غضب في فرنسا, و استطلاعات رأي في ألمانيا حول ضرورة اعتذار أوباما لميركل, وجدل علي صفحات الجرائد والمجلات العالمية في جهات العالم الأربع حول تنصت الولاياتالمتحدةالأمريكية علي حلفائها الأوروبيين. حالة جديدة من الصخب الذي لا ينتهي ولن ينتهي إلي شيء علي الإطلاق. يهيأ لي أن هذا الجدل المصطنع يهدف للتغطية علي أمر جلل, لا أعرفه بالتحديد, ربما لسريته أو لخطورته, ولكن إثارة الجدل من جديد حول التنصت بشكل عام وتنصت واشنطن بشكل خاص علي زعماء أوروبيين تشير إلي وجود مصيبة كبري تدبر بليل أخطر كثيرا من قصة التنصت. التنصت علي الاتصالات قدرة تكنولوجية متاحة لكل من يمتلك ناصية العلم, وليست حكرا علي الولاياتالمتحدة نفسها, ولكنها موجودة لدي الأمريكيين والأوروبيين وغيرهم, ولا أستبعد أن تكون كل الدول المتقدمة تمارسه طوال الوقت علي أعدائها وحلفائها علي السواء. الجديد في الأمر هو إعلان واشنطن تنصتها علي العالم كله..هكذا بمنتهي البجاحة والوقاحة والصراحة, وذلك لامتلاكها تكنولوجيا متقدمة في التنصت تتفوق علي ما لدي غيرها من الدول, والكوادر القادرة علي الاستفادة من كم المعلومات الرهيب الذي ترصده بوسائلها من مشغلين ومحللين, وربما تكون لديها القدرة علي حماية اتصالاتها من التنصت من جانب الآخرين, وهو ما أثار غضب الألمان والفرنسيين وغيرهم. الحكومات تدرك جيدا أن اجتماعاتها واتصالاتها وأسرارها مكشوفة بدرجة أو بأخري لبعض الدول المتقدمة, وتتعامل مع الموقف بمحاولة التلصص من جانبها علي ما تطوله تكنولوجيتها وأجهزتها الاستخباراتية من معلومات عن الطرف الآخر, ومحاولة التمويه وحماية الأسرار العليا للدولة بأي نسبة متاحة, أما الجديد في الأمر فهو إدراك الشعوب هذه الحقيقة الصادمة ومواجهة حكوماتها بضرورة اتخاذ موقف. الموقف في مثل هذه الظروف يتطلب امتلاك الدولة المتلصص عليها تكنولوجيا أكثر تطورا تضمن لها حماية أسرارها من التنصت, فإن لم تمتلكها فلا سبيل لحماية أسرار رؤسائها ووزرائها. الغريب في الأمر أن الأوروبيين أعلنوا سخطهم وغضبهم من تنصت حليفتهم الكبري واشنطن علي زعمائهم, وهم يعلمون علم اليقين أن حكوماتهم تتنصت من جانبها علي اتصالات الأمريكيين أنفسهم كلما سمحت لها الظروف, وقد يسعدهم تمكن أجهزتهم من التجسس علي الآخرين, وربما يكمن السر وراء هذا الجدل المحتدم الإعلان من جانب واشنطن بهذه الطريقة الفجة عن تنصتها عليهم من دون مراعاة لأصول الصداقة والتحالف.. ولا عزاء لمن لا يملك وسائل حماية أسراره. رابط دائم :