تواجه حكومة المهندس شريف إسماعيل خمسة ملفات هامة يجب أن تحظى باهتمام خلال الفترة المقبلة: هي عجز الموازنة والأجور والدعم والبطالة والطاقة. وبطبيعة الحال فإن هذه الملفات تحتاج لوقت وخطط لإنجازها ولا نمتلك رفاهية تأجيلها, ولكن في الوقت ذاته هناك بعض الملفات الأخرى التي لا تحتمل الانتظار, بل إن التأخير في فتحها قد يؤدى لتفاقمها لدرجه يصعب معها السيطرة عليها فيما بعد, مثل أزمة الدولار وصعوبة توفيره, وقيمة الجنيه وتأثيره على الاحتياطي النقدي, والتعديلات التشريعية ولوائحها التنفيذية, والأيادي المرتعشة, وأيضا الصدام مع رجال الأعمال. ومعظم الملفات هي بالأساس أزمات اقتصاديه، وإذا ما قيمنا أداء المهندس شريف إسماعيل خلال فترة توليه وزارة البترول فسيتضح أنه نجح في اتخاذ قرارات هامه في قطاع البترول لم يجرؤ وزراء آخرين على اتخاذها وأهمها بطبيعة الحال فتح استيراد الغاز للقطاع الخاص كحل مؤقت لأزمة الطاقة، بعد التراجع الحاد في إمدادات الطاقة تحديدًا الغاز لصالح محطات التوليد للحد من انقطاع التيار الكهربائي المتكرر خلال الأعوام الأخيرة. ولعل ما يؤكد أهمية ملف الطاقة، حديث الرئيس عن هذا الملف الهام أمام مؤتمر مصر الاقتصادي في مارس الماضي، وإعلانه عن توقيع اتفاقية مع شركة سيمنس العالمية لإنشاء ثلاث محطات لتوفير الطاقة. ولا يمكن تجاهل تراجع الإنتاج في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة بشكل كبير وخطير خلال الفترة الأخيرة ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر, قطاع الأسمدة الذي تراجع حجم إنتاجه بما يقارب 38% عن العام الماضى على الرغم من انه يعد صاحب الترتيب الثالث فى عائدات التصدير بين المنتجات المختلفة. وبالتأكيد تأثرت عوائد الصادرات بشكل عام سواء فى هذا القطاع أو فى القطاعات المماثلة, فإذا نظرنا إلى مؤشر الصادرات خلال النصف الأول من عام 2015 سيتبين استمرار التراجع فى حجم الصادرات المصرية بنسبة 14,5% لتسجل قرابة 30,1 مليار جنيه بالمقارنة مع 70 مليار جنيه خلال فترة المقارنة, وهذا الملف يجب أن يحظى باهتمام اكبر من قبل الحكومة الجديدة خاصة بعد تراجع دعم الصادرات بالموازنة الجديدة إلى 2,6 مليار جنيه فقط. وتبقى العديد من الملفات أمام الحكومة وبشكل خاص المجموعة الاقتصادية خلال المرحلة الحالية, فنرى أنه يأتي على رأسها ملف الدولار وصعوبة توفيره للمستوردين والمصنعين نتيجة الصعوبات التي تواجه فتح الإعتمادات بالبنوك في أعقاب الإجراءات الاحترازية التي اتخذها المركز لمكافحة السوق السوداء. ومما لا شك فيه أن هذا الملف من اختصاص البنك المركزي, ولكن يجب أن يتم بالتنسيق مع الحكومة, فقد بدا واضحا خلال الفترة الماضية غياب التنسيق الكامل بين السياسات المالية للحكومة والسياسات النقدية للبنك المركزي الأمر الذي تسبب فى اهتزاز الثقة في مناخ الاستثمار بشكل عام خاصة للاستثمارات الأجنبية التى تراجعت بشكل واضح كنتيجة طبيعيه لغياب الرؤية الاقتصادية للدولة. برز غياب التنسيق فى أكثر من مناسبة سواء فى السياسات المتضاربة بين الجانبين أو حتى فى التصريحات, وهو ما قد يصعب من موقف الحكومة الجديدة وكذلك البنك المركزي من اتخاذ هذه الخطوة التى لا بديل عنها إذا ما كنا جادين فعليا فى جذب الاستثمارات والمضى قدما فى تنفيذ المشاريع القومية الكبرى سواء محور القناة أو العاصمة الإدارية، خاصة بعد أن لجأت أكثر من 22 دوله لهذا الإجراء فى أعقاب خفض الصين لقيمة اليوان لدعم صادراتها, ولذا يجب على الحكومة والبنك المركزي بالتنسيق فيما بينهم عدم الالتفات لهؤلاء المعارضين بدعوى أن مصر دوله مستورده وليس مصدرة, لاسيما وأن خفض قيمة العملة يختلف عن تعويمها, عدا عن أن ارتفاع الأسعار التي تحدث عنها البعض, هي مخاوف في غير محلها, ويرجع ذلك أن المستوردين لا يحصلوا على الدولار بأسعاره الرسمية وإنما يضطروا لتوفيره من السوق السوداء وهذا يعنى أن هامش الربح محدد على أسعار السوق السوداء وليس الرسمية ولا أدل على هذا من أن المركزي المصري يوفر عبر عطائه الأسبوعي ما يقارب على 6,5 مليار دولار سنويا في الوقت الذي تبلغ فيه قيمة الواردات المصرية قرابة 65.5 مليار دولار، مقابل صادرات بنحو24.4 مليار دولار. وهذا الفارق الكبير إنما يؤكد على ما سبق, وما يجهله هؤلاء المعارضون أن الاستمرار فى دعم قيمة الجنيه سيؤدى لتأكل الاحتياطات النقدية للبنك المركزي فى ظل تراجع الدعم الخليجى فى الموازنة الجديدة وكذلك تراجع دخل السياحة وقناة السويس حتى بعد التفريعة الجديدة نتيجة لتراجع النشاط التجارى على مستوى العالم على خلفية الركود الحاد الذي يضرب منطقة اليورو وتباطؤ معدلات النمو للصين. وأثر تراجع أسعار بالسلب على منطقة الخليج صاحبة النصيب الأكبر من العمالة المصرية ولذا فمن المتوقع أيضا تراجع فى تحويلات العاملين بالخارج, وهذا كله يدفعنا دفعا لتخفيض قيمة العملة لجذب الاستثمار وتشجيع الصادرات التى تراجعت بشكل حاد وكذلك السياحة بعد حادث السياح المكسيكين والذي حتما سيؤثر على النشاط السياحي الذي يعانى أصلًا. ومن أهم الملفات أيضا التى يجب أن ينصب تركيز الحكومة عليه, هو ملف تعديلات قانون الاستثمار الجديد ولائحته التنفيذية, فليس من المعقول أن المواد المحفزة التى تم أقرارها فى القانون الجديد لم تفعل حتى الآن بسبب اللائحة التنفيذية. وينبغى تبنى سياسات ضريبية عادله غير طارد للاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية, بالإضافة إلى ضرورة تسهيل الإجراءات أمام الاستثمار الاجنبى فلا حل للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية كما سبق ونادينا على مدار سنوات سوى بزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وتعد أزمة الأيادي المرتعشة التى أصابت الحكومات المتعاقبة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير خوفا من المساءلات الجنائية من أهم العقبات التى لابد من القضاء عليها.