بعد عامين من غيابه يؤكد الشاعر الفلسطيني محمود درويش حضوره وإصراره علي مواجهة الموت, كمن يتمثل بما أورده شكسبير وهو يتحدث إلي شاعر في واحدة من السنوتاتات التي كتبها وقال فيها: ستبقي لك, في الشعر حياة أخري مادامت هناك أنفاس وعيون قرأنا محمود درويش أول أمس أنا وأصدقاء كثيرون دفعتهم ذكري غيابه لنستعيده علي صفحات الفيس بوك والمدونات, قرأناه في حضرة الغياب فوجدنا أنه رأي بالفعل مايريد,بقي نصه اقوي من حب فلسطين القاسي الذي حذرنا منه, صحيح أن درويش خلق أسطورته وهو لايزال حيا لكن الموت أضفي علي تلك الأسطورة أبعادا جديدة لم تكن فيها, كما أن الحياة ذاتها لم تبخل علي نصه ب ولادة متجددة فمنحته الوسائط التكنولوجية التي سهلت مهمة قراءته وأتاحت نصه للجميع بطريقة مدهشة, فاليوم يستطيع أي قاريء الشعر في أي مكان في العالم أن يضغط علي فارة الكومبيوتر ليجد عشرات المواقع التي تعيد نشر أعمال صاحب ال جدارية بما في ذلك مقالاته النادرة التي نشرها في مجلة اليوم السابع التي توقفت بعد حرب الخليج, واليوم أيضا تجد تلك المقالات آفاقا للقراءة لم تتيسر لها زمن كتابتها مثلها في ذلك مثل نصوصه الشعرية الأخيرة التي تطور فيها ليتجاوز حالة الشاعر العمومي,الي أفق الشاعر الكوني الذي تتقاطع همومه الذاتية مع هموم الآخرين, تطور درويش واخذ جمهوره معه ولم يرض بأن يظل الجمهور في مساحة الركود, خاملا وعاطلا عن العمل,سألته مرة عن علاقته مع الجمهور فقال لي بتواضع:جمهوري تطور معي, أتأمل اليوم تلك العبارة وأجد فيها غير فيض التواضع مفتاحا جديدا لقراءة شعر درويش الذي يثبت موته زيف الاتهامات التي لاحقته في الحياة.يحضر النص مستندا علي جماليات راقية ليؤكد حضور الشاعر وليس موته,تخلص شعره من كل الأعباء التي لاحقت صاحبه في الحياة, لذا يبدو أقرب مايكون الي أثر الفراشة كما تمني صاحبه وأراد. تخلص من كل الزوائد, من التاريخ ومن السياسة بل حتي من الموسيقي وبقي مفتوحا علي التأويل, قابلا لشتي أنواع القراءة, فبعضنا يأخذه الي مواجهة السلطة والاحتلال لكن معظمنا يضمن به عن تلك القراءات الاستعمالية ويبقيه قريبا من القلب دليلا علي ان الشعر ليس في أزمة لكن الازمة في التعامل معه وكما اشرت الاسبوع الماضي فثمة اصرار علي الاساءة الي الشعر بتوريطه والزج به في مرمي الابتذال وعلي الصعيد الشخصي رافقني نص درويش لمدة تزيد علي نصف عمري ومنحتني المهنة بكرمها شرف التعرف عليه والاقتراب منه, لاكتشف مع تقدم العمر كيف كان شعره ملاذا وبيتا وواحة أعود اليها كلما هزمتني الحياة نعم ينقصني حضوره لكن شعره يملأني. وأظن أنه سيظل هكذا يواجه كل ذاكرة تأخذه الي النسيان