صادق نواب المجلس التأسيسي التونسي في ساعة متأخرة من ليل الأحد، على فصل لمشروع قانون المالية يتعلق بإنشاء "صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد". جاء ذلك في الوقت الذي انتشرت- حسب موقع"سي إن إن"- على مواقع التواصل الاجتماعي الاثنين، صورة مستوحاة من شعار "رابعة العدوية" لكن صورة الأصابع مختلفة فيه بحيث تشير إلى الحركة التي تدل على طلب الأموال. كما انتشر سؤال تناقله الكثير من أوساط المعارضة ومن التونسيين المستقلين وهو "كيلو النضال بقداش (بكم)؟" ومن المفترض أن يتولى الصندوق تعويض المساجين السياسيين السابقين في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ماديًا، وفق معايير محددة. ووفقًا لوكالة الأنباء التونسية الرسمية فقد أثارت مسألة إضافة هذا الفصل جدلاً واسعًا بين عدد من نواب المجلس وصل إلى حد تبادل الاتهامات. ووقع تمرير هذا المقترح بموافقة 87 نائبًا مقابل رفض 13 واحتفاظ 19 آخرين. وتمسك نواب كتلة حركة النهضة الحاكمة بالخصوص بتمرير هذا الفصل للتصويت معتبرين أن إحداث هذا الصندوق ضمن قانون المالية هو مكمل لما ورد فى قانون العدالة الانتقالية وهو سليم من الناحية القانونية والإجرائية فضلاً عن أنه سيضمن حق ضحايا الاستبداد فى التعويض. من جانبه، قال وزير المالية الياس الفخفاخ إن تمرير هذا الفصل لا يستقيم شكلاً باعتبار وجود قانون يتعلق بإحداث الصناديق الخاصة مشيرًا الى أنه يمكن بقرار من وزير المالية فتح حساب أموال مشاركة لإنجاز هذا الصندوق. لكن مسئولاً حكوميًا أوضح أيضًا أنّ الأموال غير متوفرة ولم يتم إدراجها في الموازنة، وهو ما حدا ببعض من أنصار حزبي النهضة والمؤتمر إلى التأكيد أنّه سيتم جمع الأموال المخصصة للتعويض من صندوق خيري تساهم فيه دول وهيئات وأفراد. وفي كلمة له عقب المصادقة، قال رئيس الحكومة علي العريض إن الحكومة تتقبل النقد لكن أحيانًا يتحول هذا النقد إلى تجريح وتجييش ضدها، في إشارة متوقعة منه إلى ما سيثيره القرار من ردودو فعل. وفعلاً فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي الاثنين، صورة مستوحاة من شعار "رابعة العدوية" لكن صورة الأصابع مختلفة فيه بحيث تشير إلى الحركة التي تدل على طلب الأموال. كما انتشر سؤال تناقله الكثير من أوساط المعارضة ومن التونسيين المستقلين وهو "كيلو النضال بقداش (بكم)؟" ويشمل القانون نظريًا جميع من تعرض للظلم من يساريين وقوميين وإسلاميين وليبيراليين وأشخاص عاديين، لكن غالبية المراقبين تساءلوا عن معنى القانون في ظل أن المساجين السياسيين والمعارضين، ولاسيما من حركة النهضة، تلقوا تعويضاتهم وفقًا لقانون العفو التشريعي، وذلك من خلال منحهم أموالا وإعادتهم لوظائفهم وتوفير وظائف أيضًا. لكن نوابًا من المجلس التأسيسي ردوا على ذلك بالقول إنّ صندوق التعويض لا علاقة له بقانون العفو، لأنه يتماشى مع قانون العدالة الانتقالية وأن من تم تعويضه سابقًا لا يستحق مزيدًا من التعويضات. وتساءل عدة تونسيين عن السبب في إصرار نواب حركة النهضة على إضافة القانون والتصويت عليه "في عزّ الليل وفي يوم