فى مثل هذا اليوم من العام الماضى 10 يونيو 2010 برزت صفحة "كلنا خالد سعيد" على موقع فيسبوك بعد وفاة الشهيد خالد سعيد فى حادث بشع امتهن إنسانيته وإنسانية كل مواطن شريف ؛ فأتت الصفحة لتطلق تلك الصرخة التى لم يكن يتوقع أحد أن تتحول إلى ثورة تعيد ميلاد الوطن.. فيموت خالد وتبعث مصر من جديد. وفى العشرين من يوليو الماضى كتب أدمن الصفحة على حائطها ": إحنا شباب مصر اللي اتولد في التمانينات والتسعينات .. احنا الجيل اللي مش بتعرفوا تكلموه لأنه مش بيقرأ الأهرام ولا بيتفرج على القناة التانية ولا بنسمع اخترناك .. احنا اتعلمنا بس من الإنترنت مش منكم .. احنا الجيل اللي مش واخد فرصته لأن كل المسئولين عواجيز فوق السبعين مش بيفهمونا .. احنا عندنا أحلام وآمال وأسلوب حياة وإحنا مش هنسيب اللي حصل لنا يحصل في ولادنا" ليعبر عن صوت جيل متمرد أبى الظلم والقهر وعزم على تحطيم قيوده وانتزاع حقوقه. كانت البداية كما يكشف الناشط عبدالرحمن عياش أن وائل غنيم وعبدالرحمن منصور قد تعارفا خلال عمل الأخير كمراسل للجزيرة توك وتقاربا أكثر بعد عودة الدكتور محمد البرادعي للقاهرة ولموهبة منصور وتقارب أفكار الشابين عملا معا في إدارة صفحة "كلنا خالد سعيد" بعد أن أنشأها غنيم بحوالي 3 أيام وخلال الشهور التالية استطاع غنيم بقدراته الإبداعية الرائعة، ومنصور بعقليته السياسية المتميزة، أن يجعلا من صفحه خالد سعيد ما وصفه عياش بالحزب السياسي الوحيد المؤثر في مصر . لتبدأ الصفحة من قضية خالد سعيد فى التدرج لانتقاد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية من زاوية حقوقية فتتمزق تلك الشعرة بينها وبين السياسة شيئا فشيئا ويزداد أعضاؤها يوما بعد يوم حتى تواجه طفرة فى أعداد المنتمين إليها بعد انكشاف هوية وائل غنيم واعتقاله فى 27 يناير الماضي وصولا إلى اليوم حيث تخطت حاجز المليون ب 408204 عضوا 37% منهم من الإناث و 61% من الذكور تتركز أعمار الغالبية منهم ما بين 18-34 عاما ، غالبيتهم ممن يقيمون بمصر بواقع 1.046.159 عضوا والباقى من خارجها حيث تأتى السعودية فى المرتبة الأولى ب 80 ألف عضو تليها الولاياتالمتحدةالأمريكية وتونس والإمارات والمغرب والكويت و الأردن وفلسطين وبريطانيا وباقى دول العالم . عام كامل كان حصيلته 29 فعالية أو "إيفنت " نظمتها الصفحة و 39 سؤالا تم طرحه على الأعضاء وعدد يصعب حصره من استطلاعات الرأى حول مختلف القضايا بالإضافة إلى 180.280.078 مشاهدة حصلت على 1.493.097 تعليق . وعن أبرز المحطات فى تاريخ الصفحة يقول الناشط والباحث عمرو مجدى إن الصفحة استطاعت أن تقود أعضاءها بشكل منظم ساهم فى إحياء قضية خالد وقضايا حقوقية أخرى ومن أبرز الحملات التى قادتها عندما دعت فى 5 يوليو إلى تجميع حسابات الضباط وطلبة كليات الشرطة على فيسبوك، بحيث يمكن مراسلتهم وفتح نقاش معهم حول قانون الطوارئ والتعذيب اشترك في تلك الحملة حوالي 5 آلاف عضو في الصفحة أرسلوا إلى حوالي 400 ضابط على الفيس بوك. بالإضافة إلى الوقفات التى نظمتها وحرصت على سلميتها ورمزية الرسالة التى أرادت إيصالها حتى جاءت وفاة ضحية تعذيب جديدة الشهيد أحمد شعبان (19 عاما) بقسم سيدى جابر الذى مات فيه خالد بدا الأمر كأنه تحد للصفحة خاصة فى ظل تصاعد غضب أعضاءها . وكانت