للتعليم أهدافه وأسسه وفلسفته التي يحددها المجتمع ونظام الحكم في ضوء مبادئ التربية والتعليم والغرض منه وفي ضوء الطلب الاجتماعي عليه والحاجات الأقتصادية والسياسية والاجتماعية التي عليه ان يلبيها ويفي بها, وكذلك في ضوء التحديات الثقافية والمهنية العالمية. وفي ضوء هذا التصور يعاني نظامنا التعليمي العديد من المشكلات, فهناك الأزدواجية الحادة بين أنواع من التعليم مختلفة ومتخاصمة بين تعليم ديني أزهري وتعليم عام حكومي وتعليم لغات خاص وتعليم دولي وهذا كله مما لا شك فيه يلقي بظلال من الشك علي المواطنة ودور التعليم في ترسيخها, وهناك فقر الأنفاق الحكومي علي التعليم فالدولة تنفق علي التعليم نحو30 مليار جنيه وهو مالا يتجاوز4% من إجمالي الناتج القومي, وتنتهي تلك النسبة الي أن نصيب الطالب من الأنفاق الحكومي علي التعليم لا يتجاوز ألفا وخمسمائة جنيه وهو انفاق لا يلبي احتياجات صناعة التعليم بتحدياتها الكبيرة الت1ي تتعاظم يوما بعد يوم. ويرتبط بتدهور الانفاق تدهور مرتبات المعلمين فمرتب المعلمين الكبار لا يسد حاجة الانفاق الكريم علي أسرهم وهو ما أدي الي فقدان مهنة التعليم لمصداقيتها من ناحية ودفع بالمعلمين الي البحث عن مصادر أخري للدخل وهو ما انعكس علي إهمالهم لمهنتهم التاريخية. وقد أدي هذا كله الي تدهور وانهيار مستوي الكفاءة المهنية في التعليم فلا أحد أصبح يثق ان ابناءنا من الحاصلين علي الشهادة الأعدادية أو الحاصلين علي الدبلومات الفنية يستطيعون مجرد القراءة والكتابة. وانهارت علاقة التعليم بسوق العمل فلا التعليم يلبي احتياجات سوق العمل بتخريج المهنيين المهرة الذين يحملون مهارات تكفل لهم العثور علي العمل المناسب في تلك السوق. ولا السوق نفسها تجد من تحتاجهم بين ملايين المتعطلين من المتعلمين ولم يعد نسقنا التعليمي القائم علي الحفظ والاستظهار والتلقين والتسميع والأملاء يناسب العصر وما يتفجر فيه من معارف وعلوم كل يوم, ولم يعد الامتحان الذي التهم العملية التعليمية كالثقب الأسود يقيس شيئا وأصبح بمقدور الطلاب النجاح فيه بحيل فنية ومذكرات ومختصرات ودروس خصوصية أصبح بإمكانهم النجاح والحصول علي أعلي الدرجات دون أن يتعلموا شيئا ينفعهم في حياتهم وفضلا عن ذلك تكدست الفصول بالتلاميذ واختفت الأنشطة وفي ظل كل هذه العوامل أصبح التعليم كله عملية شكلية ورقية روتينية يحضر الطلاب ويتم أخذ الغياب والحضور ويدرس لهم المدرسون ويفتش المفتشون ويوجه الموجهون وتقام الامتحانات وتعلن النتائج والمحصلة النهائية أنه لا تعليم حقيقي نعرف أوله من آخره ولا شك ان وزير التربية والتعليم الحالي يحاول جاهدا عمل شيء مختلف عمن سبقوه, ومن هنا فهو يعد أول وزير أعرفه يعلن علي الملأ ان حالة التعليم والمدارس ليست بخير وان الأمور ليست علي ما يرام, وراح تبعا لذلك يكثر من الزيارات الميدانية المفاجئة ويتصل بنفسه بالواقع التعليمي دون ان يكتفي بالتقارير المدبجة التي تؤكد ان الأمور تمام التمام وان كل