تعد الزراعة ركنا اساسيا في تنشيط الاقتصاد الوطني والنهوض به الي مراحل متقدمة خاصة في ظل التغيرات الثورية التي نشهدها عقب ثورة30 يونيو. ولكن الاهتمام بهذا القطاع بشقيه الزراعي والمائي يحتاج إلي تخطيط وآليات لتحقيق التنمية الزراعية بشكل خاص, والتنمية الاقتصادية بشكل عام, فضلا عن الحاجة إلي الإصلاح المؤسسي والهيكلي ودعم مساعدة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.. وفي هذا الصدد وضع الدكتور ابراهيم عبد المطلب غانم, مدير معهد بحوث الاقتصاد الزراعي سابقا, مجموعة من المعايير والأسس التي يمكن أن توجه القطاع للحاق بركب التنمية الاقتصادية العالمي من خلال تعديل بعض السياسات الزراعية للمحاصيل والاتجاه الي توسع الرأسي لضمان زيادة الإنتاجية والوصول الي مرحلة من الاكتفاء الذاتي, كما يؤكد في حواره مع الأهرام المسائي أن التوسعات الرأسية هي الحل الوحيد لتحقيق الاكتفاء الذاتي, وأن مصر بحاجة إلي زيادة المساحة المزروعة قمحا, لإنتاج ما يعادل16 مليون طن, مشيرا إلي أن فاقد مصر من القمح سنويا يبلغ نحو1.8 مليون طن. * في رأيك ما هي أهم معوقات التنمية الاقتصادية في مصر؟ في البداية يجب أن نعرف أن العنصر الجوهري والذي يعتبر أساس تحقيق تنمية الدولة اقتصاديا هو الاستقرار, مع العلم أن الفقر والجوع والبطالة هم بمثابة العدو الأول للاستقرار داخل أي مجتمع, وكما نعرف فإن الجوع في الوطن كربة والبطالة فيه غربة, وبالتالي فعلينا الانتقال من مرحلة التنمية السياسية الي مرحلة التنمية الاقتصادية التي تعقب الثورات لضمان تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية لجميع أفراد الشعب. * لماذا لم نصل حتي الآن الي مرحلة الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل الزراعية كالقمح؟ متوسط انتاج مصر من القمح خلال السنوات الثلاث الاخيرة وصل الي حوالي8.7 مليون طن, ويقدر حجم الاستهلاك ب15 مليون طن سنويا, ونتيجة لهذا التزايد الكبير في معدلات الاستهلاك تضطر الدولة إلي استيراد ما يقترب من6 ملايين طن تقريبا لتغطية احتياجات مصر من القمح, علي الرغم من زيادة إنتاجية القمح خلال العام الماضي من2.6 الي3.7 مليون طن والذي ترتب عليه ارتفاع معدلات توريد القمح المحلي وخفض معدلات الاستيراد إلي5.4 مليون طن إلا أن هذه الزيادة لازالت غير كافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه. * ما حجم المساحة المزروعة من القمح في مصر ؟ حجم المساحة المزروعة من القمح في مصر تصل إلي3.2 مليون فدان, والتي ينتج عنها8.7 مليون طن سنويا تقريبا, ولكن مع تفاقم أزمة الزيادة السكانية سنويا كان من الطبيعي الاتجاه إلي زيادة الإنتاجية من خلال زيادة المساحة المزروعة بما يعادل16 مليون طن بمعدل اكتفاء ذاتي من القمح يتراوح ما بين56% إلي60%, ولكن لا يمكن التوسع افقيا في الوقت الحالي أكثر من3.4 مليون فدان فقط حتي لا يكون هذا التوسع علي حساب المحاصيل الأخري المنافسة كالبرسيم الذي يستخدم كعلف للمواشي. * كيف يمكن للتوسع الافقي أن يأتي علي حساب المحاصيل الأخري؟ جملة المساحة المزروعة في مصر تقدر ب8.7 مليون فدان مقسمة إلي6.3 مليون فدان بمنطقتي الوادي والدلتا و2.4 بالأراضي الصحراوية الجديدة, كما تقدر نسبة المساحة المحصولية إلي16.3 مليون فدان مقسمة ايضا الي7.1 مليون فدان للمحاصيل الشتوية و7.6 مليون فدان للمحاصيل الصيفية والنيلية و1.6 مليون فدان للمحاصيل المعمرة والتي تحتل الموالح نسبة كبيرة منها, وتتم زراعة هذه المحاصيل بمعدل تكثيف زراعي يصل إلي1.8%, مما يجعل التوسع الأفقي بالاراضي القديمة المتمثلة في الوادي والدلتا يدور حول متوسط3.4 مليون فدان علي الأكثر. * إذن ما الحل من وجهه نظرك؟ الباب مفتوح حاليا أمام التوسعات الرأسية من خلال زيادة انتاجية الفدان الواحد من18 أردبا إلي24 أردبا, وبالتالي يمكن من خلالها رفع معدل الاكتفاء الذاتي إلي70% ولكنه يتطلب مجموعة من العوامل المساعدة أهمها توفير تقاوي محسنة عالية الإنتاجية, وإعادة النظر في السياسات التسويقية والتسعيرية للمحاصيل, بالإضافة إلي توفير وتيسير توريد القمح علي المزارعين من خلال تحديد أماكن التوريد مع وضع آليه سنوية لتسويقه. * هل يعني ذلك أن الوصول الي مرحلة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية حلم صعب المنال؟ لا.. يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي علي المدي الطويل بنسبة تصل الي80% من خلال تطبيق مجموعة من المحاور منها تطوير المنظومة التسويقية لتداول المحاصيل الزراعية, وتطوير أساليب التخزين الرأسي والافقي للحد من الفاقد والذي يصل إلي1.8 مليون طن سنويا, وبالنسبة لمحصول القمح يجب العمل علي تحسين دورة الخبز المصري للحد من فاقد القمح, فضلا عن ضمان وجود مخزون استراتيجي من3 الي6 أشهر لتوفير الإمدادات من الغذاء في ظل التغيرات المحلية الحالية. * لماذا فقد القطن المصري مكانته في الأسواق مما ترتب عليه تراجع الصناعات النسيجية والغزول في مصر؟ الأمر يتعلق بالسياسات الزراعية الخاصة بالقطن من خلال وجود خلل في الربط بين انتاجه وتسويقه مما جعل المزارع المصري يمتنع عن زراعته نتيجة لهذه الاضطرابات في السياسات والتي ينتج عنها ركود الإنتاج المحلي من القطن لدي المزارعين, فضلا عن أن مصانع الغزل والنسيج تسهم بشكل كبير في تراجع مكانة القطن المصري من خلال اعتمادها بشكل أساسي علي الأقطان قصيرة التيلة في حين أن القطن عالي الانتاجية هو القطن طويل التيلة, بالإضافة إلي خلط الأقطان المستوردة بالقطن المصري في مراحل التصنيع والتي تتسبب في ردائه المنتج النسجي, لذلك لابد من تطوير مصانع الغزل المحلية لإعادة القطن المصري لسابق عهده كمحصول نقدي, خاصة أن صناعة النسيج صناعة واعدة تحتاج فقط الي الاهتمام, بالاضافة الي الاهتمام بوقف استيراد الأقطان في أثناء تسويقه لتشجيع المزارعين علي زراعته للاستفادة منه في سد الفجوة الزيتية وكأحد الحلول للمشكلة العلفية في مصر. * ما أسباب عدم الاتجاه الي التصنيع الزراعي حتي الآن كأحد المخارج من النفق المظلم الذي يعاني منه الاقتصاد المصري؟ فكرة التصنيع الزراعي لا تلقي اهتمام كبير في مصر بسبب عدم وجود ربط بين الانتاج والاستهلاك علي مدار العام, علما بأن فكرة التصنيع من شأنها أن تعمل علي خلق قيمة مضافة تمكنها من حل مشكلة ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية خلال فترات الاستهلاك, ولكن المشكلة تكمن في الحاجة إلي وعي ثقافي مجتمعي بشأن التصنيع, بالإضافة إلي توفير مصادر التمويل اللازمة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والتي تصل إلي10 آلاف جنيه, فكل ما نحتاجه الآن هو الرؤية المستقبلية وإعادة النظر للإصلاح المؤسسي والهيكلي للدولة لتحقيق الامن الغذائي من خلال تكامل الانتاج والاستهلاك والتسويق والتصنيع والتخزين, مع توفير الخدمات الفنية والتكنولوجية, أي أن الأمر يحتاج الي زيادة الإنتاجية الزراعية من وحدة الأرض والمياه لتحقيق أهداف المزارع من حيث زيادة دخله, والدولة من خلال تحقيق الأمن الغذائي. * ما نسب التصنيع الحالية من المنتجات الزراعية؟ بالنسبة لمحصول الطماطم متوسط انتاجه يصل إلي10 ملايين طن ونسب تصنيعه تتراوح ما بين1 الي6% من المحصول, بينما تصل معدلات تصنيع البطاطس بين8 إلي10%, وتترواح نسبة تصنيع الخضروات من1% إلي2%, وبالنسبة للفاكهة والتمور فلا تتعدي ال1%, والبقوليات0.5%, والألبان تتراوح ما بين2% إلي5%. * كيف يمكن أن يسهم قطاع الزراعة والبحوث الزراعية في تنمية الاقتصاد ؟ قطاع الزراعة ومركز البحوث هو قاطرة التنمية الزراعية في مصر من خلال البحوث والدراسات وتوفير واستنباط أصناف جديدة تحقق الزيادة الانتاجية في محاصيل الحبوب والزيوت وفي انتاج الالبان, فضلا عن أنه المركز الداعم الأساسي لنجاح التوسع الرأسي من خلال توفير الاساليب التكنولوجية الحديثة سواء من الناحية البيولوجية والحيوية أو من الناحية الميكانيكية, ولكن الامر يحتاج من الدولة الي النظر بعين الاعتبار إلي أهمية البحث العلمي والإرشاد خلال المرحلة القادمة فهي لا تتعدي0.01% من الدخل الرزاعي القومي, حيث إنه اذا تمت زيادة ميزاينة الابحاث تضمن وصول نتائج الأبحاث الي المزارعين وبالتالي زيادة الإنتاج الزراعي في مصر. رابط دائم :