تكتشف وأنت تغادر القاهرة الإجابة العبقرية عن السؤال الذي يحلو للبعض ترديده دائما: ما الذي يحدث في مصر؟ وتتذكر تلك المقولة التي تتوارثها الأجيال عند اعتزام احدهم من المحافظات البعيدة والقري النائية بأنه مسافر إلي مصر أم الدنيا, قاصدا العاصمة, وهو ما أصبحت عليه حالنا في توصيف الأحداث حين نعتبر أن تجمعا محدودا في وسط البلد أوصخبا وجدلا تثيره صحف وبرامج معروفة مادة اجبارية ينبغي علي ال80 مليون مصر, استيعاب شرحها والإجابة عنها في أختبارات الوطنية التي تجري خارج مناهج الشرعية ومؤسساتها المنصوص عليها دستوريا. عندما تخرج من الشوارع الخانقة والمزدحمة يتسع مجال الرؤية ويعود اليقين إلي أن مصر الوطن هي أكبر واشمل واعمق من تلك المناوشات والمزايدات التي يتسابق عليها باعة الأرصفة السياسية للترويج لبضاعة غالبا ما تكون مجهولة المصدر ومخالفة لمواصفات الجودة القابلة للاستعمال لدي الشعوب المتقدمة. الطريف في المشهد ان الأمر ذاته يتكرر مع هؤلاء حيث تتلاحق الحملات وراءهم ولكنهم سرعان ما يعودون, تماما كما نري ونتابع يوميا ما يجري لباعة الأرصفة. وعلينا الاعتراف بأن الظاهرة وقد انتقلت من مفهومها الاقتصادي الذي يلحق الضرر بالكيانات التجارية الملتزمة بقوانين التعامل, قد اخذت معها إلي الحالة السياسية ذات الممارسة المعتمدة علي وسائل جذب الانتباه بشتي السبل. بما في ذلك الصراخ والعويل ومستخدمة الاضواء الاعلامية بديلا عن سرقة التيار الكهربائي لدي الباعة الآخرين. ونستطيع ان نضيف لذلك الاعتماد علي المهارةالفردية لجذب الزبائن سواء كان ذلك للصفحات والبرامج الملونة, والتي تجاوزت المرحلة الصفراء لتصل إلي الحمراءوالسوداء بالكامل, وايضا لاجتذاب عناصر جديدة للاحتياجات المتتالية التي بات من الصعب التمييز بين مضمونها, وان كان المؤكد ان الوجوه واحدة وثابتة في كل حدث, وباعتبار ان اصحاب تلك الوجوه قد اعلنوا انفسهم الوكلاء الوحيدين للحرية والديمقراطية في مصر. وإذا كان صحيحا ان مانتحدث عنه ليس جديدا علي الساحة المصرية التي عرفت مثل هذه الاعراض الجانبية من قبل إلا ان الجديد هذه المرة يتعلق بمضاعفات مفاجئة جعلت من تلك الاعراض الجانبية حالة طارئة تستوجب التحليل الدقيق للوصول إلي العلاج المناسب قبل ان يستعصي وتصبح الجراحة امرا لا مفر منه. وعلينا بداية ان نصحح السؤال الذي بدأنا به والذي يطرحه باعة الأرصفة السياسية معتبرين انهم الوطن بكامله, وبدلا من البحث عن ماذا يحدث في مصر, يكون السؤال الحقيقي المطروح علي هؤلاء: لماذا فشلوا في التواصل مع الجماهير بل ولماذا فشلوا مع انفسهم وخسرت بضائعهم علي الرغم من مهارتهم في رفع الشعارات ومنح المزايا التي تضمن لاي عابر سبيل ينضم اليهم ان يصبح في يوم وليلة من المناضلين الاشداء والنجوم الساطعة وتنهال عليه العروض الاحترافية لكي تنهل من خبراته العريقة في ايقاظ روح الوطنية الغائبة عنا جميعا. هؤلاء كانت احلامهم ترتفع إلي السماء فقد شهدت تجارتهم رواجا في فترة من الفترات والمواسم الرئيسية قد اقتربت وخاصة الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة وفيها يصبح المجال مفتوحا وواسعا للترويج والتربح من انتعاش يزيد من ارصدتهم المدعومة من الشركات الأم التي اعطتهم التوكيلات المزيفة. ونظرا لحالة التشابه التي سبق ذكرها بين تجارة الرصيف وباعة الأرصفة السياسية, فإن العرف السائد فيما بينهم هوالاسراع بوضع اليد علي مساحة محددة ليكون الاقرب إلي الجمهور, وهنا وقع الاختلاف والخلاف الذي افضي إلي بيانات ادانة واستنكار واستذكار للخبرات التي لم تحظ بالموقع المناسب فوق الرصيف, وحملت الينا وكالات الانباء اشارات الأسف من الشركات الام علي ما وصلت إليه اوضاع الجماعات المعارضة من التفكك والتشتت والضياع. لذلك كان الاتجاه لانقاذ ما يمكن انقاذه هو تغيير النشاط والبحث عن باطل يجمعهم أيا كان وباي صورة كانت حتي ولو استدعي الأمر وجود مشاجرة, كما يحدث بين باعة الارصفة والاسراع بعمل محضر اثبات حالة طلبا للتعويض. حاولوا اقتناص الهجوم الاسرائيلي المجنون والاحمق علي اسطول