فيما يشبه سيناريو استهداف الضحايا في قصة«ريا وسكينة»،يغيب شخوص تلك الأحداث عن المشهد دون إنذار سابق، ووحدها التكهنات وآخر الكلمات هي ما تبقى لذويهم، يقلبونها دون جدوى، ماذا حدث لأصفيائهم؟.. الناس ينسجون حكايات تحكم دائرة الاشتباه حول الخطف من أجل تجارة الأعضاء التي أطلت علينا أخيرا، لكن التجربة أوجدت سبيلا آخرا لأهالي المخطوفين، فالعائدات من الخطف ،أنقذتهم فدية كبيرة طلبها المجرمون ، علقت آمال ذوى الذين لم يحالفهم الحظ بمهاتفة المجرمين لإملاء طلباتهم وشروطهم، بإمكانية لقاء أبنائهم ثانية، أو ربما آل مصير أبناءهم إلى مافيا التسول التي تنشر ولدانا في كل بقاع المحروسة ، لا أحد يعرف مصدرهم .. كل الأفكار تطاردهم، لا أحد يعرف الحقيقة على وجه التحديد، لتبقى الحقيقة الوحيدة هى الفقد ،وما خلفه من اكتواء للأكباد، وذهاب للعقل خلف من أحبوا وفُقدوا ،وبين هذا وذاك أحكم الخوف قبضته على جمهور المشاهدين. مروان حميدة أحد أهالي الشيخ زويد قص لنا كيف أن البداية كانت من الأنفاق ،وقد عمل معظم سكان الشريط الحدودي برفح في تجارة الأدوية والمواد الغذائية أيام مبارك عبر الأنفاق، ولكن على الجانب الآخر من الخريطة وباتجاه الحدود مع الصهاينة فقد بدأ نشاط آخر عبر الأنفاق أيضا هو تجارة الرقيق ،وكان يتم تهريب الفتيات أعمار من 17 إلى 30 سنة عبر جبال سيناء إلى داخل إسرائيل. ولكن هل انتقل هذا النشاط من سيناء إلى بقية المحافظات والقاهرة الكبرى ؟.. بلاغات وصرخات المفجوعين بفقد ذويهم ربما تشير إلى انتقال تلك المافيا الى العمل داخل المحافظات ،وربما كانت مافيا أخرى ،فبينما يشير على عيد رجب أحد أهالي مدينة أبو النمرس التابعة لمحافظة الجيزة ، إلى ابنته زينب برقم 3912 ، رقم المحضر الذي حرره في مركز شرطة أبو النمرس. فى 17 أكتوبر الماضي بعد غياب ابنته بيومين ،يحكى الرجل والحزن يعتصره قائلا:قالت لزوجة أخيها «انتظروني على الغدا، لن أتأخر «، قالتها وهى ذاهبة إلى «الكتاب» لتحفظ القرآن ،عمرها 20 عاما ،خرجت فى الثانية ظهراً، انتظرناها حتى الخامسة عصرا فلم تأت، المسافة بين المنزل والكتاب 200 متر، ثار قلقنا فانتفضنا إلى محفظة الكتاب نسأل عن زينب، وكانت الصدمة ،حين أخبرتنا أنها لم تأت بعد،بحثنا عنها فى كل مكان ،لكن دون جدوى. لكن ثمة أرقاما لا نعرفها كانت تهاتفنى ،كانوا يطلبون منا ألا نقلق، انتظرت أن يطلبوا منى فدية ، خاصة أن زينب كانت ترتدي قرطا ذهبا وخاتما ومحمولا حديثا، فظننت أن ذلك فتح شهية الخاطفين للطمع فى فدية، لكن أحدا لم يطلب منى فدية،واعتبرت الشرطة هذه الأرقام التي هاتفتنى محض معاكسات لا تدل على شيء.. والد زينب أنهى كلامه ألينا بهذه العبارة «رحت الأقسام والمستشفيات ودعوت الله عند كل أولياء الله الصالحين ،وقعدت وحطيت إيدى على خدي في انتظارها». ولكن لماذا ثارت الشبهات حول الخطف من أجل الفدية ؟.. لأن هناك حالات أخرى خطفت لذات الغرض،وعادت لتروى للانسانية ما وجدت ، بسنت يحيى حسين أمير، 18 عاما، تم اختطافها من الشيخ زويد، 4 ديسمبر لعام 2015 الماضي،اختطفت