الأولي مساء24 يونيو2012, حين توجه الرئيس بخطابه إلي جماعته: أهلي وعشيرتي, وهي نظرة تحكم أداءه وخطابه. والثانية بعد الإعلان الدستوري يوم21 نوفمبر2012, قنبلة دخان أطلقها الإخوان لتمرير دستور طائفي, فانفجرت اللعنة في مكتب الإرشاد, ودمرت المشروع الإخواني, ونسفت جهود أكثر من ثمانين عاما من جهاد الإخوان في سبيل الوصول إلي حكم مصر, ولعل روح حسن البنا قلقت, وشقاء عمر يذهب هباء, إذ انقسم الشعب إلي فسطاطين, ليس كما أراد االبنا وخطط.. فسطاط المؤمنين بدين الإخوان وفسطاط الآخرين, وإنما استظل فريق بدخان قنبلة الإعلان غير الدستوري وآثاره, وابتعد الشعب عن مواطن الشبهات الوطنية. ولم يجتمع المصريون بعد لعنة ذلك الإعلان الدكتاتوري علي كلمة سواء, وأعلن الثوار منع الإخوان دخول ميدان التحرير, منذ سقوط أول شهيد برصاص الشرطة, جابر صلاح جيكا, يوم20 نوفمبر2012, وحظر دخول الإخوان إلي الميدان, وتعليق لافتة ممنوع دخول الإخوان تطل علي ميدان التحرير بعرض شارع محمد محمود. كان جيكا من مؤيدي مرسي, مثل ملايين الرافضين لترشح شفيق. منذ قرر الحلفاء الاصطفاف مع مرسي, وأنقذوه من السقوط أمام شفيق, بدا حسن نية الملايين ممن فتحوا صدورهم, وأعلنوا طي صفحة الإخوان الدامية, وصدقوا وعود مرسي وتعهداته التي نصت عليها اتفاقية فيرمونت. وكان علي المتعهد أن يفي. ولكن الإخواني يكون أكثر وفاء لماضيه وتربيته الإخوانية, وتقوده رؤية عنصرية للعالم إلي حذر ينتهي إذا امتلك القوة, ويتربص الإخوان بالقضاء والجيش والأزهر الذي كان هدفا منذ اليوم الأول. * مساء30 يونيو2012: خطاب الرئيس في جامعة القاهرة. لم يجد شيخ الأزهر أحمد الطيب له مقعدا في الاحتفال, وقد احتل سعد الكتاتني الرئيس السابق لمجلس الشعب المنحل مقعدا في الصف الأول, جلس رئيس حزب الحرية والعدالة الإخواني في كرسي مخصص لرئيس مجلس الشعب غير الموجود أصلا, وشيخ الأزهر انتظر طويلا, ثم آثر علي الانصراف حرصا علي كرامة الأزهر وعلمائه, كما جاء في بيان الأزهر في اليوم التالي. ثم هاتف الرئيس الطيب, بعد ذلك, لتطييب خاطره. في خطبه الغزيرة بمناسبة ومن دون, ظل مرسي حريصا علي أن يذكر بأنه الرئيس. لا يذكرنا فنحن من اختار, ولكنه يذكر نفسه, ويريد اكتساب ثقة ومهابة يسهل أن تتسرب من كلامه المرسل, وكانت تتسرب بالفعل. كان الرجل وفيا للأوعية الإخواني, ينسي دائما أنه الرئيس; فقبل بدء حفل التخرج للدفعة49 للكلية الفنية العسكرية, يوم9 يوليو2012, نزل الرئيس من السيارة, واستقبله الحاضرون ومنهم شيخ الأزهر الذي مد يده, فقبض مرسي ذراعه إلي جواره, كاد يضع يده في جيب الجاكيت, هي نفسها اليد التي بسطها مرسي لمصافحة ممثل الجيش بجوار الشيخ الطيب. حركة كيد صبيانية صغيرة, لا تليق برئيس ولا بمسئول صغير. في اليوم التالي,10 يوليو, تظاهر شباب الإخوان أمام محكمة مجلس الدولة لدعم قرار الرئيس إعادة مجلس الشعب, واعتدوا علي المحامي نجاد البرعي لأنه يرفض قرار عودة البرلمان, وللسبب نفسه اعتدوا بالسب والضرب علي عضو البرلمان حمدي الفخراني, وفي ميدان التحرير اعتدت طائفة منهم علي أبو العز الحريري الذي قال في مجلس الشعب ذي الأغلبية الإخوانية, قبل الانتخابات الرئاسية حين كان الإخوان ينحنون للعسكر, إن طنطاوي شريك في الأحداث الدامية التي تمر بها مصر, وإن لأعضاء البرلمان