الطب البيطري بدمياط: ضبط 88 كيلو لحوم مذبوحة خارج المجازر الحكومية    النجمة الفرنسية ماريان بورجو : محمود حميدة عملاق وأنا من جمهوره    أبطال فيلم لعل الله يراني: العمل يحارب زيادة حالات الانتحار    نقيب الإعلاميين يهنئ الرئيس السيسي بذكرى نصر أكتوبر: يجسد إرادة المصريين وعزيمتهم    7 معلومات عن تطورات مشروع رأس الحكمة التنموي    حياة كريمة ببنى سويف: مبادرة بيع اللحوم بأعلى جودة وأقل سعر تحارب الجشع    شركات عالمية ومصرية وإماراتية.. تفاصيل إطلاق شراكة لتعزيز الابتكار في المركبات الكهربائية الذكية    «الجمارك» تكشف موقف سيارات المعاقين الجديدة غير المفرج عنها    قوات الاحتلال تمنع دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة    المرصد العربي يناقش إطلاق مؤتمرًا سنويًا وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان    مستوطنان إسرائيليان يقتحمان المسجد الأقصى ويؤديان طقوسا تلمودية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عسكريين اثنين في معارك جنوب لبنان    الصليب الأحمر: الشرق الأوسط على شفا صراع مسلح    ذا صن: ريال مدريد يتحرك بجدية للتعاقد مع أرنولد قبل نهاية عقده مع ليفربول هذا الصيف    مصدر من نادي دلفي ل في الجول: إلغاء مباراتنا أمام إنبي في دوري السيدات بسبب أكاديمية الأهلي    رئيس جامعة المنوفية يثمن تكريم الرئيس السيسي لأوائل الخريجين | صور    مصرع شخصين في حادث تصادم بالغربية    «الداخلية» تحرر 591 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة».. وتسحب 1536 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    جامعة حلوان تطلق "أسبوع الخدمة العامة" لتعزيز الانتماء الوطني لدى الطلاب    أعضاء حزب العدل في المحافظات يتوافدون للتصويت في انتخابات الهيئة العليا    القومي للسينما يعرض فيلم المحارب أحمد بدوي بأمسية يوم النصر    «الموسيقيين»: ما جاء في مسلسل «تيتا زوزو» إهانة لأبناء المهنة    بعد كمائن جنوب لبنان.. أسلحة عبوة سجيل بطلة حروب الكمائن    الشوط الأول.. الأهلي يتقدم على الزمالك في أول قمة تاريخية لكرة القدم النسائية المصرية    رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين في لبنان... منتسِبة تروي اختبارها الروحانيّ    واعظ بالأزهر: الله ذم الإسراف والتبذير في كثير من آيات القرآن الكريم    مصرع «طالب» غرقا في نهر النيل بالمنيا    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم بالغربية    «وما النصر إلا من عند الله».. قافلة دعوية ببني سويف تزامنًا مع احتفالات أكتوبر (صور)    جيفرسون كوستا: أسعى لحجز مكان مع الفريق الأول للزمالك.. والتأقلم في مصر سهل    الأنبا توماس يستقبل رئيس وزراء مقاطعة بافاريا الألمانية    وزير الاتصالات يلتقي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا    وزارة الثقافة تحتفي بنصر أكتوبر على مسرح البالون    تامر حسني وابنه يظهران بالجلابية البيضاء: «كنا بنصلي الجمعة»    «حياة كريمة» تواصل توفير اللحوم والدواجن بأسعار مخفضة.. ننشر نقاط التوزيع    «جولة مفاجئة وتفتيش بالمخازن».. وكيل صحة مطروح يحيل