تقدم قائد الجيش المصري؛ ليتفقد الخطوط الأمامية، وأصرَّ على أن يكون بين رجاله، وفجأة رصدته قوات العدو الإسرائيلي، فأطلقت قذائفها باتجاهه، ليسقط البطل شهيدًا في مرابض الجنود، ليبكيه الوطن العربي كله، وليسطر بدمائه قصة شجاعة وتضحية الشهيد عبدالمنعم رياض. اعتبر يوم 9 مارس من كل عام هو يوم الشهيد تخليدًا لذكرى استشهاد البطل عبد المنعم رياض، الذي تمر اليوم علينا الذكرى ال42 لاستشهاده. نشأ الفريق في حياة عسكرية حتى أصبح عاشقًا لها منذ نعومة أظافره، ولكن رغم رغبة أسرته في أن يلتحق بكلية الطب التي قضى بها عامين، التحق بالكلية الحربية ليقضي 32 عامًا وسط جنوده مدافعًا عن الوطن، متمسكًا بالمبادئ العسكرية التي ورثها عن والده، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 9 مارس 1969 وهو يدافع عن القضية الوطنية ضد العدو الإسرائيلي الذي عاش يراه العدو الأول، ولابد من القضاء عليه. عُرف الشهيد عبدالمنعم رياض بأنه أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، شارك في العديد من الحروب، حيث شارك في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين مابين عامي 1941 و 1942، كما شارك في حرب فلسطين 1948، والعدوان الثلاثي عام 1956، ونكسة 1967، وحرب الاستنزاف. ولد الفريق محمد عبدالمنعم رياض، في 22 من أكتوبر 1919 درس في كُتَّاب قريتة "سبرباي" التابعة لمدينة طنطا في محافظة الغربية، تدرج في التعليم حتى حصل على الثانوية العامة من مدرسة الخديو إسماعيل، ونزحت أسرته إلى الفيوم، وكان جده عبد الله طه على الرزيقي، من أعيان الفيوم. التحق الشهيد بكلية الطب تنفيذًا لرغبة الأسرة، ولكن تعلقه بالحياة العسكرية التي أحبها من والده، القائم مقام (رتبة عقيد حاليًا) محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية، والذي تخرج على يديه الكثيرون من قادة المؤسسة العسكرية، التحق بالكلية الحربية، وأتم دراسته في 1938 برتبة ملازم ثان، وقد حصل على شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944، ثم أتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في إنجلترا عامى 1945 و 1946. أجاد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية ، ولكن لإيمان الشهيد بأن الاقتصاد هو الإستراتيجية التي لابد من تعلمها فقد التحق بكلية التجارة وهو في رتبة فريق. كانت للقائد توجهات وأفكار يؤمن بها، عاش ليحققها ومات وهو يدافع عنها، فقد كان يؤمن بحتمية الحرب لتحقيق النصر خاصة الحرب على إسرائيل، ليس بالحرب العسكرية فقط، إنما بالحرب الاقتصادية، كما تضمنت أفكاره أن القادة يُصنعون ولا يولدون، حيث قال: "لا أصدق أن القادة يولدون، إن الذي يولد قائدا هو فلتة من الفلتات التي لا يقاس عليها كخالد بن الوليد مثلا، ولكن العسكريين يصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرصة والثقة. "إن ما نحتاج إليه هو بناء القادة وصنعهم، والقائد الذي يقود هو الذي يملك القدرة على إصدار القرار في الوقت المناسب، وليس مجرد القائد الذي يملك سلطة إصدار القرار". تنبأ الفريق بوقوع عدة حروب منها حرب العراق، حيث قال "إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاد وستطوق إلى بترول العراق خلال وقت قريب"، كما أن من أقواله المأثورة " أن تبين أوجه النقص لديك، تلك هي الأمانة، وأن تجاهد أقصى ما يكون الجهد بما هو متوافر لديك، تلك هي المهارة". عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة خلال عامي 1947 و1948، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، وقد مُنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك. تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات في عام 1951، ثم عُين قائدًا للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية عام 1953، وفي العام التالي اختير لتولي قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية، وظل في هذا المنصب إلى أن سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفيتي عام 1958 لإتمام دورة تدريبية في الأكاديمية، وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز وحصل على لقب (الجنرال الذهبي)، وبعد عودته شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1960 ثم نائب رئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة عام 1961، وأُسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشئون الدفاع الجوي. اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات خلال عامي 1962 و1963، وفي عام 1964 عُين رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة، ورُقي في عام 1966 إلى رتبة فريق، وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا. حينما وضعت حرب 1967 أوزارها عُين الفريق عبدالمنعم رياض قائدًا عامًا للجبهة الأردنية، وفي 11 يونيو 1967 اخُتير رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك، الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها. أشرف على خطة القيادة المصرية لتدمير خط بارليف خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يباشر تنفيذها بنفسه.. وقد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين خسائر فادحة في ساعات قليلة، واستطاع تدمير جزء من مواقع خط بارليف، وكان أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973. وفي 9 مارس 1969 من السويس جنوبا إلى القنطرة شمالا، أصر على زيارة الجبهة ليرى عن كثب ثمار المعركة، وفي ظهر ذلك اليوم قرر زيارة إحدى وحدات المشاة الفرعية التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، ليشهد هذا الموقع اللحظات الأخيرة في حياة قائد مصري، قضى 32 عامًا في الجيش، حيث انهالت نيران العدو فور وصوله إلى الموقع، رقم 6 الذي كان أول موقع يفتح النيران على العدو الغاشم، وظل يدافع لقرابة الساعة ونصف الساعة، حتى فوجئ بقذيفة مدفعية بالقرب من موقعه، لتصيبه إحدى شظاياها فيموت وسط جنوده، متأثرًا بجراحه. وقد أطلق اسم الشهيد على أكبر ميادين وشوارع القاهرة، كذلك أطلق اسمه على أحد الميادين الشهيرة بوسط القاهرة، وأحد شوارع المهندسين، والشارع الرئيسي ببلبيس، وكذلك وضع نصب تذكاري له بميدان الشهداء في محافظتي بورسعيد والإسماعيلية. نعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقام بمنحه رتبة الفريق أول، ونجمة الشرف العسكرية، التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر. من المفارقات أن ميدان عبدالمنعم رياض، قد شهد سقوط عدد من الشهداء، في أحداث ثورة الشعب المصري، التي بدأت أحداثها يوم 25 يناير الماضى، حول التمثال الذي يحمل اسمه، بالقرب من المتحف المصري.