صلاحية علي المجلس العسكري وعلي كل الهيئات. الشرعية الثورية الآن تتعالي علي الدستور المنعدم... رئيس المجلس الأعلي( للقوات المسلحة, المشير طنطاوي)... مكانه السجن. *5 أغسطس2012: استشهد16 مجندا وضابطا, علي الحدود المصرية الفلسطينية, أثناء تناول الإفطار في رمضان, ونجا من الموت سبعة مجندين بعد إصابتهم. شن مسلحون هجوما في وقت قاتل, واستولوا علي مركبتين, وانطلقوا بهما, فانفجرت إحداهما قرب الحدود, وبعد توغل المدرعة الأخري داخل الأراضي الفلسطينية بنحو2000 متر, ضربها سلاح الجو الإسرائيلي بصاروخ, وقتل نحو ثمانية من القتلة. صارت مجزرة رفح عنوانا للفشل, كارثة عصفت برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء مراد موافي(8 أغسطس). غاب مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل عن الجنازة, آخر مشاركات طنطاوي في الحياة العامة, فبعد أسبوع عزله مرسي(12 أغسطس), واستبدل به اللواء عبد الفتاح السيسي الذي أصبح الفريق أول. منذ12 أغسطس2012, انفرد مرسي بالسلطتين التنفيذية والتشريعية. لم يعترض أحد, تأكيدا لحسن النية, ومنح الرئيس المنتخب فرصة ممارسة صلاحياته; فلا تسير دولة برأسين متنافسين, الرئيس والمشير, ومن صلاحيات الرئيس أن يعزل وزيرا ويعين غيره, بمن في ذلك وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة. شهد شهر أغسطس وقائع غريبة. أفتي رجل اسمه هاشم إسلام عضو لجنة الفتوي بالأزهر بوجوب قتال المشاركين في مظاهرات24 أغسطس2012, باعتبارهم خارجين علي ثورة يناير, ووجه إليهم تهمتي الخيانة العظمي لله والوطن ورسوله والمؤمنين, والحرابة الكبري, ودعا الشعب إلي قتالهم فإن قتلتموهم فلا دية لهم ودمهم هدر. خلط الرجل قولا صالحا بآخر سيئا, عسي الله أن يهديه سواء السبيل. ومنذ متي كان رجال الدين ثوارا؟ هم الأحرص علي بقاء الحاكم ولو كان ظالما. وقد راجعت تصريحات أغلب رجال الدين قبل25 يناير2012, من شيخ الأزهر إلي المفتي إلي نجوم القنوات الفضائية الدينية, فوجدتهم يؤكدون دورا سلبيا لرجل الدين في ترسيخ الاستبداد, ودعم الوضع القائم, والرضا به طمعا في الجنة, وحرمة الخروج علي الحاكم, ولو كان عبدا حبشيا ظالما. في هذه العتمة, وجد حزب النور السلفي نفسه لاعبا في منتخب رئاسة الجمهورية, وأصابت بعض رموزه ضلالات الإخوان, فرفض خمسة من أعضائه الوقوف للسلام الجمهوري المصري, في مجلس الشوري. في وقت لاحق سوف يفترش الإخوان وأنصارهم علم مصر, ويحرصون علي أن يظل علم الجماعة مرفوعا, في مليونية الشريعة والشرعية يوم30 نوفمبر في ميدان نهضة مصر بالقرب من جامعة القاهرة, وبعد عزل مرسي سوف يرفعون علم مصر مقلوبا. *25 سبتمبر2012: استهداف المسيحيين في رفح, وتلقيهم تهديدات بالقتل, وإطلاق النار علي بيوتهم. تواصل تهديد إرهابيين إسلامجية للمسيحيين بالقتل. من فوق دراجة نارية أطلق ثلاثة مسلحين النار علي محل يملكه مواطن مسيحي, وغادرت تسع عائلات بيوتها. هجرة الخائفين من رفح سبقها تهجير مسيحيين في دهشور, ففي26 يوليو2012 وقعت اشتباكات ترتب عليها اضطرار أسر مسيحية إلي ترك بيوتها. استمر التهجير17 يوما, وانتهت الأزمة بتدخل أهلي عشائري في غياب الدولة. وفي وقت مبكر, يوم13 فبراير2012, كتبت بيانا مفتوحا وقعه مئات من الكتاب, عنوانه بيان مثقفي مصر حول الفتنة الطائفية, يدين