علمت بنبأ وجود مصادمات في التحرير في الحادية عشرة والنصف مساء. كان المشهد غريبا مرورا علي كوبري 6 أكتوبر. فكل شىء يبدو طبيعيا تماما، بعض الأسر علي كوبري أكتوبر، عندما وصلت ميدان التحرير كان الميدان يبدو شبه طبيعي والسيارات تمر من الميدان مع بعض التضييق ممن كانوا يحاولون توجيهها لتحاشي المصادمات. بالسير وصولا لمفرق الجامعة الأمريكية وشارعي محمد محمود وقصر العيني كانت هناك مؤشرات واضحة للمعركة، حيث قوات الأمن المركزي وسيارات مكافحة الشغب التي أصبحت تترادف الآن في ذاكرة المصريين مع أحداث 28 يناير الدامية، سواء علي كوبري قصر النيل أو في كل مكان في مصر . بعد قليل بدأت سيارات الإسعاف تأتي إلى الميدان في الواحدة صباحا وسط تحذير المتظاهرين من السماح لهذه السيارات بنقل متظاهرين حتى لا يذهبوا إلى وجهة لا يعرفونها. خلال نصف ساعة استمرت سيارات الإسعاف تأتي إلى الميدان وسط إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع من قبل قوات الأمن في شارعي قصر العيني وشارع محمد محمود. صعدت إلى إحدى العمارات المطلة على الميدان وسط إطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع، خصوصا من قبل القوات التي تواجدت في شارع قصر العيني لدرجة أنه في الوقت الذي أبدى فيه المتظاهرون بسالة في التقدم نحو سيارات الشغب ، بالرغم من العدد القليل الذي لم يكن يتجاوز 5 آلاف مواطن، في الوقت الذي نجحت فيه القوات فى إخلاء هذا الجزء من الميدان تقريبا. لكن قرابة الساعة 1:45 صباحا، كان في الميدان ست سيارات لمكافحة الشغب. إثنان في شارع قصر العيني وأربعة أخرين في شارع محمد محمود، والتي تراجعت وسط أستمرار تقدم المتظاهرين نحوهم، حاولت النزول من العمارة أكثر من مرة ولكن في ممر العمارة كان يقف من جانب قوات الأمن المركزي، وفى جانب آخر المتظاهرون الغاضبون من التعامل العنيف من قوات الأمن. وكان كلاهما يرشق الآخر بالحجارة. عندما عدت إلي شرفة العمارة قال لي أحمد عبد الواحد أحد سكان أحد الفنادق المطلة على الميدان إن المتظاهرين - والتي قالت عدد من الروايات إنهم كانوا أهالي الشهداء - لم يلجأوا إلى العنف ، باستثناء مشاجرة وقعت بينهم وبين ضابط المرور الموجود في الميدان . انسحب علي إثرها الضباط من الميدان وجميع عساكر المرور ، وتولى المتظاهرون تنسيق حركتهم، ثم تحلقوا أمام المجمع حتى رأوا قوات الأمن المركزي تأتي إلى الميدان، وهو ما أشعل فتيل الغضب داخلهم وخصوصا في ضوء ما حدث أمس أمام مسرح البالون من تعد على أهالي بعض الشهداء من البلطجية وأحد رجال الشرطة. استمرت عملية إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بين المتظاهرين الذين بدأ عددهم في التزايد منذ وصولي إلى الميدان وحتى مفارقته في الرابعة صباحا. وكان المتظاهرون هم الذين يسيطرون علي مدخل الميدان من ناحية شارعي قصر العيني ومحمد محمود. لاحظت من العمارة التى كنت أرى منها المشهد العام فى الميدان أن الصدام توقف بين المتظاهرين وقوات الأمن في شارع قصر العيني. وعندما نزلت إلى الميدان سرت بموازاة مسجد عمر مكرم ، ووجدت تحذيرا يصدر من الميكروفون يقول : المسجد مفتوح لاستقال الحالات المرضية على الشباب عدم الانسحاب من الميدان وعلي رجال الشرطة الانسحاب فورا من الميدان ، ونحذر رجال الشرطة