الحرية لانعاش اسواقهم التي تلفظ انفاسها الأخيرة, ولكن القرار المصري السريع والحاسم بفتح منفذ رفح والتعليمات الفورية التي اصدرها الرئيس مبارك واتصالاته المكثفه مع جميع القادة والزعماء لرفع الحصار والمعاناة عن سكان القطاع, ذلك كله اخرسهم واسكتهم ولم تعد امامهم مساحة للمزايده وادعاء البطولة والنضال. وتلوح فرصة اخري مصاحبة للمناقشات التي جرت حول قانون الطوارئ, فإذا بالقانون يمدد منزوع الدسم وينحصر في حالتين اثنتين هما الارهاب والمخدرات وتفشل محاولاتهم من جديد. ويأتي حادث الاسكندرية الذي يخضع للتحقيق والمتابعة المباشرة من النائب العام ووسط تأكيدات وشواهد بان العدالة تأخذ مجراها ولا حاجة لكل هذه البيانات التي استدعت ايقاظ الجهات الأجنبية والتي تغط في نوم عميق عن ممارسات اكثر ايلاما وتستهدف شعوبا بكاملها في العراق وفلسطين وافغانستان, ولكنها تسارع إلي الحركة والنشاط في حادث تتباين فيه الروايات مع ضرورة الاشارة إلي القضايا التي سبق فيها الادانة لمن تجاوز في معاملة المواطن ونفذت احكام بحق المتورطين فيها. هكذا دارت الافكار في رأسي طوال الطريق إلي مرسي مطروح حيث كانت مناسبة للقاء اهلنا الطيبين الذين ظلت كما هي الطبيعة عندهم بعيدا عن التلوث. ومنذ اللحظة الأولي التي دخلت فيها إلي قاعة ممتلئة عن آخرها كان لافتا ذلك التلاحم بين الأهالي ورجال الأمن حيث عقدت واحدة من الندوات التي تجوب المحافظات في إطار المبادرة المهمة التي يرعاها وزير الداخلية لنشر ثقافة حقوق الإنسان والوصول إلي المعادلة الصحيحة التي تحفظ تلك الحقوق وتصون امن الوطن والمواطن علي حد سواء. ووجدت اجواء مغايرة تماما لحالة توقعتها فإذا بالحاضرين من غير رجال الأمن يستنكرون الحملات المغرضة التي تريد ان تنال من العيون الساهرة, ولاحظت العلاقة النموذجية التي تجمع بين الجميع, ووقفت احدي الطبيبات لتقول: إلي متي يستمر الصمت علي هذا التحريض المباشر ضد الشرطة واجهزتها وهم الذين يوفرون لنا الأمن والامان. ووقف آخر ليؤكد ان المخطط يستدعي اغلاق بعض الصحف والبرامج, وهي بالمناسبة ليست المرة الأولي التي استمع فيها لمثل هذا الغضب الشعبي. وقلت ان الرد الوحيد هو ما تقولونه والرأي العام يستطيع ان يعاقب الخروج علي القواعد المهنية في المعالجة الإعلامية, اما مساحة حرية الرأي والتعبير فهي وسام علي صدر مصر ولا تراجع عنها تحت أي مبررات, وانتم الخلايا الحية التي تستطيع عزل الجزء المصاب. وقلت ايضا ان الحملات التي تستهدف الدور الأمني مصيرها الفشل لان المواطن هو الأحرص علي ان تظل مصر واحة للأمن والأمان وباعتبار ذلك الشرط الاساسي للمضي علي طريق التنمية وجذب الاستثمارات. وقلت ثالثانها احلام اليقظة لكل من يتوهم ان مصر يمكن ان يكون عراقا آخر او لبنانا ثانيا أو احد النماذج التي يحاولون فرضها وتطبيقها, وذلك لان في مصر قائدا وزعيما له رصيد حاضر يؤكد حكمته ورؤيته الصائبة والنافذة ولن يسمح تحت أي ظروف بالعبث بامن مصر وقد أعلن في أكثر من مناسبة ان ذلك هو خط احمر لا يجوز المساس به. وقلت رابعا.. ان مصر هي الوطن الكبير والقادر وليست بقعة صغيرة تتنافس عليها, وأن المواطن هوالحارس الاصيل علي انجازات الحاضر واحلام المستقبل. وغادرت وصور كثيرة تلاحقني منها ذلك التعامل الرائع من اللواء حسين فكري مدير الأمن بمطروح مع شيوخ القبائل, ومنها حرص نواب الشعب عن المحافظة علي الحضور والمشاركة في مشهد يجسد روح الأسرة المصرية الواحدة. وعلي عكس رحلة الذهاب جاءت العودة هادئة وقد ازداد يقيني بان المواطن المصري سيظل صاحب البطولة المطلقة وانه اكثر وعيا مما يعتقد باعة الأرصفة السياسية الذين بات عليهم اشهار افلاسهم. الطريف في المشهد ان الأمر ذاته يتكرر مع هؤلاء حيث تتلاحق الحملات وراءهم ولكنهم سرعان ما يعودون, تماما كما نري ونتابع يوميا ما يجري لباعة الأرصفة. وتلوح فرصة اخري مصاحبة للمناقشات التي جرت حول قانون الطوارئ, فإذا بالقانون يمدد منزوع الدسم وينحصر في حالتين اثنتين هما الارهاب والمخدرات وتفشل محاولاتهم من جديد. muradezzelarab@hotmailcom