كانت السينما الطريق الذي جعل عامة الناس يعرفون من هو نجيب محفوظ، فقد علقت الشخصيات التي جسدتها أعماله الروائية، سواء كانت رومانسية أو رمزية أو واقعية وترسخت في أذهان ووجدان البسطاء. من منا لا يعرف "سي السيد" و"الست أمينة"؟ ومن لم يشاهد "الشيطان يعظ"، و"اللص والكلاب"، و"السمان والخريف"، والحرافيش والثلاثية "بين القصرين"، "قصر الشوق"، "السكرية"، و"القاهرة 30" و"زقاق المدق" و"السراب" و"بداية ونهاية" و"الطريق" و"ثرثرة فوق النيل" و"ميرامار"؟ كان نجيب محفوظ الأديب والروائي العالمي، شاشة سينما بذاته، يقدم مشاهده المكتوبة من زوايا مختلفة عن تلك التي صتعها مخرجو رواياته، فقد كانت شخصياته تنبض بالحياة على الورق، قبل أن يعاد بثها مرة أخرى على شاشة السينما. نبدأ بالسيد أحمد عبد الجواد "يحيي شاهين"، الذي جسد أشهر شخصيات نجيب محفوظ "سي السيد" في الثلاثية، والست أمينة "آمال زايد" حيث تظل هاتان الشخصيتان محفورتين في الذاكرة، وقد قال الفنان الكبير محمود مرسي، الذي مثل هذه الشخصية، في مسلسل "بين القصرين" تليفزيونياً: "بدون تواضع أو غرور، أقول: إني خسرت هذه الجولة أمام يحيى شاهين الذي يبدو كما لو أن نجيب محفوظ رسم هذه الشخصية خصيصاً ليتواءم معها يحيى شاهين. لقد كنت أبحث عن أحمد عبد الجواد، بينما أحمد عبد الجواد يبحث عن يحيى شاهين. لا أظن أن أحداً يمكنه أن يغدو أحمد عبد الجواد على نحو يفوق يحيى شاهين لعدة أجيال قادمة". وقد قدم محمود مرسي ، شخصيتين من أبطال روايات نجيب محفوظ: عيسى الدباغ في "السمان والخريف"، وعمر الحمزاوي في "الشحاذ". ويُعتبر نور الشريف، الذي قدم 12 عملًا لنجيب محفوظ، صاحب الحظ الأوفر لرواياته، حيث دخل عالم الروائي الكبير من بوابة "قصر الشوق" عندما أسند له حسن الإمام دور كمال عبد الجواد، وهو أول دور له على شاشة السينما. وبعد أحد عشر عاماً، يمثل ذات الشخصية في "السكرية" لحسن الإمام، حيث أصبح كمال عبد الجود في خريف العمر. كما أن نور الشريف من أكثر، وأفضل الممثلين الذين جسدوا المهزومين والخاسرين عند نجيب محفوظ، وجمع نجيب محفوظ بينه وبين فريد شوقي في عدة أفلام:" الكرنك، الشيطان يعظ، فتوات بولاق، أصدقاء الشيطان، قلب الليل "إلى جانب بطولته لروايات" " قصر الشوق، السراب، صور ممنوعة، السكرية، أهل القمة، المطارد، ليل وخونة ". وقدم فريد شوقي 10 أفلام من أعمال نجيب محفوظ، منها " ريا وسكينة، جعلوني مجرما ، الفتوة ، بداية ونهاية، فتوات الحسينية "، الذي بعده، توالى ظهور الفتوّات، " صلاح قابيل" في "شهد الملكة، ثم "مجدي وهبة" في "المطارد"، وحمدي غيث في "التوت والنبوت". ومن الصعب نسيان شخصية سعيد مهران التي جسدها شكري سرحان في فيلم" اللص والكلاب" مع الفنانة شادية، التي إلى جانب شخصية نور في اللص والكلاب، جسدت ثلاثاً من بطلات نجيب