الحملات التي تستهدف المسيحيين, بداية من حرق كنيسة في حلوان, مرورا بالاعتداء علي مواطن في قنا وقطع أذنه, وحرق كنيسة في إمبابة, وصولا إلي تهجير مواطنين في الإسكندرية, وهي جرائم تعد انقلابا علي الدولة المدنية. كما يرفض الموقعون الحلول العشائرية ذات الطابع الديني, تلك التي تدعي وأد الفتنة, ثم تتسبب في إشعالها بعد فترة, بسبب الخطاب الديني الطائفي في المساجد وبرامج الفضائيات الدينية والرسمية. ويشدد الموقعون علي أن ثورة25 يناير2011 التي شارك فيها الشعب المصري إنما سعت إلي ترسيخ مبدأ المواطنة, وإقرار دولة القانون, مدنية ديمقراطية يتساوي فيها الجميع, من دون تفريط في رعايتها الوجوبية لجميع مواطنيها, بصرف النظر عن الدين أو الجنس. ولكن تحذيرات العقلاء لا تجد تجاوبا ولا صدي في نفوس عنصريين وجدوا في صعود الإخوان للرئاسة فرصة للكلام باسم الله, حيث أعلنت جمعية خيرية عن تنظيم دورة عنوانها نقد المسيحية, بمقر الجمعية في مدينة نصر آخر شارع مصطفي النحاس خلف أولاد رجب. رسوم الاشتراك200 جنيه. *6 أكتوبر2012: مرسي يحتفل بنصر أكتوبر في استاد القاهرة. بدا الحفل كأنه مؤتمر لجماعة الإخوان لا مناسبة وطنية, ففي المدرجات شباب الجماعة, وفي أركان الملعب يتوزع أعضاؤها, حشد الإخوان أنصارهم بالطريقة وبالحافلات نفسها التي كانت تنقلهم من الأقاليم إلي القاهرة. نظم الإخوان الاحتفال, وأشرفوا علي إخراجه, بدلا من أن تقوم بذلك وزارة الدفاع أو رئاسة الجمهورية. جاء الحفل معالم في الطريق للانفراد بالدولة واحتفالاتها, وفي مقدمتها نصر أكتوبر الذي غاب عنه اسم أنور السادات وأسرته, وقادة حرب أكتوبر وقدامي المحاربين والمصابين وعائلاتهم. غاب أصحاب النصر وحضر بعض قيادات أعضاء الجماعة الإرهابية التي شاركت في اغتيال السادات يوم6 أكتوبر.1981 استبعد أبطال الحرب وحضر طارق الزمر. قتل السادات ثلاث مرات.. حين اغتاله إرهابيون, الثانية بتجاهل مرسي ذكر اسمه, علي الرغم من تباهيه الساذج وهو يدخل الاستاد راكبا سيارة السادات المكشوفة متوهما أنه قائد النصر, والثالثة بحضور من شارك في اغتياله. توقعنا حضور أسرة رئيس أركان القوات المسلحة في حرب أكتوبر1973 الفريق سعد الدين الشاذلي. عاد الشاذلي من المنفي, ورضي بالسجن, رافضا أن يقدم لمبارك التماس عفو, وقد حذفت صورته من لوحة الشرف الخاصة بحرب1973, وأضيفت صورة مبارك. في يوم10 فبراير2011 توفي الشاذلي, ولعله أدرك في أيامه الأخيرة روعة الشعب في ثورته, وعار مبارك وهو يستقوي, في اليوم نفسه, بالعدو; ففي ذلك اليوم أجري مبارك اتصالا بقائد وحدة شكيد العسكرية في حرب1967, الوزير الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر. وسوف يقول بن أليعازر, في اليوم التالي( الجمعة11 فبراير2011) للتلفزيون الإسرائيلي إن محادثات هاتفية جرت مع مبارك أمس الخميس لمدة20 دقيقة, وإنه قال أشياء قاسية جدا بشأن الولاياتالمتحدة... أعطاني درسا في الديمقراطية, وقال: نري الديمقراطية التي قادتها الولاياتالمتحدة في إيران, ومع حماس في غزة, وهذا هو مصير الشرق الأوسط. ربما يتحدثون عن الديمقراطية ولكنهم لا يعلمون ما يتحدثون بشأنه, وستكون النتيجة تطرفا وإسلاما راديكاليا. ظلت معركة الدستور هي الرهان علي إثبات حسن النية. انتظرنا أن يفي مرسي بتعهداته, أن تمثل له اتفاقية