما زادت المعابر وتنوعت كانت تغطية الفراغات بين الشبكات كافية وعزلة كل شبكة عن المجتمع العام أقل, وقوة المجتمع العام أكبر. والواقع أن الروابط الداخلية في كل شبكة اجتماعية هي الأسهل في التكون, فهي تعتمد علي رابطة الدم والتجانس الثقافي والدين والانتماء الطبقي... الخ من الروابط الاجتماعية الابتدائية. في حين أن المعابر بين الشبكات المختلفة تتطلب إدراك أسباب أعلي للتعامل المشترك بين الأفراد من شبكات إجتماعية أخري, أسباب من نوع الهوية العامة للمجتمع أو التراث الثقافي المشترك في مستوي أعلي من مستوي التجانس الثقافي المباشر, وأيضا تشكل المصالح الاقتصادية والاجتماعية عوامل حقيقية قوية لتثبيت وتدعيم المعابر بين الشبكات. وفي العلاقات الاجتماعية المركبة ينتمي معظم أفراد المجتمع إلي أكثر من شبكة من شبكات العلاقات الاجتماعية واستثمارهم في الربط بين مختلف الشبكات يؤدي إلي تعظيم المعابر ونقاط الارتكاز بين شبكات المجتمع. بينما يؤدي التركيز علي تقوية الروابط الداخلية إلي تفتيت شبكة المجتمع العام إلي جزر منعزلة. والواضح أن تكوين المعابر بين شبكات المجتمع الاجتماعية تستلزم وعيا ثقافيا أعمق, كما أنها تعتمد علي جهود واعية ومقصودة من النخب السياسية والثقافية التي تدرك أهمية التماسك والتجانس الاجتماعي. ومن ناحية أخري فإن الأفراد الذين يملكون علاقات أكثر وأوثق بأكثر من شبكة إجتماعية, أو بمعني آخر يدركون أهمية المعابر ويعملون علي الاستثمار فيها, هؤلاء يشكلون مراكز تدفق المعلومات والموارد بين الشبكات وداخلها, وربما كان هؤلاء الأفراد هم من نطلق عليهم التوصيف الغامض' النخبة', تلك الفئة التي تتحكم بشكل ما في توزيع الموارد المادية والمعنوية علي مختلف قطاعات المجتمع. فالنخب إذا هي التي تملك قرار حجز الموارد أو السماح بتدفقها بشكل يؤثر في حيوية المجتمع وحجم رأس ماله الاجتماعي وصحته. وقد يؤدي سلوك القابضين علي المناطق الحيوية في المجتمع والمتحكمين في توزيع الموارد داخل الشبكات الاجتماعية إلي شكل من أشكال عدم المساوة أو اختلال تكافؤ الفرص ما ينتج عنه تمييز ضد بعض أطراف المجتمع أفرادا أو جماعات. فإذا اختلت المعادلات الاجتماعية أو تدني أداء الدولة أو تدهور وعي النخب السياسية والثقافية فإن المجتمع يتحول إلي مجموعات وجزر منعزلة تتفاوت في قوتها وقدرتها بسبب اختلال تدفق الموارد والإمكانيات داخل المجتمع العام. ومن ثم يتحول الفضاء الاجتماعي القائم علي العلاقات والتآلفات للحصول علي حصة من الموارد المتدفقة داخل الشبكة الاجتماعية إلي ساحة صراع بين الشبكات الاجتماعية كل يطلب اقتناص ما يستطيعه من الموارد دون اعتبار للأطراف الأخري ودون كثير تفكير في الأضرار التي تصيب المجتمع العام. نعود الآن لمجتمعنا المصري ونحاول قراءة علاقة المسلمين والأقباط كشبكتين اجتماعيتين في إطار الشبكة الكبري للمجتمع المصري. فحقيقة وجود تعددية دينية في مصر تعود إلي منتصف القرن السابع الميلادي, ومنذ ذلك التاريخ حدثت عدة تغييرات في الروابط الداخلية في كل منهما, وفي المعابر الاجتماعية بين الطرفين, فقد تغير التوازن العددي والكيفي عدة مرات لكنه ترك تراثا من العيش المشترك الذي تراكم عبر السنين. إلا أن أكبر تغير إيجابي في العلاقة بين المسلمين والأقباط حدث مع تجربة الدولة الحديثة, ونستطيع رصد التغيرات الاجتماعية الملموسة في مسار العلاقة منذ منتصف القرن التاسع عشر حتي منتصف القرن العشرين, ففي ظل مشروع الدولة الحديثة دفعت الأغلبية بمشروعها الوطني الذي استلهم الثقافة المصرية بتاريخها وأديانها جميعها, ومن ثم أسس لإمكانية بناء رأس مال اجتماعي للمجتمع المصري تم بنائه علي حلم الوطن المستقل الحديث الذي يشارك فيه جميع أبنائه وهذا تحديدا ما دفع بروابط المعابر للأمام. وعندما ازدهر المجتمع المصري وامتلأ بالمبادرات الفردية والجماعية للتصدي لمشاكل المجتمع كون الأقباط الجمعيات الأهلية القبطية التي قامت بأدوار اجتماعية غير طائفية خاصة في مجالي الصحة والتعليم وشكلت هذه المبادرات معابر قوية بين الأقباط والمجتمع العام. فإذا أضفنا لذلك إنخراط الارستقراطية القبطية والطبقة الوسطي القبطية من مهنيين وسياسيين ونخب ثقافية في العمل الوطني العام, والتزام رجال الدين الإكليروس لمهمتهم في الخدمة الروحية للأقباط وعدم التدخل في المجال السياسي العام, فإننا نري بوضوح شروط النمو المتوازن للروابط والمعابر بين المسلمين والأقباط وانعكاس ذلك علي نمو رأس المال الاجتماعي للمجتمع المصري.