القنوات الفضائية الخاصة حديثة النشأة والتكوين, وعمرها لا يتجاوز سنوات معدودة. لهذا فهي بلا تاريخ, ولا تراث, ولاتقاليد, ولا كفاءات مهنية, يمكن الاعتداد بها. طبعا, توجد استثناءات ويكفي أن أقول ان معتز الدمرداش كان أول دفعته, وأن يسري فودة كان أول دفعته, وكلاهما مثقف, وكلاهما يتقن الإعلام التليفزيوني نظرية وممارسة, في مصر وفي العالم العربي وفي أوروبا. لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن النسبة الكبري من الكوادر العاملة في الفضائيات هي أشتات من اللاجئين إليها من الهواة, ومن المبتدئين, ومن المبتسرين الذين تنقصهم الخبرة, ويفتقدون إلي مقومات النمو والنضج الطبيعي. الحصول علي رخصة لتأسيس قناة أو عدة قنوات فضائية أسهل مليون مرة من إجراءات الحصول علي رخصة لفتح كشك مترين في مترين لبيع السجائر والمرطبات والشيبسي والبسكويت. هذه السهولة في التأسيس أعقبها استسهال في الانطلاق, وما حدث هو الاستعانة بالمحررين المبتدئين في أقسام الحوادث والمنوعات والفن.. ثم تكونت من هؤلاء طواقم الإعداد التحريري للمادة, وللموضوعات وللمصادر والضيوف.. واضافة إلي هؤلاء المبتدئين في الإعداد يأتي المبتدئون في التقديم, ومذيعون ومذيعات تحت خط الفقر المهني, وتحت خط الفقر الثقافي, وعلي رصيف البؤس المعرفي. وقد نجح زملاؤنا الصحفيون في سد جزء من هذه الثغرة, جابر القرموطي, أحمد المسلماني, سيد علي, لأن وراءهم تاريخا في مؤسسة عريقة مثل الأهرام..... كما نجح غيرهم من مؤسسات صحفية أخري, لكن تبقي الحقيقة شاخصة: هؤلاء صحفيون نجاحهم منسوب إلي مؤسساتهم وليس إلي القنوات الفضائية التي استعانت بهم. القنوات الفضائية تتبني الاستسهال في كل شيء من الرخصة, إلي الإعداد, إلي التقديم, إلي الإنتاج, إلي سرعة التحضير, إلي عدم التقيد بمعايير, إلي التمتع بمزايا العشوائية المتحررة. مالم تكن الفضائيات جادة في التحول إلي مؤسسات, فإنها سوف تبقي مجرد أكشاك لتعبئة الولاعات, وبيع الكبريت, والسجائر الفرط, والحاجة الساقعة.