الانتخابات البرلمانية فى نوفمبرمرحلة فاصلة حيث تصاعد النقاش السياسي داخل الصفحة وانحاز غنيم الذى كان حريصا على بقاء الصفحة بمعزل عن السياسة إلى رأى منصور بضرورة استثمار النجاح الذي حققته الصفحة والتنامي السريع في عدد أعضائها، وتوظيف حماسهم لصالح قضايا سياسية أخرى مثل تغطية الانتهاكات وفضح وقائع التزوير التى تحدث بالانتخابات. ثم استيقظت مصر فى الأول من يناير على حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية وكان الخروج الثاني لصفحة كلنا خالد سعيد إلى ساحة السياسة بمعناها الأشمل، دعت الصفحة إلى مشاركة بوقفة صامتة يوم الجمعة 9/1/2011 للتأكيد على وحدة المصريين ومصيرهم المشترك وقوبلت الدعوة باستجابة مرتفعة ثم تبنت الصفحة ضحية تعذيب جديدة الشاب السلفى سيد بلال . ويكشف عياش أن منصور كتب" بوست "على حائط صفحته على فيسبوك فى الرابع من يناير موضحا رأيه فى الأحداث التى تلت تفجير القديسين ذكر فيه أنه يرى أن مصر قد أصبحت أمام طريقين إما حدوث حرب أهلية أو حدوث انتفاضة شعبية قد تحقق أهدافها إذا ما ساندها الجيش وهو ماحدث بالفعل . ويستكمل مجدى قائلا إن الدعوة للنزول فى عيد الشرطة 25 يناير كانت محددة الأهداف إلا أن نجاح الثورة التونسية دفع الأمل فى المسئولين عن الصفحة لتعلية سقف المطالب بدلا من النزول ضد تعذيب الشرطة تحولت إلى يوم الغضب ضد الفقر والبطالة والتعذيب ونجحت دعوة 25 يناير بشكل غير متوقع لنصل إلى مانحن فيه الآن . الناشطة الحقوقية سالى سامى كانت من ضمن الذين قدموا دعما حقوقيا للصفحة ترى أن خروج الصفحة من الدائرة الحقوقية إلى دائرة السياسة تطورا طبيعيا لدورها نظرا إلى صعوبه تناول القضايا الحقوقية بعيدا عن الممارسات التى ترتبط بشكل أو بآخر بالمناخ السياسي التى تتم فيه لذا فقد لعبت دورا هاما فى ملء فراغ خلفه عدم وجود خطاب سياسي فى مواجهة سياسات القمع والتنكيل قبل الثورة . مضيفة أن الإصرار على سلمية المظاهرات والخطاب الحقوقى الرمزى الصامت الذى تبنته الصفحة شجع الكثير من الشباب المهتم بمصر والرافض للواقع السياسي والاجتماعى على النزول للشارع لأول مرة و التجرؤ والتعبير عن رأيه والقيام بفعل ما يشعره أنه ليس عاجزا ومقيدا بالكامل. كما كان التنوع فى تبنى القضايا عاملا مهما لنجاحها فلم تقتصر على قضية خالد سعيد فقط بل تناولت ضحايا آخرين مسلمين وأقباط سواء كانوا فقراء أو ممن ينتمون للطبقة المتوسطة مما ساعدها فى استقطاب عدد كبير من الشباب ولعب دور توعوى هام سواء فيما يتعلق بالتوعية السياسية بشكل عام أو فيما يتعلق بالتوعية بمجال حقوق الإنسان انطلاقا من التركيز على حق السلامة البدنية ومناهضة التعذيب كأبسط حق إنسانى وأن دور الشرطى يتمثل فى حماية الأمن وليس العقاب الذى يخضع للقانون بموجب ما يقرره القضاء وعلى الصفحة أن تستمر فى الرقابة على كافة المؤسسات ورصد كافة الانتهاكات وتوعية الناس بكافة حقوقهم سواء الإنسانية أوالسياسية . الناشط أحمد صالح واحد من الذين لعبوا دورا فى إدارة الصفحة لفترة ليست قصيرة قبل الثورة صرح لنا بأن البداية جاءت منذ تعرفه على الناشط عبدالرحمن منصور من خلال حملة دعم البرادعى وبعد ذلك توطدت علاقتهما ويروى صالح أن كل من هما كان يعمل فى الصفحة دون أن يعرف كلاهما هوية الآخر