اختارت إسرائيل سحق محاولة نشطاء الحرية للوصول إلي غزة, فكان لها ما أرادت, لكنها أطلقت من القوي وخلفت من الآثار ما سوف يغير شكل المنطقة علي المدي البعيد الذي بدأ بالفعل. أول آثار الجريمة الإسرائيلية وأكثرها عمقا ستظهر علي تركيا. فقد أصبحت تركيا نتيجة للضحايا الذين سقطوا من بين مواطنيها طرفا في الصراع العربي- الإسرائيلي. حاولت تركيا الحالية الاستفادة من صلاتها بأطراف الصراع المختلفة, فنشطت في التوسط بين العرب والإسرائيليين, والعرب والعرب. دم الأتراك الذي سال سيقيم حاجزا عاليا بين تركيا وإسرائيل, وسيحول تركيا إلي طرف في الصراع مع إسرائيل, ولن تكون قادرة علي لعب دور الوسيط بعد اليوم. تبني حزب العدالة والتنمية سياسة خارجية تقوم علي تسوية الصراعات مع الجيران, وسماها سياسة' صفر صراعات. حلت تركيا مشكلاتها مع أرمينيا وسوريا, وتعاملت مع طهران بالحسني, وانفتحت علي عدوها التقليدي روسيا, وأصبحت من أهم القوي التي تسهم إيجابيا في الوضع العراقي, وانفتحت بشكل غير مسبوق في علاقاتها مع العالم العربي بمعتدليه ومتشدديه. تصورت تركيا أنها تستطيع أن تصبح صديقا لكل الأطراف, وهو مطلب مستحيل في الشرق الأوسط الغني بالصراعات والتناقضات. سقوط الضحايا الأتراك علي متن السفينة مرمرة يدق المسمار الأول في نعش سياسة' صفر صراعات'. صراع إسرائيل مع جيرانها كان لعقود طويلة صراعا فلسطينيا-إسرائيليا, كما كان أيضا صراعا عربيا-إسرائيليا. الدم التركي الذي تمت إسالته يجعل الصراع أكبر وأوسع نطاقا من صراع بين العرب وإسرائيل, فقد انفتح الصراع لأول مرة لكي يصبح صراعا إسرائيليا-إسلاميا. لقد أطلقت الحركات الإسلامية منذ عقود شعارات وأفكارا تؤكد البعد الديني للصراع, لكن هذه هي المرة الأولي التي يسقط فيها هذا العدد من الضحايا المسلمين من غير العرب دفعة واحدة في الصراع. ومع أن الضحايا الأتراك لم يكونوا ضمن جيش نظامي يمثل الدولة التركية, إلا أنهم كانوا في مهمة تتمتع برضا ودعم وبضمانة من الدولة التركية, الأمر الذي يدخل الأتراك ودولتهم طرفا في الصراع. لقد حرصت إسرائيل لسنوات طويلة علي إقامة علاقات جيدة مع دول الأطراف في الشرق الأوسط, فأقامت علاقات تحالف مع إيران وتركيا في زمن حاصرها ورفضها فيه العالم العربي. أما بعد أن غيرت إيران وتركيا مواقعهما, فإن إسرائيل بات عليها مواجهة تحد جديد لم يسبق لها أن واجهته من قبل.