كان رأيي منذ سيطرت حركة حماس علي غزة قبل سنوات أن الانقسام الفلسطيني حدث ليستمر لزمن طويل. إذا كانت ثلاث سنوات زمنا طويلا فقد صدق ما توقعته وإن لم تكن كذلك فمازال الانقسام حقيقة واقعة في كل حال. لست سعيدا بصحة ما توقعته, ولست سعيدا باستمرار الانقسام الفلسطيني, لكن الفارق كبير بين الحقيقة تراها فتشير إليها, أو التوقع تصل إليه بالتحليل والدراسة وبين ما تتمني حدوثه. عندما وقع الانقسام منعت الحكومة الشرعية في رام الله الصحف القادمة من قطاع غزة من الدخول إلي الضفة. بعد ذلك بحوالي العام منعت السلطات الإسرائيلية دخول الصحف القادمة من الضفة من الدخول إلي غزة, فاكتملت حلقات العزلة الإعلامية بين الضفة والقطاع. عادت إسرائيل قبل أيام للسماح لصحف الضفة بالدخول للقطاع, لكن حكومة غزة المؤقتة هذه المرة هي التي أخذت القرار بمنع دخول الصحف القادمة من الضفة إلي المناطق الواقعة تحت سيطرتها في القطاع, فأصبح جناحا السلطة الفلسطينية الشرعي وغير الشرعي متعادلين في المساهمة في توسيع الفجوة الإعلامية بين الفلسطينيين في قسمي وطنهم المحتل. الفجوة بين قسمي فلسطين, إذن, آخذة في الاتساع. لدينا إقليمان منفصلان جغرافيا من المستحيل التنقل بينهما بغير موافقة سلطات الاحتلال. ولدينا في القسمين حكومتان لكل منهما إيديولوجية وبرنامج سياسي مختلف, وتحالفات إقليمية ودولية متعارضة, ونظامان تشريعيان أحدهما يقوم علي قوانين شريعة حماس الإسلامية والآخر يقوم علي تشريعات فتح المدنية. أما فيما يخص النظام الاقتصادي, فهناك نظامان اقتصاديان, أو في الحقيقة نظام اقتصادي ونصف, حيث يعاني اقتصاد غزة من قيود الحصار, حتي أصبح التهريب عماد الاقتصاد الغزاوي, بينما لا يمكن لأي نظام اقتصادي حقيقي أن يقوم علي التهريب وما يمكن تمريره من خلال الأنفاق. فوق كل هذا أصبح لدينا نظامان إعلاميان, وأصبح الفلسطينيون في الضفة يقرأون أخبارا وتحليلات ومقالات تختلف عن تلك التي يقرأها أهل غزة. ومع الصحافة المختلفة تتكون رؤي مختلفة للحياة والسياسة وكل شيء, فتزيد الفجوة بين أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة اتساعا. وإذا كان ما نظنه صحيحا من أن الصحف ووسائل الإعلام هي أدوات للتنشئة, فإن الأجيال الأحدث في الضفة والقطاع يجري تنشئتها بطرائق مختلفة, غالبا متناقضة, ولنا أن نتصور نتائج كل هذا بعد عدد محدود من السنوات.