طوي الجريدة.. حاملا مصوغات التعيين التي تطابقت مع مؤهله.. كان ترتيبه السابع والعشرون في طابور المتقدمين للوظيفة الذين تتطابق مع سنوات عمره.. استسلم لوقت الأحلام وقف مشدوها لاهثا أمام فتنة السكرتيرة الثلاثينية.. جمالها وحده لا يخصها.. انه جزء من الهبة التي تجلبها إلي العالم.. عليها أن تتقاسمه معه.. ابتسم لهذا الخاطر وهو يخرج بخار الماء من فيه غزيرا.. فتهب نسمة ماجنة تداعب وجهه الشاحب.. أخذت تقلب في الأوراق حين جاء الدور عليه قالت له ما قالته للآخرين دون أن تنظر إليه: سنهاتفك حين يقع الاختيار عليك.. سرت الكلمات خفيضة.. راجفة.. تتماسك كلما توالت في جمل مترادفة.. كان لها ذلك الحضور الأنثوي اللافح الذي لا تستطيع أن تتجاهله.. ولا يمكن التخلص منه فور ابتعادك عنه.. بعد اسبوع استقبل هاتفه الجوال رسالة تقول: يمكنك تسلم الوظيفة باكر الساعة الثامنة صباحا.. لم يصدق نفسه.. هل الرسالة كتبتها الغادة الفارعة.. تسارعت خطاه.. واستسلم لمناوشات الأفكار التي تتداعي.. ويأخذ بعضها برقاب البعض.. تندت عيناها بغلالة رقيقة من وجد دافق وهي ترحب به.. قائلة: مبروك الوظيفة.. ستأخذ مكاني هنا في السكرتارية.. ترد علي فاكسات العملاء والتليفونات.. ستتدرب لمدة اسبوع ما قبل سفري إلي أمستردام بهولندا بصحبة صاحب الشركة.. ولنري براعتك في إدارة الأعمال كما توضح أوراقك.. اسبوعين سفر.. بعدهما أدبر لك مكتبا عند عودتي.. جلست جواره.. تلقنه سير العمل.. وعطرها ينفذ إلي مسامه التي ما لبثت أن تفتحت.. لتحدث به ما يشبه الزلزال.. مرتبكا.. محاولا أن يستجمع أشتات حيرته.. وهو يصغي لترانيم سماوية تنفذ إلي قلبه.. كان بارعا في إدارة الأعمال وقراءة ما في عينيها من لوعة وحزن.. رغم مكابدتها في كبحهما.. سافرت وأعطته مفاتيح المكتب.. نجح في إدارة وتسيير العمل.. وإرضاء العملاء وكسب ثقتهم.. أهدته زجاجة برفان من النوع النادر والغالي.. وكرافتة من بيوت أزياء كريستيان ديور.. لمح في قاع ضحكتها.. حزنا معتقا.. وهي تسأله عما تردد عنها في الشركة طوال الاسبوعين.. قالوا عن صاحب الشركة: أنه لم يتزوج حتي الآن لأنني عشيقته التي تغنيه عن الأخريات.. أليس كذلك..؟! قال: نعم قالت: سأصارحك لأنني أحببتك.. صاحب الشركة لم يتزوج لأنه ليس له في الزواج ولا النساء.. وعدم النفي أو التأكيد علي الشائعات جزء من صفقة ثمنها.. رحلات وسيارة وحسابات في البنك.. فالشائعات تظهره بالرجل الكامل.. وهذا غير صحيح.. اخترتك لهذه الوظيفة لأنني أحببتك.. رغم كثرة من لهم نفس تخصصك.. إذا تزوجنا.. سنتقاسم الثمن ولن أكلفك الكثير.. فلدي الشقة والسيارة والمال.. قال: أنا الآخر أحببتك.. لكنني أرفض أن يكون حبي لك.. مقابل ثمن.. فالحب الحقيقي عطاء بلا مقابل.. وأنت اعتدت الثمن لكل شيء.. أو لا شيء.. كانت سلالي فارغة حتي التقيت بك.. فامتلأت بأطيب الثمار.. وأجمل الأزهار.. أحببتك وكنت بمثابة الحلم الجميل.. الذي مزقه سيف الواقع المتردي الذي تعيشينه.. لابد أن أنسحب من مواقيتك.. من رصيفك.. من عينيك.. يا إمرأة نشبت أظافرها في قلبي الواهن.. كالمطر المباغت والإعصار. محمد محمود غدية المحلة الكبري [email protected]