ازال المشهد الإنتخابي في السوداني غامضا ضبابيا, رغم بدء الإجراءات الإنتخابية بقبول مفوضية الانتخابات لطلبات عشرة مرشحين للرئاسة, من بينهم الرئيس السوداني عمر البشير, والصادق المهدي رئيس حزب الأمة وياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية, و7 آخرون بينهما مستقلان م, بينما رفضت المفوضية ترشيح ثلاثة آخرين, حيث يتعين علي كل مرشح جمع15 ألف توقيع من18 ولاية من ولايات السودان ال25. وقد ظلت قوي وجماعات كثيرة داخل السودان تتطلع علي مدي20 عاما من حكم ثورة الإنقاذ الوطني التي قادها الرئيس السوداني عمر البشير عام1989 إلي الانتخابات بإعتبارها مخرجا آمنا لأوضاع السودان ومشكلاته العديدة وأداة لتحول ديمقراطي منشود, لكن ما إن لاحت في الأفق بوادر هذه الإنتخابات التي من المقرر عقدها في أبريل المقبل حتي أصبح مؤكدا للجميع أنها محاطة بتعقيدات هائلة وتحديات غير مسبوقة, وأنها قد تكون أخطر وأعقد إنتخابات يشهدها السودان في تاريخه الحافل بالتجارب الديمقراطية وأيضا بالإنقلابات العسكرية, ليس فقط لأنها تتم علي مستويات عديدة في وقت واحد, رئاسية وبرلمانية وعلي مستوي الولايات وحكومة الجنوب, لكن أيضا بسبب الظروف المحيطة بها. وتكمن خطورة الإنتخابات المقبلة في السودان وتعقيداتها من كونها تعد الفرصة الأخيرة للإبقاء علي السودان موحدا, وأنه علي ضوء نتائجها ستكون نتيجة اختبار صعب آخر, وهو استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان المقرر مطلع عام2011, أي بعد أشهر قليلة من الإنتخابات, وقد يهدر الإستعداد للإنتخابات ثم رد الفعل علي نتيجتها الوقت الذي كان ينبغي إستغلاله في تدعيم أواصر هذه الوحدة التي أصبح تحقيقها في ظل الظروف الراهنة يحتاج إلي معجزة, وقد أعلنت الحركة الشعبية أن إنتخاب مرشحها للرئاسية ياسر عرمان المسلم الشمالي سيؤكد رغبة الشمال في الوحدة, وكذلك قدم حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي مرشحا جنوبيا مسلما للرئاسة هو عبد الله دينق نيال للإعراب عن رغبته في دعم الوحدة.
وهذه الإنتخابات لن تكون شاملة, حيث سيتم إستثناء بعض مناطق دارفور غير المؤهلة لقيام إنتخابات منها, في ظل استمرار الوضع الحالي الذي لايبدو أن هناك أفقا فيه لحل الأزمة عبر مفاوضات الدوحة الجارية, وقد يستفز ذلك بعض حركات دارفور المسلحة التي لوح بعضها أنه لن يكون هناك سلام في السودان بدون دارفور, وهدد آخرون بإمكانية تصعيد العمل المسلح إذا قامت الانتخابات بدون حل مشكلة دارفور.
وقد تزيد الإنتخابات المقبلة من حدة الاستقطابات والإستقطابات المضادة في السودان, وقد يصبح لذلك تأثيرات دموية, وخاصة في جنوب السودان, وقد حذرت منظمات وتقارير دولية من أن أعمال العنف المتزايدة أصلا بجنوب السودان خلال العام الماضي بشكل مروع قد تزيد حدة خلال فترتي الإنتخابات والاستفتاء المقبلين, كما حذرت من سباق تسلح بين الشمال والجنوب وتورط حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه البشير في تسليح جماعات جنوبية, وهو الأمر الذي نفاه الوطني بشدة. وستكون المعركة الإنتخابية المقبلة بالنسبة لأطراف عديدة معركة حياة أو موت أو معركة تكسير عظام, فالمؤتمر الوطني الحاكم يريد أن يكسب رئيسه البشير ونفسه شرعية جديدة في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بإعتقال البشير بتهمة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بدارفور.
ومايزيد الأمور تعقيدا هو دخول المحكمة الجنائية الدولية علي خط الإنتخابات الأيام, حيث من المقرر أن تنظر المحكمة في تهمة الإبادة التي يريد إضافتها لتهم الرئيس السوداني, الذي سبق أن أصدرت المحكمة أمرا بإعتقاله بتهم إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مارس الماضي. وهناك تعقيد آخر مرتبط بالحركة الشعبية وأحزاب المعارضة الشمالية التي تعرف معا بإسم أحزاب جوبا, والتي اتبعت خطة وصفتها بأنها ستشتت الأصوات في الجولة الأولي من الإنتخابات, عبر ترشيح أحزابها لعدد من المرشحين لحرمان البشير من الفوز, ثم المراهنة علي المرشح الأوفر حظا في الجولة الثانية, وهي خطة قد لائؤتي نتائجها, وهناك أحاديث مختلفة عن خطط بديلة, قديكون أحدها بإنسحاب مرشحي المعارضة والحركة جميعا لصالح مرشح واحد من البداية ليكون مرشحا قويا في مواجهة البشير.