لا تتجدد نيران الحرب بين حزب الله اللبنانى وإسرائيل حتى يبرز اسم "مزارع شبعا" إلى الواجهة من جديد، باعتبارها ساحة المعركة بين الطرفين التى شهدت جولات وجولات من الصراع. وشهد اليوم حلقة جديدة من هذا الصراع حين استهدفت صواريخ حزب الله مركبة عسكرية إسرائيلية فى مزارع شبعا، مما أسفر عن مقتل 4 جنود إسرائيلين وإصابة 6 آخرين، فضلًا عن مقتل جندى إسبانى من قوات حفظ السلام "اليونيفيل" متأثرًا بجراحة نتيجة القذف الإسرائيلى على الجنوباللبنانى. تأتى هذه الأجواء فى ظل قصف إسرائيلى على المنطقة الحدودية بعد أن أطلق حزب الله 22 قذيفة مورتر على شمال إسرائيل، بينما تتواتر الأنباء عن أسر جندى إسرائيلى خلال العملية التى نفذها الحزب صبيحة اليوم، فيما لوح نتنياهو بحرب لا تقل فى دمارها عن حرب "الجرف الصامد" التى شنتها إسرائيل على القطاع فى يوليو الماضى. من جانبه، تبنى حزب الله استهداف الدورية العسكرية الإسرائيلية، وقال إنها ردًا على العملية الإسرائيلية في القنيطرة داخل سوريا والتى راح ضحيتها 6 إيرانيين من بينهم الجنرال في الحرس الثوري الإيراني، محمد علي الله دادي في الغارة الإسرائيلية على سوريا، فضلاً عن مقتل القائد العسكري البارز فى حزب الله محمد عيسى، أحد مسئولي ملفي العراقوسوريا، وجهاد نجل عماد مغنية، الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية عام 2008 في دمشق بتفجير سيارته. وتقع مزارع شبعا ضمن الحدود اللبنانية السورية بمحاذاة هضبة الجولان التى احتلتها إسرائيل عام 1967، حيث تمتد بطول 24كم وعرضها 14 كم وتمتاز بطبيعتها الهضبية على شكل سهول وتلال. وتم ترسيم حدود المزارع من قبل الاحتلال الفرنسي عام 1921 على أنها منطقة تابعة لسورياولبنان، وبعد استقلالهما بقيت تبعية المزارع محل خلاف بين البلدين، وبالرغم من أن الخرائط الفرنسية تؤكد وتوثق "لبنانية المزارع" إلا أن إدارتها ظلت بيد دمشق منذ الاستقلال وحتى الاحتلال فى أعقاب نكسة يونيو واحتلال الأراضى العربية. عام 1973 كان شاهدًا على احتلال إسرائيل لمرتفعات "كفار شوبا" من الجانب السوري إلا أنها انسحبت منها بعد اتفاق هدنة، ولم تمر خمسة أعوام حتى قام العدو الإسرائيلى بتنفيذ عملية الليطاني التى احتلت بموجبها الحدود اللبنانيةالجنوبية بما فيها مزارع شبعا، ثم ما لبثت أن انسحبت بعد ثلاثة أشهر إثر إصدار مجلس الأمن قرار يطالب إسرائيل بالانسحاب من الحدود اللبنانية. وفي عام 1982 وإثر الاجتياح الإسرائيلى للبنان، عادت "المزارع" فى قبضة العدو الصهيونى مرة أخرى، تبع ذلك انسحاب من كافة الحدود اللبنانية لم يشمل "مزارع شبعا" لأنها تقع ضمن الحدود الشمالية للخط الأزرق، ومنذ ذلك الوقت تم تصنيفها من قبل إسرائيل على أنها جزء من الجولان المحتلة، وحلها مرتبط بالحل السوري الإسرائيلي. بيروت تتمسك بمزارع شبعا وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وأنها ترزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلى، وفى عام 2006 استدعت الأممالمتحدة خبيرًا فى الخرائط ليحسم هذا الخلاف العالق بين بيروتودمشق وإسرائيل، إلا أن الأخيرة تنظر إلى الموقع الجغرافى للمزارع على أنها إحدى دعائم أمن حدودها الشمالية، وورقة تستغلها من حين لآخر لإشعال الصراع السورى اللبنانى حول الأرض. وإلى جانب الأهمية العسكرية لمزارع شبعا فإن إسرائيل تنظر إلى العوائد الاقتصادية منها بعين الطمع والاستغلال، حيث تنتشر مزارع شبعا في موقع جغرافي ذي أهمية استراتيجية بالغة على ملتقى الحدود بين لبنانوسوريا