مشرفي تمريض بمستشفى للتحقيق    منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر انتشار فيروس ماربورغ القاتل    سلوت: اسألوني عن عقد صلاح بعد التوقف الدولي    "الإنجاز له طعم خاص".. يحيى الدرع يعلق على الفوز بكأس العالم للأندية    خبير: بعض اتهامات القرصنة بين أمريكا والصين غرضها «الدفاع»    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    عادل حمودة: أحمد زكي كان يندمج في التمثيل إلى درجة المرض النفسي    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    بالصور- ضبط 4.5 طن لحوم ودواجن فاسدة بالمنوفية    عاجل.. أول رد من الأهلي على عقوبات مباراة بيراميدز.. طلب خاص لاتحاد الكرة    حملة للتبرع بالدم في مديرية أمن البحر الأحمر لإنقاذ حياة المرضى    ضمن «حياة كريمة».. فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    فحص 1703 مواطنين في قافلة طبية ببني سويف    في يوم الابتسامة العالمي.. 5 أبراج تحظى بابتسامة عريضة ومتفائلة للحياة    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    أسعار الفراخ البيضاء في بورصة الدواجن اليوم الجمعة 4-10-2024    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    هل يجوز الدعاء للزواج بشخص معين؟ أمين الفتوى يجيب    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود الورداني يكتب عن‏:‏ محمد سيد أحمد الذي لايحتاج الي سرادق عزاء‏!‏

لا أظن أن هذا الاجماع الذي انعقد للراحل الكبير محمد سيد أحمد مصادفة علي الاطلاق‏,‏ خصوصا أن الاجماع لم يأت من جانب زملائه ورفاقه في الحركة اليسارية فحسب‏,‏ بل ان التيارات والمنابع الفكرية المختلفة أجمعت علي اعتباره رجلا من طراد فريد قديسا علي نحو ما قادرا علي أن ينظر أبعد من الجميع فيري مالانراه‏.‏
وفي كتاب محمد سيد أحمد‏...‏لمحات من حياة غنية الذي أصدرته أخيرا دار الشروق وحررته علي نحو ممتاز ومكتمل مني أنيس‏,‏ يمكن للقاريء‏,‏ بفضل الاعداد والتحرير الجيدين أن يتعرف علي كل جوانب هذه الشخصية الغنية المؤثرة فيمن حولها‏.‏
ضم الكتاب ثلاثة أقسام شملت تقريبا كل مايتعلق بالراحل الكبير‏,‏ وتضمن القسم الاول ذكريات عائلية شهادات تقطر صدقا لزوجته وابنائه وشقيقته وصديق صباه‏,‏ وفي القسم الثاني سنوات الصراع شهادات لزملائه ورفاقه في الحركة الشيوعية‏,‏ بينما تضمن القسم الثالث تحية‏..‏ شهادات عنه وحوله من عدد كبير من الكتاب والمفكرين ينتمون لمختلف أطياف التيارات السياسية وأخيرا تضمن القسم الرابع هكذا تكلم محمد سيد أحمد شهادة كان الراحل قد قدمها للجنة توثيق تاريخ الحركة الشيوعية المصرية في تسعينيات القرن الماضي‏.‏
ولد محمد سيد أحمد عام‏1928,‏ وتكاد سيرته الذاتية تتطابق مع الكثيرين من أولاد الذوات الذين ارتبطوا بالحركة الشيوعية خصوصا في حلقتها الثانية بين الاربعينيات ومنتصف الستينيات‏,‏ ورفضوا طبقتهم الاجتماعية وأصولهم الاستقراطية‏,‏ وانخرطوا في صفوف الحركة الشيوعية وقدموا من أجل أفكارهم وقناعاتهم تضحيات هائلة‏,‏ ولا أعني بالتضحيات السنوات العديدة التي أمضوها في معتقلات الملك والناصرية فقط وماتعرضوا له من تعذيب واهانة في سلخانة أوردي أبو زعبل أو سجن المحاريق بالواحات‏,‏ ولا أعني أيضا ما أنفقوه ماديا فقط‏,‏ بل ان الأهم فيما أظن هو تلك التجربة الروحية الكبري الكامنة في الانسلاخ عن طبقته بكل ماتشمله‏,‏ والانتقال الي طبقة اجتماعية هي علي الضد من طبقتهم وأصولهم‏.