شيء علي ما يرام, يستقبلها في مكتبه المكيف ويدفع بها الي الصحافة. ولكن طبعا لن يكون هذا خاتمة المطاف فبعد تأكيد قيمتي الانضباط والجدية من المفترض ان تكون هناك استراتيجية لإصلاح التعليم وتعظيم موارده وإعادة هيكلته وتحديد أهدافه ومن ثم وضع خطة أو خطط للتأكد من ان تلك الأهداف في سبيلها الي التحقق عبر آليات معروفة تتم صياغتها بإشراك المهتمين والمعنيين والمتخصصين ولكن بدلا من أن تهتم الحكومة بالترتيب لوضع تلك الخطة مع الوزراء المعنيين, نراها تسارع بإهتمام بالغ بالإعلان عن مشروع تعليمي محدود وهو انشاء مدارس دولية تسمي مدارس النيل كنموذج للمدرسة الحديثة والعصرية وتعلن انها ستدرس مناهج كندا وأمريكا وغيرهما من الدول المتقدمة كما تعلن أنه سيتم البدء بتنفيذ مدرسة واحدة في كل محافظة من محافظات مصر وان مصروفاتها ستكون في حدود ستة آلاف جنيه. وهنا يحق لنا ان نتساءل: الم يعلن وزير التعليم الحالي وقف تراخيص المدارس الاجنبية فلماذا تتساهل الحكومة هنا وتعطي ترخيصا لمثل تلك المدارس؟ أم أنها ستنشأ في الأساس بعيدا عن سلطة الدولة وعن رقابتها؟ ولماذا تتحمس الحكومة لمثل هذا المشروع المحدود والذي كان من الممكن ان تقوم به إحدي الجمعيات الأهلية الكبيرة؟ وهل معني هذا كله ان الحكومة قد أدارت ظهرها تماما لتعليمنا الوطني الحكومي تعليم الفقراء وترتبط بمشروعات الحكومة التعليمية كذلك ما أعلنت عنها من تشكيل مجلس استشاري لهيئة الجودة والاعتماد الأكاديمي ضمت فيه عشرات من علمائنا المصريين العاملين بالخارج وما أدراك ما الخارج والذين سيقدمون مشورتهم الثمينة والغالية بالطبع للنهوض بجامعاتنا وتعليمنا بوجه عام. وهنا أيضا من حقنا ان نتساءل إذا كان لعلمائنا في الخارج علم لا يستهان به فماذا يعرفون عن مدارسنا وعن تلاميذنا وعن أحوال تعليمنا وماذا يستطيعون ان يقدموا لفصول تبلغ كثافة التلاميذ فيها ثمانين تلميذا وماذا يستطيعون ان يقدموا ميزانية ضئيلة لا تسد الرمق لتعليم نحو عشرين مليون طالب. أما السؤال الأهم والذي نقدمه الي الحكومة ملحين بإصرار علي الأجابة عنه فهو, هل استنفدت الحكومة مشورة ونصح علماء الداخل وهل نفضت يدها منهم تماما وأدارت لهم ظهرها؟ وهل تعلم الحكومة أن من هؤلاء العلماء علماء الداخل من يطلب الخارج مشورته وعونه؟ وهل تعلم الحكومة ان هؤلاء العلماء هم اساتذة علماء الخارج الذين بهر بريق اسماء جامعاتهم رئيس الوزراء؟ وهل تعلم الحكومة ان هؤلاء العلماء علماء الداخل هم الذين اسسوا الجامعات العربية فتقدمت وازدهرت؟ لقد كنت أحب أن أذكر في مقالي هذا عينة من بعض الأسماء الكبيرة في مختلف التخصصات والتي مازالت تلهمنا العلم والتقدم والوطنية معا ولكني موقن بإن صفحات الصحيفة لن تكفي لذكر تلك العينة في مختلف التخصصات. وأنا أظنك يا دولة رئيس الوزراء تسعي للتحديث والتغيير, أفليس من اللائق ان نغير ما ألفناه من آن زامر الحي لا يطرب وان منا من هو مثل القرع يمد لبره. [email protected]