وفلسطين المحتلة، وتتميز هذه المنطقة بقممها الجبلية العالية التي تصل إلى حوالى 2600م المشرفة على هضبة الجولان وسهل الحولة والجليل وجبل عامل وسهل البقاع، إلى جانب اختراق العديد من الأنهار لأراضى شبعا مثل نهر الأردن ونهر الحاصبانى، فضلاً عن الكميات الهائلة من مياه ثلوج جبل الشيخ، هذا إلى جانب الأراضى الخصبة التى تزرع بها محاصيل الحبوب والخضر والفاكهة والزيتون والتى تمثل موردًا اقتصاديًا لا يمكن تجاهله، بالإضافة إلى مناطق الغابات والمراعى الطبيعية. وفى أعقاب حرب يونية 2006 التى نشبت بين حزب الله وإسرائيل والتى امتدت من مزارع شبعا إلى مارون الراس والليطانى وصولاً للضاحية الجنوبية، والتى انتهت باقرار هدنة بدت خلالها إسرائيل عاجزة عن دحر مقاومة حزب الله أو نجاحها فى تحرير جنودها المأسورين، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1701 والذى ينص على وقف العمليات القتالية بين منظمة حزب الله اللبنانية وإسرائيل، دعا مجلس الأمن كلاً من إسرائيل ولبنان إلى احترام الخط الأزرق الذي تم ترسيمه في مايو 2000. مع ذلك، طلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة بحث قضية مزارع شبعا واقتراح طرقات لحل المشكلة. وفي تقرير لمجلس الأمن من 12 سبتمبر 2006 بشأن تطبيق قرار 1701، أكد الأمين العام أن حل قضية مزارع شبعا تلزم التوصل إلى اتفاق لبناني سوريي بشأن ترسيم الحدود الدولي بينهما، مشيرًا إلى التزام قدم له الرئيس السوري بشار الأسد بالاجتماع برئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لمباحثة الموضوع، ويذكر الأمين العام في هذا التقرير مسارًا بديلاً لحل المشكلة اقترحه رئيس الوزراء اللبناني والذي يضم نقل منطقة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا لرعاية الأممالمتحدة حتى توضح السيادة عليها. غير أن الأمين العام يشير إلى أن النطاق الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا غير محدود بدقة مما يعرقل تطبيق هذا الحل. وفي تقرير آخر بشأن تطبيق قرار 1701 قدمه الأمين العام لمجلس الأمن في 30 أكتوبر 2007، أعلن الأمين العام أنه عين خبيرًا خاصًا برسم الخرائط لدرس قضية النطاق الجغراف لمنطقة مزارع شبعا، وأن هذا الخبير قد وصل إلى تنائج أولية، وبناء على المعلومات المتاحة، خلص مؤقتًا رسام الخرائط الأقدم إلى أن منطقة مزارع شبعا تمتد نحو الشمال الشرقي من قرية مغر شبعًا ونحو الشمال الغربي من وادي العسل. وبالتالي، من الممكن التأكيد أن استعراض الأدلة الأخيرة وتحليلها يمكن أن يشكل أساسا لوضع تحديد مؤقت للنطاق الجغرافي لمنطقة مزارع شبعا على النحو التالي: تبدأ من النقطة الفاصلة للخط الفرنسي لعام 1920 الواقع جنوب قرية المجيدية مباشرة؛ وتمتد من هناك نحو الجنوب الشرقي على طول حدود عام 1946 لمغر شبعا إلى أن تصل إلى محور وادي العسل؛ ومن هناك تتبع محور الوادي نحو الشمال الشرقي إلى أن تصل إلى قمة الجبل الواقع شمال قرية مزرعة برعشيت السابقة وتتصل بخط عام 1920). وذكر الأمين العام في هذا التقرير أن لبنان قدم له ملفًا من الخرائط والوثائق لإثبات مطالبتها بمنطقة مزارع شبعا ردّاً على طلبه بذلك، وأن إسرائيل وافقت على تمكين رسام الخرائط من زيارة المنطقة، وقد قام رسام الخرائط بزيارتها في 5 سبتمبر 2007. أما سوريا فلم تردّ على طلب الأمين العام بتقديم معلومات عن هذا الموضوع حسب التقرير. ومع انطلاق الموجة الجديدة من الصراع بين حزب الله وإسرائيل، يبدو أن مزارع شبعا المحتلة لن تنعم بالاستقرار قريبًا.