‏ وحسبما أوضح محمد سيد أحمد في شهادته التي كان قد قدمها للجنة توثيق تاريخ الحركة الشيوعية فإن والده كان محافظا للسويس ثم الفيوم ثم بورسعيد‏,‏ بينما كانت عمته زوجة لاسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء السابق‏.‏
وهكذا نشأ ابن الاكابر وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقال وكانت المرة الاولي التي يسمع فيها عن الفكر الشيوعي‏,‏ عندما دعا والده صديقه محمود عزمي الذي كان شخصية مرموقة آنذاك ومتزوجا من روسية ذكر محمد سيد أحمد امامها أنه يشعر بأنه ليس مصريا‏,‏ فهو لايعرف العربية وثقافته فرنسية وانجليزية‏,‏ وهي أزمة نفسية كانت تلقي بظلالها علي شخصيته وهو في مطلع الصبا‏.‏
دعته السيدة الروسية الي حفل شاي لأولاد الذوات في منزلها‏,‏ وحصل علي أول كتاب عن لينين زعيم الثورة البلشفية في روسيا‏,‏ وفتح الكتاب عينيه علي عالم مختلف وعندما التحق بالليسيه فرانسية تصادف أن كان أحد مدرسيه مدرسا شيوعيا فرنسيا هو رينييه جرانييه يقرر سيد أحمد أنه رباه وكان له أعظم الأثر علي بل وربي أشخاصا كثيرين ممن كان لهم شأن في تاريخ مصر‏,‏ أذكر منهم شهدي عطية الشافعي وأنور عبد الملك‏.‏
ومن الليسيه عرف طريقه الي دار الابحاث العلمية التي أسمهت في تشكيل وعي النخبة اليسارية‏,‏ وكانت مرتعا للندوات والمحاضرات‏,‏ وانتهي به الأمر الي الانضمام لمنظمة الايسكر السرية‏..‏منذ هذه اللحظة سيتعين علي محمد سيد أحمد أن ينسلخ عن طبقته‏,‏ وأن يرتبط بقناعات جديدة الي الأبد‏,‏ بل انه ارتبط بأكثر المنظمات تشددا وتطرفا وحسبما حكي في شهادته سالفة الذكر أنه سافر الي فرنسا استجابة لرغبة أبيه الذي كان يريد إبعاده بأي شكل‏,‏ وبدلا من أن يدرس‏,‏ أرسل لأبيه أنه لن يستطيع تنفيذ رغبته وعاد بالفعل لينضم لقيادة التنظيم منعزلا علي مدي عامين وقد بلغ من تطرف هذا التنظيم أن أعضاءه بعد القبض عليهم ودخولهم السجن كانوا وفقا لما كتب‏:‏ لانتكلم مع الآخرين طيلة الفترة التي قضيناها بالسجن‏,‏ بدعوي أن كلهم بوليس وقد وصلت الأمور الي درجة أن أحد زملائنا‏,‏ كريم الخرادلي‏,‏ وقد حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات‏,‏ وكان طالبا عبقريا في كلية الهندسة ووجد ذات مرة الحل الصحيح لمسألة ظلت تدرس بطريقة خاطئة لمدة عشرين عاما‏,‏ أرسل الي سجن الواحات‏,‏ ولم يكن يتحدث الي أي انسان لأنه كان السجين الوحيد المنتمي إلي منظمتنا وسأله مأمور السجن ذات مرة‏:‏ لماذا لاتتحدث الي أحد؟ قال‏:‏ لأنهم جميعا مباحث فقال له المأمور‏:‏ هل تعتقد أنك من الأهمية بحيث أن الدولة تبني لك سجنا وتملؤه مباحث من أجلك أنت دون سواك؟‏..!!‏
علي أي حال‏,‏ درس محمد سيد أحمد بعد ذلك في ثلاث كليات الهندسة والحقوق والفنون الجميلة‏,‏ وسجن عامين في المرة الاولي‏,‏ وأسس دار الديمقراطية الجديدة للنشر‏,‏ ثم اعتقل مرة أخري منذ عام‏1959‏ وحتي‏1964‏ وعندما خرج بعد حل الحزب التحق بالأهرام كاتبا‏,‏ وخاض كل معاركه السياسية والفكرية حتي رحيله عام‏2006,‏ متمتعا باحترام المخالفين والمختلفين مع آرائه وأفكاره قبل المتفقين معه‏.‏