فيرمونت عبئا نفسيا, ولكنه تعامل بسيكولوجية صائد الفريسة, ونظمت مظاهرات سلمية( وهل تكون مظاهرات النبلاء, المواطنين غير العنصريين, إلا سلمية؟!) منها مظاهرة تحت شعار دستور لكل المصريين, يوم2 سبتمبر2012 أمام مجلس الشوري, حيث تجتمع لجنة الدستور. تخلي مرسي عن نص صريح في اتفاقية فيرمونت, والتزم به أمام ممثلي: السعي لتحقيق التوزان في تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين, وفي كلمته يوم الأربعاء26 سبتمبر2012 أمام الجالية المصرية في أمريكا قال: لا أملك التدخل في عمل الجمعية التأسيسية للدستور, وأتابع عملها. تآكلت مساحات الثقة بين الرئيس والشعب, وبدلا من الفتونة بفتح الصدر أمام الكاميرات مساء الجمعة29 يونيو2012 في ميدان التحرير, وإعلان مرسي أنه لا يتردي قميصا واقيا, لم يعد ينزل إلي الشارع, وخلت نظراته من الاطمئنان حتي وهو بين يدي الله. يفترض في حافظ القرآن أنه مطمئن بالإيمان, ويفترض في الرئيس أنه مطمئن بالسلطة, ولكن نظرات مرسي وهو يصلي في المركز الإسلامي في روما, يوم14 سبتمبر2012, في مسجد مدجج بالحرس الشداد تؤكد أنه غير خاشع, ولا تقول إنه مطمئن بالإيمان.( لست الآن في حل من وعد بألا أذكر تفاصيل قرار مرسي بعد غضبه علي السفير المصري في روما, وقرر إعادته, بسبب فشل صفقة تقدر بملياري دولار ضاعت علي أحد أعضاء مكتب الإرشاد). وفي الصورة التذكارية لمرسي وأعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة, يوم12 أبريل2013, كانت له نظرات هارب من العدالة, شبيه السلطان الذي ألبسوه ثيابه, وعاملوه بما يليق بالمنصب, ولكنه يشعر بالنهاية. في ذلك اليوم, عقب اللقاء, قال السيسي إن القوات المسلحة لا تخون شعبها أبدا. شهد أول100 يوم في حكم مرسي توأمة بين الإخوان والحركات الإسلامية بأطيافها, من الدعوي إلي الإرهابي, ولم يكن مدهشا ألا يقف أعضاء في حزب النور السلفي للسلام الجمهوري داخل البرلمان. علم الدولة رمز السيادة, والبرلمان من مفردات الخطاب العلماني الديمقراطي, ولكنهم مثل الإخوان يعتبرون الدين جنسية, ولا يؤمنون بمفهوم الدولة, وما الديمقراطية إلا سلم للوصول وسفينة تبلغهم شاطئ الحكم, ثم يحرقون المراكب في عملية انتحار شاء لها الشعب ألا تكتمل. في مثل هذه الأجواء لم يكن غريبا أن يصرح المهندس محمد الظواهري الشقيق الأصغر للطبيب أيمن المقيم في جبال أفغانستان, بثقة شديدة لصحيفة الجمهورية يوم9 أكتوبر2012, قائلا إن نص السيادة للشعب في الدستور الذي لم تنته الجمعية التأسيسية من كتابته شرك بالله.. والانتخابات حرام. يحمل الظواهري لقب زعيم السلفية الجهادية, وحيث إنه لا جهاد اليوم في مصر لإدخال مسلميها إلي الإسلام, فيكون الاسم الأكثر دقة هو السلفية الإرهابية. قال الرجل أيضا: قتل السادات عمل صالح وواجب شرعي. في الشهر نفسه, قال السلفي التكفيري مرجان الجوهري إن الديمقراطية تخالف الإسلام, وإن من أقدم علي قتل السادات كان مصيبا في فعله... قتل السادات كان واجبا شرعيا. بمحمد الظواهري ومرجان الجوهري تكتمل أضلاع مربع دام بدأ بالبنا مهندس الاغتيالات, ثم مصطفي مشهور الذي دافع عن شكري مصطفي قاتل الشيخ الذهبي: نعم لم يكن حصيفا في اغتيال الشيخ الذهبي ولكنه لم يكن مخطئا. ومحمد الغزالي الذي أدان الضحية فرج فودة, والتمس العذر لقاتليه. رابط دائم :