إذاعة الأغاني لكم احب ان اجلس تحت ظل اصابعك وأتامل شراشفها المنداة بقبلتي انت ايتها الوتيرة البيضاء ايتها الشعيرة التي اخذها الطل من بين اصابعي سأهديك سلتي وطبلة اذني ستجدين شلالات الموسيقي التي تعاهدنا علي مذبحها عندما كنت تضعين الناي الصغير علي قلبي يداك العريضتان كانتا تعلكانه بالقرنفل كلما صحت في تجاويفه وانسابت الذكري كنت اختبئ خلف ثنيات قميصك كلما ترامي الصوت الي ابي كان يعيرني اذنا خشبية حتي يتمكن من حشوها بالنواهي ثم يلعن البطن الشيطاني الذي حملني انا شرف العائلة الذي ضاع انا مكمن الفتنة والزراية اكل من فيوضات عائلتي واتملي كعكة الاجداد الموقد الذي شوي اصابعي مازال في جلبابي والناي انفق اهات غير محصورة بين اصابعي ايتها الرهجة الحبيبة ايتها الوتيرة القادمة مع الروح الاسير اريد ان اتقصي اثرك بين البحر واليابسة انا لا استطيع الغناء منفردا الحروف اثقل من جبل ضاق باسمائه كلها تعذرين جهلي؟ تذكرين الناي؟ تلك البوصة التي زرعت الحب الاول بين الحشائش والجدران تذكرين كيف ضممتني اليك بلا ندم لقد شفيت تماما من امراض الفصول وضعتها جميعا في خزانة مصقولة اصبحت اقلب اوراق ايامي بلا انتباه فلم يعد ثمة قلب يمشي علي القطيفة القلب الان يسير متأنقا في الحذاء اما الناي فقد حطمه الاحفاد وتركوا لنا الرائحة بقيت منه اغنية قصيرة مازالت تجري علي فمي اغنيها احيانا لاصدقائي وهم سكاري فيكون لأتفه الاسباب وكلما استوحشتها ارسلت بها برقية الي الاذاعة انهم هناك يحبونني يعتبرونني مجنونا مثاليا وريفيا اضاع حياته خلف موجات من الهواء. ايتها الشعيرة الناعمة تذكرين غيبوبتي؟ لقد راحت تماما اعرف.. كنت اقبض قلبك كلما ابكي صرت الان متمارضا اتعلل بالحب واحمله قلوبا حمراء امام المتاجر لكن الناس يخشونها ينأونبعيدا ويمضون كسهوب لا يفطنها احد الصوت الجهوري الذي كان يسب المارة في طريقه الي الخفوت كنت تشدين نسيرة الليف علي معصمي وتقولين للحقل: هذا جوادك الاشهب مغلول فاعتقه متي تشاء الاخوة الان متفرقون توزعت الموسيقي بعيدا عن اصابعهم وان تفترشين فروة امام الباب لكنه بات اقصر من قاماتهم ايتها الوتيرة المشدودة علي مهل بكم تشترين غوطة يمرح بها ابناؤك الاربعة؟ اتحبينهم مثلي ؟! هل تشاهدينهم كل صباح وهم ماضون الي اشغالهم هل تشاهدين زوجاتهم وهن ينشرن الاقمار علي حبال الغسيل هل مازلت تشتمين نظراتهن المؤدبة عندما يصعدن مكفكفات الي سطح البيت امازلت تضيقين بنقر دجاجاتهن. اصابع قدميك اتذكرين عليا لما يحمر وجهه كالعذراوات بينما يداري تحت جلبابه قصائده الرومانسية البنت التي عشقها مازالت تصلي في السماء السابعة هل سمعته وهو يبكي وحيدا ويدعو غزالته للتشبث بآثامها لقد سمعته يهامسها ويدعوها لان تلقي منفضة الرماد جانبا ضبطته يقف امام المرآة ويتغني: يا حبيبتي الوقت ليس متأخرا يمكننا ان نشرب كأسا علي رفات هذه الضباع اتركي الحربة والاثقال والدروع وضعي ليمونة علي الجراح الايام التي رحلت فجأة مازلت أتملاها فهل مازلت هناك تقطعين باهدابك خناجر الاعداء. اما هذا الاصهل الطيب الذي يزعم انه ليس شعبا واحدا فمازال يهاتفني باعتباره زعيما سياسيا يستطيع شراء ذمة التاريخ بمجرد ان يبرز لها هويته الحزبية ومحمد هذا البعيد مازال هناك يتمنطق بالشوارع الخلفية في بغداد ويشكو الام البلهارسيا, سيغيب طويلا لكنه يحضرني عادة في تهتهاته التي تبجلني. ايتها الوتيرة المترامية الموسيقي علي وشك نهايتها والاذاعة غلقت ابوابها لكن الاغاني مازالت.. تصهل داخلها كاحصنة.. النخلة جلس الرجل يكتب تعويذته علي ذيل قط اعمي ويقذف بصرة الشيح الي قلب النخلة ناداها بكل الهواء الذي يملأ صدره: يا عمتي النخلة في ساحة البيت تميل في دلال تلقي سلاما هنا وسلاما هناك كان طلعها الابيض كالحليب, تذكارا موشوما علي قلبه صعد بظهرية من الليف الي رأسها كلمها.. وناداها سكب في قلبها حليب اصابعه وعندما هبط, كان صدره المعطوب يعلو ويهبط في هياج كانه فرغ للتو من مضاجعة طويلة كان النهار ربيعيا جافا تأملها ثانية وناداها باسمها القي مياها غزيرة حول