من جانب آخر حرصت مني أنيس محررة الكتاب علي أن يتضمن القسم الأول من الكتاب شهادات عائلية لمحات بالغة الرقة والانسانية من حياة الكاتب الكبير‏,‏ فزوجته السيدة مايسة طلعت رأت أنه كان انسانا رقيق المشاعر مستعدا لبذل أقصي مالديه في سبيل مايؤمن به دون أن يميل أبدا الي المواجهات بمحض اختياره كان يتمتع بحس قوي بذاته دون أن يكون أنانيا أبدا‏,‏ ويتمتع بالكبرياء دون أن يكون مغرورا أبدا وكان شديد التمسك بقناعاته ومعتقداته ولكن مع أكبر قدر من التسامح‏,‏ ومتبعا لقواعد أخلاقية صارمة دون إصدار أحكام علي الغير بينما رأت شقيقته السيدة هدايت سيد أحمد أنه سواء في الحب أو السياسة‏,‏ وسواء في حياته العامة أو الخاصة‏,‏ كان اخلاصه واستقامته واحساسه الرقيق وعقله الفذ يحكم كل قرار أو تصرف يصدر عنه وعندما تدهورت صحته وبدأ يعاني من ضعف الذاكرة حارب من أجل الحفاظ علي كبريائه وكرامته وقوته وحبه لزوجته التي وقفت دوما بجانبه‏,‏ وولديه وأبنته وأخيرا أصدقائه الكثيرين‏.‏
وتؤكد السيدة نايرة عجة ابنة زوجته أنها محظوظة لأني كنت جزءا من حياة محمد سيد أحمد‏,‏ وكان هو جزءا من حياتي كثيرا ما أتساءل عن شكل حياتي لو لم يتوف والدي‏,‏ ولو لم تتزوج أمي من محمد سيد أحمد؟ الرد ببساطة شديدة هو‏:‏ لا أعرف‏,‏ ولكن ما أعرفه علي وجه اليقين هو أنني كنت سأحرم من معرفة هذه الشخصية العاطفية الغنية الفذة‏.‏
وفي الشهادة التي كتبها ابناه التوأم طارق وعمرو العالمان الرياضيان يذكران‏::‏ ان والدنا يتمتع بقدرة كبيرة علي التواصل مع كل فئات المجتمع‏.‏
وتذكر والدتي أنه بعد زواجهما‏,‏ وكان ذلك بعد خروجه من المعتقل بقليل‏,‏ جاء بائع اللبن يدق باب المنزل‏,‏ وعندما فتح والدي الباب أخذه بالحضن‏,‏ واتضح أنهما كانا نزيلي زنزانة واحدة‏.‏
كما نذكر أنه أثناء مرضه منذ سنوات عديدة‏,‏ ورغم منع الزيارة عنه‏,‏ كانت والدتي تستقبل كل يوم علي مدي شهر كامل كلا من الأستاذ محمد عبد القدوس والعامل الشيوعي محمد علي عامر وهو مانعتبره دليلا علي قربه من جميع التيارات الفكرية‏..‏ والواقع ان الراحل الكبير لايحتاج الي سرادق عزاء‏,‏ ولايمكن أن يكون رحيله مناسبة لذرف الدموع عليه‏,‏ وهو ما أدركته مني أنيس جيدا وقدمت تحية تليق بقامة وبحجم محمد سيد أحمد‏,‏ وسعت لأن يكون الكتاب اسهاما في ذكراه وتركيزا علي الجوانب التي ستظل باقية في انجازه الفريد‏,‏ فقد كان الرجل حسبما أوضح وأكد أصدقاؤه ومحبوه يري مالانراه ويستشرف المستقبل بحساسية فائقة‏,‏ وفي كتابه الشهير بعد أن تسكت المدافع بكل ما أثاره من غبار المعارك بعد اكتوبر‏1973,‏ يظل نموذجا علي الرؤية الثاقبة والبعيدة‏,‏ وماكتبه عن معارك المياه القادمة قبل أن ينتبه الجميع بعد‏5‏ سنوات‏,‏ ستظل أيضا دليلا علي هذه الرؤية الفريدة‏.‏
وأخيرا أكرر لايحتاج محمد سيد أحمد الي سرادق عزاء‏,‏ فهو أكبر من مجرد العزاء‏,‏ وهذا هو بالفعل أهم انجاز للكتاب‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.