محفوظ: حميدة في "زقاق المدق" كريمة في "الطريق"، وزهرة في "ميرامار". أما الراحلة سعاد حسني فقد دخلت عالم نجيب محفوظ من ستة أبواب: "الطريق" ، و"القاهرة 30" مع القدير أحمد مظهر وحمدي أحمد"، و"أميرة حبي أنا مع حسين فهمي" ، و "الكرنك"، و "أهل القمة"، و"الجوع"، أمام الفنان محمود عبد العزيز. وكان للفنان عماد حمدي نصيب في روائع نجيب محفوظ فرأيناه "أحمد عاكف" في خان الخليلي، "عامر وجدي" في "ميرامار"، و"أنيس زكي"، في "ثرثرة فوق النيل". ولنا أن نضيف، بخاصة في الأفلام التي تعتمد على رواياته، والتي جسدتها أجيال متعددة من الممثلين، الآباء والأمهات، عبد الوارث عسر في "خان الخليلي" وأمينة رزق في "بداية ونهاية"، والملاحظ أن الأمهات أوسع انتشاراً من الآباء، باستثناء الحضور الطاغي ليحيى شاهين في الثلاثية. أما الجيل الثاني، فإنه يشمل عماد حمدي، رشدي أباظة، فريد شوقي، عمر الشريف، شادية، سميرة أحمد. ثم لحق بهم حسن يوسف، صلاح قابيل، ماجدة الخطيب، سعاد حسني، سهير رمزي، هكذا حتى نصل إلى أحمد زكي وآثار الحكيم في الفيلم المهم "الحب فوق هضبة الهرم". وإلى جانب المرأة العاهرة والمكسورة شملت خارطة شخصيات نجيب محفوظ، المرأة القوية، مجسدة في "نادية الجندي" حين قدمت "زهيرة" في "شهد الملكة"، كما سترى المهانة ومعنى الإجحاف في وجه "نبيلة عبيد" حين اغتصبها الفتوّة الطاغية "عادل أدهم" في "الشيطان يعظ" أمام زوجها نور الشريف. ولن نستطع نسيان " دور "سنية" في "ثرثرة فوق النيل"، وهو الدور الذي قالت فيه جملتها الشهيرة "رجب حوش صاحبك عني". ولا يمكن نسيان حدوتة «نور» فى «اللص والكلاب»، أو «حميدة» فى «زقاق المدق»، أو «ريرى» فى «السمان والخريف»، أو «نفيسة» فى «بداية ونهاية».. ونعمت مختار كان لها أدوار لا تُنسى مثل دور "زنوبة" في "بين القصرين" عام 1962، وهي نفس الشخصية التي قدمتها نادية لطفي فيما بعد في "قصر الشوق" و"السكرية". ومن بين بطلات نجيب محفوظ ونسائه، ومن بين النجمات اللاتى جسدن تلك الشخصيات المختلفة على شاشة السينما كانت شادية.. «نور» فى اللص والكلاب و«زهرة» فى ميرامار، ونادية لطفى، «ريرى» فى السمان والخريف، وسعاد حسنى، «إحسان شحاتة» فى القاهرة 30، وسناء جميل.. «نفيسة» فى بداية ونهاية، وماجدة الخطيب، «سمارة» فى ثرثرة فوق النيل، وآمال زايد.. الست أمينة زوجة السيد عبدالجواد فى الثلاثية. ومازال السؤال الحائر على لسان النقاد والأدباء بعد أن قدم الأديب العالمي نجيب محفوظ 22 رواية من رواياته الثلاثين، التي تم تحويلها إلى أفلام سينمائية صارت علامة في تاريخ السينما المصرية، وشارك في كتابة سيناريوهات 26 فيلماً، هل استفاد من السينما في نشر رواياته؟ أم أن السينما هي التي استفادت منه في تقديم أعمال شديدة التميز؟ لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :