تسعى دولة الإمارات، التي تعد من أفقر دول العالم بالمياه العذبة، إلى الاستفادة من كل قطرة ماء عبر تقنية تلقيح الغيوم والاستمطار من أجل سد جزء من حاجاتها المائية المتزايدة. تحت أشعة الشمس الحارقة في مطار مدينة العين الصحراوية، تقف طائرة تعمل بمحركين مروحيين جاهزة للتحليق باتجاه الغيوم، وتنتظر إشارة قد تأتي في أي لحظة للانطلاق في مهمة التلقيح. وتحمل الطائرة عبوات من الأملاح يتم ضخها في الغيوم المحملة بنسب عالية من الرطوبة لزيادة التكثف المائي وتشكيل المطر. وتعد الإمارات بين الدول العشر الأكثر فقرًا بالمياه العذبة في العالم. ويبلغ معدل هطول الأمطار في الإمارات بحدود 78 ميليمترًا في السنة، مقارنة ب1220 ميليمترًا في بريطانيا على سبيل المثال، بحسب أرقام البنك الدولي. ويدير المركز الوطني للأرصاد والزلازل برنامج تلقيح الغيوم. ويقوم علماء الطقس الموجودون في أبوظبي بمراقبة تحركات السحب ويعلمون قادة طائرات التلقيح بالموعد المناسب للتحليق وضخ الأملاح بما يزيد من احتمالات تساقط الأمطار. وقال مارك نيومن، وهو نائب قائد الطيارين في مركز الأرصاد والزلازل "ما أن يرصدوا تشكلًا للسحب الدافئة المحملة بالرطوبة يرسلوننا في مهمة استطلاع" ولمحاولة "تلقيح الغيوم". وقال نيومن من قاعدة تنشر فيها أربع طائرات من طراز "بيتشكرافت كينغ إير سي 90"، إن الصيف هو موسم الذروة لهذا النوع من النشاط. ففي الصيف خصوصًا تتشكل الغيوم فوق سلسلة جبال الحجر في شرق البلاد وسلطنة عمان، والتي تشكل حاجزًا يعكس صعودًا تحرك الرياح الدافئة التي تهب من خليج عمان. ويحدد الطيار عند استطلاعه قاعدة سحابة في طور التشكل عدد عبوات الأملاح التي ستضخ في الغيمة بحسب قوة التيار الصاعد. وقال نيومن إنه ليس بالضرورة أن تؤدي كل عملية تلقيح إلى سقوط المطر، إلا أن ذلك يحصل غالبًا. وأضاف "أنه لامر رائع ... ما أن يهطل المطر تعم حالة من الحماسة، يمكننا أن نسمع فرحة الزملاء في المكتب". ولملاقاة حاجاتها المتزايدة من المياه بسبب النمو الاقتصادي السريع والتدفق الكبير للوافدين الأجانب، لجأت الإمارات بشكل أساسي إلى تحلية المياه. وتنتج الإمارات 14% من المياه المحلاة في العالم وهي ثاني أكبر منتج للمياه المحلاة بعد السعودية. وتملك الإمارات 33 محطة لتحلية المياه تؤمن 42% من حاجاتها بحسب تقرير لوزارة المياه والبيئة عام 2013. إلا أن المياه الجوفية ما زالت تشكل 44% من المياه المستخدمة، مما يشكل ضغطًا كبيرًا على المخزونات الوطنية. وتشكل المياه المبتذلة والمعالجة 14% من المياه المستخدمة في البلاد، وذلك خصوصًا لري المساحات الخضراء والحدائق. وقال عمر اليزيدي، رئيس الأبحاث في مركز الأرصاد والزلازل، إن تكلفة الاستمطار أقل بكثير من تحلية المياه. وبحسب اليزيدي، فان أمطارًا هطلت خلال أربعة أيام في 2010، ساهمت بسقوطها عمليات تلقيح للغيوم كان حجمها يوازي تسع سنوات من الإنتاج في محطة تحلية واحدة في أبوظبي. وقال "هذا يدل بأن هناك كميات كبيرة من الأمطار التي يمكن الاستفادة منها ... إنه مصدر لا يمكن تجاهله". وذكر أن الدراسات تظهر بأن تلقيح الغيوم يمكن ان يزيد كمية الامطار بما بين 5 و70%، بحسب نوعية الغيوم. ومن المعروف أن منتجعات التزلج في ولاية كولورادو الأمريكية تستخدم تقنية التلقيح لزيادة منسوب تساقط الثلوج. أما الصين فقد لجأت إلى تلقيح الغيوم للاستمطار قبل وصولها إلى منطقة الألعاب الأولمبية، وذلك لضمان طقس من دون أمطار خلال الألعاب عام 2008. وتبحث الإمارات أيضًا عن سبل لجمع مياه الاستمطار التي تهطل على الأرض، بدلاً من أن تتبخر بسرعة أو تنجرف إلى البحر. وبنت الإمارات سدودًا لتخزين المياه التي تتدفق في الوديان بعد سقوط الأمطار. وتملك الامارات 130 سدًا بقدرة استيعابية تقدر ب120 مليون متر مكعب، بحسب أرقام رسمية. وقال عبدالله المندوس، رئيس مركز الارصاد والزلازل، "لا نريد أن نضيع قطرة مياه واحدة". وذكر أنه هناك دراسات يتم إعدادها لبناء مزيد من السدود وحماية مخزون المياه، وذلك بهدف توجيه المياه "من الغيوم إلى الخزان مباشرة".