الحقيقية على الرغم من سكنهما معا فى نفس المكان وأن اكتشاف الأمر كان مفاجأة لكل منهما . مشيرا إلى أنه كان يقدم دعما فى تنظيم الأحداث أو الإيفينتات التى تعلن عنها الصفحة وتغطيتها وتوثيقها وعندما استجاب وائل غنيم لاقتراح منصور بشأن تخصيص يوم 25 يناير كيوم لإعلان الثورة أراد غنيم الاطمئنان على الصفحة إذا حدث له مكروه فطلب منه تولى إدارتها وخاطب الناشطة نادين عبدالوهاب كى تنسق مع صالح فى حالة حدوث أى شيء له نظرا لعدم وجود منصور . وبعد اختفاء وائل والقبض عليه أثناء الثورة قام صالح بالتنسيق مع نادين عبدالوهاب التى كانت تقيم خارج مصر وقتها وكان يتم الاستعانة بحسابها الشخصي على الفيسبوك لاستعادة الصفحة فى حالة حدوث أى طارىء نظرا للجوئهم لاستخدام حسابات بأسماء وهمية قد تعرض الصفحة لأى مشكلة إذا ما رغبت إدارة الموقع فى حجبها أو حذفها وعندما انقطعت خدمات الاتصالات والإنترنت بمصر كان صالح يقوم بالاتصال بعبدالوهاب ويمدها بكافة التطورات التى تحدث فى الميدان أثناء الثورة وبدورها تقوم هى بنشر تلك التفاصيل على الصفحة من موقعها . ولفت صالح إلى أن هذا هو ما برر للجنة الإلكترونية للحزب الوطنى بشن هجوم منظم على الصفحة ومن يعملون بها واتهامهم بالعمالة وبأنها تدار من قبل أشخاص غير مصريين يقيمون خارج مصر مضيفا كنا نحرص على توثيق كل ما يحدث أولا بأول وقد ساعدنا وجود نادين خارج مصر فى هذا التوقيت الذى حرمنا فيه النظام السابق من خدمات الاتصالات والإنترنت ظنا منه أن هذا من الممكن أن يقف عائقا أمام هذا الشعب الذى خرج مصمما على كسر قيوده بلا رجعة . وبالرغم من قلة نشاطه فى الصفحة منذ عودة غنيم بعد الإفراج عنه إلا أنه مازال يتابعها راصدا ما وصفه بخفوت الحماس الثورى للصفحة بعد الثورة مقارنة لما قبل وأثناء الثورة مرجحا تعرض المسئول عنها لضغوط نفسية ومعنوية نظرا لكونه أصبح شخصية معلومة للجميع سواء من الأعضاء أو حتى من المسئولين تحت أولوية الحفاظ على مصلحة واستقرار البلاد فى تلك الفترة الحساسة وعدم الوقيعة بين الشعب والجيش وهو ما يجعلها متحفظة فى انتقاد الدور السياسي للمجلس العسكرى كحاكم للبلاد وفتح نقاشات حول بعض القضايا الهامة مثل المحاكمات العسكرية للمدنيين وغيرها على الرغم من كونه حق تكفله الديمقراطية لا يهدف للوقيعة بقدر ما يهدف للعبور الآمن وإشراك كافة التيارات فى اتخاذ القرار وتحمل مسئولياتها . مؤمنا بأن الدور الذى يجب أن تلعبه الصفحة فى المرحلة المقبلة يتمثل فى استمرار الدعم الحقوقى الذى تقدمه والتوعية بحقوق الإنسان والتوعية السياسية عامة بالإضافة إلى استمرار الضغط من أجل تحقيق مطالب الثورة واستكمال تطهير كافة مؤسسات الدولة فى مختلف القطاعات . واختتم صالح حديثه معربا عن شكره وتقديره لعبدالرحمن منصور الذى عرفه على الصفحة كمناضل ينزل إلى الشارع مخاطرا بنفسه من أجل توثيق التجاوزات والانتهاكات والفعاليات التى كانت توثقها الصفحة نظرا لوجود غنيم خارج مصر دون أن يكشف عن هويته على الرغم من اقامتهما معا فى نفس المكان لفترة طويلة . مشيرا إلى شعوره بالأسف تجاهه لأنه عاش يحلم ويعمل من أجل الثورة التى دعا لها وعندما حدثت لم يتمكن من معايشتها وغاب عن أحداثها نظرا لتأديته لخدمته العسكرية بالجيش فى نفس التوقيت .