من إطلاق الرصاص علي إخواننا في الميدان، أي شخص يتواجد فوق سطح أي مبنى يطلق علي ميدان التحرير سيتخذ ضده إجراء شعبيا". وقتها قال لي بعض الشباب المتجمعين إن هناك بعض الأشخاص متواجدين الآن في مجمع التحرير وأخذ الشباب في الهتاف ضد جهاز "أمن الدولة" فرد شاب آخر قائلا "لو سمحت قول الأمن الوطني". عندما مشيت من عمر مكرم حول مجمع التحرير للوصول إلي شارع مجلس الشعب رأيت مشهدا غريبا جدا، كان المتظاهرون يقفون جنبا إلى جنب مع قوات الأمن المركزي. وكانت هناك مجموعات من العساكر تجلس على الرصيف المواجه لقاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية. وجدت المتظاهرين يتحدثون إلى قوات مكافحة الشعب ومنهم من كان يحمل علي كتفه رتبة رائد أو ملازم. قال أحدهم لشباب كان يقف بالقرب منه: إنه لا يعلم حتي الآن سبب نزول المتظاهرين في الميدان وسبب التظاهر. شاهدت عقيدا يتحلق حوله مجموعة من الشباب عندما اقتربت لأستمع وجدته يقول لهم ردا علي غضب الشباب "إنه لا علاقة له بأحكام القضاء". عندما سألت عن اسمه قال لي إن اسمه العميد مصطفى رجائي وعرف نفسه أنه مدير العمليات الخاصة، وعندما قلت له إن الأزمة سوف تحل عندما تنسحب قوات الأمن المركزي من الميدان قال لي إننا لن ننسحب. عندما سألت ضابطا بملابس سوداء عن كيفية أنتقال الأمر من إلقاء الحجارة بين الجانبين إلى هذا المؤتمر شبه المفتوح قال لي " اتكلمنا معاهم قلنا مش عاوزين نضرب وهم كمان مش عاوزين يضربوا". في الثالثة صباحا كانت سيارات الإسعاف وصلت إلى 17 سيارة، منهم 6 في قلب الميدان أمام كنتاكي ، سيارة في شارع طلعت حرب و12 سيارة أخرى في مدخل الميدان من ناحية ميدان عبد المنعم رياض وثلاث سيارات في مدخل التحرير من شارع قصر العيني . سألت أحد المسعفين الذي كان يمسك كراسة مقيدا بها عدد المصابين قال لي إنهم 110 منهم 27 تم تحويلهم لمستشفيات والباقي تم علاجه في الميدان. غادرت الميدان في الرابعة صباحا وكان المشهد خاليا تماما في شارع قصر العيني من سيارت مكافحة الشغب أو قوات الأمن المركزي ، وكان شارع محمد محمود مغلق منذ الثانية والنصف صباحا من قبل المتظاهرين. الملاحظات الأخيرة عن ليلة 28 يونيو أن المتظاهرين كانوا يعلمون أن بينهم عناصر مشبوهة ولذا عندما حاول العقيد مصطفى رجائي السير من شارع قصر العيني نحو الميدان قام مواطن - بدا من المتظاهرين - بإقناعه بعدم القيام بذلك لخطورة ذلك عليه، وأخذ يقول له " أنا زي أخوك وعمري 54 ، في بينا ناس وحشين " ، كان العقيد المذكور يقف وحده دون أي فرد من قواته وحوله ما لا يقل عن 20 شابا لم ينزع أحد إلى العنف معه. كانت هناك عناصر تعمد إلى تهييج المتواجدين ورأيت شابا يحضر زجاجات مولوتوف وعندما سألته قال " يعني كويس إنهم يضربونا ؟ " وكان الميدان مفتوحا للسيارات. أسئلة كثيرة لم أجد إجابة لها علي مدى أربع ساعات في الميدان. ما سبب هذا التواجد الكثيف لقوات مكافحة الشغب؟ . وما الرسالة التي تريد أن ترسلها وزارة الداخلية ؟وما سبب هذا الإطلاق الكثيف للقنابل المسيلة للدموع ؟. وكيف يمكن أن تستخدم قوات الأمن حجارة أكبر من حجم كف اليد في إلقائها على المتظاهرين ؟. وكيف يمكن أن تصعد الداخلية الأمر وهي تعلم أن الاحتقان الشعبي يتراكم بسبب بعض التصرفات التى اعتبرها البعض تسويفات؟.