من أمام أحد الكوافيرات فى تمام الساعة ال8:30 مساءا ،ولكن الخاطفين تفاوضوا مع أهل بسنت على عودتها فى مقابل فدية قدرها 200 ألف جنية ،ورضخ أهلها لمطالب الخاطفين وبالفعل تم تسليم بسنت بعد دفع المبلغ في أرض اللواء، والدة بسنت قالت ان الخاطفين قاموا بتخديرها عبر مخدر تم رشه على وجهها، حيث قاموا بسؤالها عن عنوان، ثم قاموا بتخديرها، ولم تفق إلا وهى معصوبة العينين حبيسة فى مكان مجهول. كما قاموا بنقلها من مكان الاحتجاز الأول إلى أماكن أخرى مرتين كإجراء احترازي حتى لا يستطيع احد تتبعهم بعد إجراء مكالمات من هاتفها مع أهلها للاتفاق على الفدية، وفى الوقت نفسه قام الجناة بتغيير ميعاد التسليم حتى يتسنى لهم مراقبة أهل بسنت للتأكد من عدم إبلاغهم الشرطة بميعاد التسليم . بعض حالات الخطف لم تكن بغرض الفدية، فمحمد هانى محمد نصار تم اختطافه في 11 مارس 2011 من ش الجمهورية بمدينة الحوامدية التابعة لمحافظة الجيزة، كان عمره وقتها 8 سنوات، تم اختطافه في الثامنة مساء في طريقه إلى صيدلية مجاورة لمنزله ،وبعد 10 دقائق بدأ أهالي محمد في القلق ،بحثوا عنه دون جدوى، حتى جاءهم تليفون يطمئنهم ويخبر جده أن الولد في أمان، وسيتم التواصل معكم بعد يومين ، وانتظر أهل محمد طلب الفدية، لكن دون جدوى، فأبلغوا عن الرقم،الشرطة تتبعت الرقم، فوجدت أن الرقم لمسجل خطر، لكن بعد أسبوعين، تم العثور على هيكل عظمى غير مكتمل ومتفحم ،وملقى بجوار المنزل والى جوار الهيكل العظمى ساعة بلاستيكية كان محمد يرتديها قبل الحادث ،زوجة عمه قالت لنا أن والديه سافرا إلى السعودية بعد أن فاض بهم وفقدوا الأمل في العثور على حق ابنهم . وأحيانا أخرى يكون الخطف بغرض توفير متسولين من الأطفال، ولعل أكثر ما يؤكد ذلك هو تلك الواقعة التي كشفها قسم أول كفر الشيخ منذ أيام ، حيث ألقى القبض على متسول وبحوزته طفل عمره 3 أعوام ونصف، الطفل لا يعرف سوى أن اسمه محمد ووالده إيهاب ووالدته اسمها مي ، وان محمود المتسول خطفه من أهله، وتم إيداع الطفل دار رعاية الأمل بكفر الشيخ. الأمر لم يقف عند هذا الحد ،فقد وصل الأمر إلى أن يعرض بعض الآباء مكافآت لمن يدلى بمعلومات عن أماكن احتجاز أبنائهم، وهذا هو ما حدث مع إياد عصام أبو خضرة، من بلبيس التابعة لمحافظة الشرقية، حيث عرض والده مبلغ 50 ألف جنيه لمن يدلى بمعلومة عن مكان احتجاز ابنه، والدة إياد قالت إنها كانت تصلى ، فباغتها إياد ونزل إلى الشارع ،إياد مريض بالتوحد لا يتحدث إلى أحد، تم اختطافه من الشارع بعد نزوله، حيث شاهدتا بنتين فى العشرينيات رجلين يختطفان إياد، وتم تحرير محضر برقم 8589 . أسماء المخطوفين لم تنته بعد،حاولنا فقط سرد بعضها لفتح قضية الخطف ،وليس على سبيل الحصر، لكن ما يجمعهم جميعا هو أن أهالي كل المخطوفين الكثر لم يبرحوا أعتاب الأقسام والمديريات طمعا في كشف جديد في محاضرهم، يبيتون وأسماعهم متلهفة لمتصل يبلغهم أن لديه جديدا في أوراق تلك القضية،أبوابهم مفتوحة في انتظار وارد الخير بالبشرى بعودة ذويهم، والأمر جد خطير ،ففقد أصفيائنا لا يعادله ألم.