ساحتها وقال: الان فقط اسمع صوتي كنت أحتاج الي ذلك أحتاج الي الغبار والصفير وأصطكاك الأسنان في نصف طوبة احتاج أغراضي احتاج طريقا محفوفة بالمخاطر وأتصور المتاهة علي نحو كهذا نحن متشابهان الي حد بعيد كوني كما تصورتك ساعة اشراقة الشمس شعر أخضر يخامر الأصابع يطلع ناعسا من مخمله ينام علي قلبك الأبيض حتي الصباح ويقبض علي خصرك الذي يشبه خاتم قديس أنا منتش هكذا واسمك يمر كنسمة علي فم المغني أريد أن أذهب الي السوق واشتري من أجلك أرواب زينة وأضواء مبهرة يا أخت أبي استسلمي لذراعي فأنا أحبك حتي النهاية *** كأن شيئا لم يكن قص علي رأسها أقاصيص من قلبه دلي عراجينها بتؤدة ولين فأصبحت أمرأة ذات أرداف ساحرة وملونة دائما يتذكر أباه الذي رباها, وهو يقص حكايتها كل يوم مع القاضي الميسر الذي كان يجلس تحتها ليقضي في الناس ولا يهش ابدا كأنه بناية لا تريم لكنها في لحظة من لحظات هزرها اسقطت بلحة غليظة علي أنفه انتفض وتأسف علي وقاره الذي ضاع لكنه قهقه لأول مرة في حياته بسمل وقال: ضعف الطالب والمطلوب لكن الغيمة المارة علي رأسها لم تدم طويلا وقعت برأسها علي الصاعقة لبست بعدها ثوبا بنيا محروقا وفقدت أنوثتها الطاغية هي الآن ذكر نخيل لا ينبس لن تستطيع أن تقص علي صاحبها قصصا أخري عن النساء اللاتي احتمين بظلها وتعرين لنسمات الصيف الطرية ولا عن الغمزات المخجلة التي تركتها العذراوات في الأماسي المقمرة النخلة البضة صارت ذات عضلات مفتولة وشارب مبروم بينما العاشق ضائق الصدر يخرج برأسه من الباب الي الساحة يملأ صدره المعطوب بالهواء ويعود حسيرا يتوسط ساحة البيت وينظر الي أعلي الي رأسها يريد أن يقول لها يا أخت أبي, يا عمي لكنه لا يستطيع منديل الزعيم مات أبي مغموما لأجلي بعد أن رآني في أحلامه مجوسيا مهيضا يخب يوما في الدمقس وأياما في الأوحال رآني بقلب رصاصة في الأحراش وبقلب زنبقة في الأراضي لم يترك خلفه إرثا ولا سلطانا ترك حقائب من رسائل لم تصل لأهلها وجوعا يسكن بين الفكين كان موته حارا ولاذعا يذكرني دائما بانقباض الأحشاء أما السيد الوحيد الذي سار في جنازته فقد اشتراني من أمي لأكتب له برقيات التعازي وأحمم الكلاب كنت أزيل كل يوم مكيالين من الطين عن أقدامي وأنام تحت ذيل حصان, وبلا كلل أنفث أحقادي في أوراق مبهمة أقرأها ثم آكل ما طاب لي منها أما العظام البائتة ولفافات اللحم النتنة التي كان علي أن أحملها الي المزارعين فكنت أذهب بها الي المزابل وأنا مصاب بالدوار. تعلمت أشياء كثيرة ومن أجل أخطائي الصغيرة عدت مخذولا الي أمي أضرب الأرض من الغيظ لكنها كانت تغازلني وتعتبرني رجلها الذي عاد سالما من مستعمرات الطاعون صرت أتمثل روح أبي أصدر المراسيم وأستعيد مهابتي العائلية تزوجت وأنجبت بنين وبنات حررتني الشمس من برد الملوك والقياصرة أنها روضة أهدانيها أبي في المنام تعلمت فيها الغناء ورسوم الديار صنعت غابة يتحدث اليها أبناء الجيران في ساعات العزلة يدخلون من الأبواب ولا يخرجون من الشبابيك يسيرون بين هزيع الليل وهدير الصباح يحررون الساحات من الماضي ويقذفون أحجارهم علي الشياطين أما العشاق الغامضون فمازالوا هناك تدفعهم أشواقهم الي مستودعات الهلاك فيضللون رفاقهم العائدين من الحرب الي أحضان الأمهات كنت أقول لأمي: هذان الساعدان يقويان يوما بعد يوم ماذا سأفعل بهما؟ فتفكر في العالم المملوء بالغبار وتنهاني عن صناعة الأغلال وها أنا أكبر مع سعف النخيل وجروح الأشقاء استمع جيدا لدبيب الثورات أكره الفلاحين الذين خانوا عرابي والأعراب الذين قالوا آمنا.. أسكن علي مقربة من شارع ناصر الثورة الوح لساكنيه بمنديل الزعيم وأقسم لهم أن أبوينا كانا ساعيي بريد وطالما حملا أطنانا من الشكايات الي الوالي فتصرخ عجوز من شرفتها طالبة رسائل ابنائها الذين ماتوا ثم تعاهدني أن أبعث بدعائها في رسالة الي السلطان مات أبي مغموما لأجلي لكن وصيته التي مزعت اطرافي أن لا أضع رأسي في موضع أقدامي وها أنا أتعلم الحرث والزرع وصناعة الشواديف لكنني أخشي أن أضع في النهاية في موضع البداية إذ ليس بإمكاني أن أضع كل شئ في مكانه.