الراحة الأسبوعية" ووصل بالكثير من الناشطين على مواقع التواصل إلى اعتبار ذلك شبيها "بعمل لصوص الليل" ظروف التصويت ومن أبرز المنتقدين للقانون النائب المعارض إياد الدهماني الذي نشر على صفحته الرسمية موقفه قائلاً "فوجئنا بتقديم مقترحات من طرف حركة النهضة كان أولها: إحداث صندوق التعويض لضحايا الاستبداد، وتدخلنا في الحزب لرفض هذا المقترح الذي لم يأخذ حظه في النقاش، واعتبرنا تقديمه بهذه الطريقة أمرًا مريبًا في وقت متأخر، الأمر الذي يفهم منه إرادة وضع الرأي العام أمام الأمر الواقع. انطلاقًا من أنه لا يمكن لحزب أن يمرر إجراء يستفيد منه في الأغلب أعضاؤه بمثل هذه الطريقة التي نعتبر انها تسيء إلى النضال والمناضلين. هذا الرفض من طرفنا دفع بأحد النواب الى محاولة الاعتداء علي، الامر الذي حال دونه تدخل بعض من الزملاء، وتم المرور للتصويت رغم احتجاجنا على الإجراء وتم قبول مقترح انشاء الصندوق رغم اعتراض كوادر وزارة المالية لأسباب تقنية. ثم تم تقديم مقترح يتعلق بالعسكريين الذين عزلوا في بداية التسعينات ولم يتم قبول المقترح بأغلبية ضعيفة الامر الذي خلق نوعا من التوتر لدى بعض عناصر حزب الأغلبية كما حاولت كتلة النهضة تمرير مقترح يمدد في الآجال بالنسبة للإجراءات الاستثنائية الخاصة بالمنتفعين بالعفو التشريعي العام، وهنا أيضاً تدخلت لاحتج على هذه الجلسة التي حولت الميزانية إلى غنيمة يحاول الخارجون من الحكم أن يغنموا منها كل استطاعوا في آخر فرصة لهم. الأمر الذي أثار حفيظة أغلب نواب النهضة ودفع أحدهم إلى محاولة الاعتداء على مرة أخرى". وقالت الناشطة المعروفة نزيهة رجيبة "ليست هذه أوّل مرّة يستبيح فيها حزب حاكم مقدّرات الدّولة ليرشو "محاسيبه" وأتباعه.. بعد الاستقلال وزّعت الامتيازات وخيرة الأراضي الفلاحيّة على "مناضلين" لم يكونوا- أحيانًا- مناضلين حقيقيّين بل زبائن للحزب الحاكم ومغطّين على انحرافاته.. بن علي قسّم مقدّرات البلاد بين عائلته و حماته من مدنيين وأمنيين..النّهضة تفعل اليوم نفس الشّيء". لكن القيادي السابق في حزب المؤتمر الحاكم والقيادي حاليًا في "حركة الوفاء" المنشقة عن الحزب والمقربة من الائتلاف الثلاثي الحاكم، الصحفي سليم بوخذير، وهو أحد أبرز أصدقاء الناشطة نزيهة رجيبة، ردّ على بالقول "كلّ من يغبط مبدئيا على أي شهيد من شهداء مقاومة الاستبداد حقه في التعويض المادي والتكريم المعنوي.. كلّ من يغبط على أي جريح من جرحى الثورة على الاستبداد والفساد حقه في التعويض المادي والتكريم المعنوي.. كل من يغبط على أيّ معاق جراء التعذيب بسبب مقاومة الاستبداد حقه في التعويض المادي والتكريم المعنوي.. كلّ من يغبط على أي ضحية من ضحايا مقاومة الاستبداد والفساد حقه في التعويض المادي على جريمة الدولة المرتكبة في حقه وفي التكريم المعنوي.. إنّما هو في رأيي ليس فقط ضد مسار العدالة الانتقالية بل ضد مبدأ العدالة نفسه بل وضد الثورة نفسها وضد حقوق الإنسان". دعوات لعدم دفع الضرائب وقرر ناشطون الردّ على القانون برفع قضية أمام أنظار القضاء الدولي- من دون الإشارة إلى الهيئة التي سيتم تحويلها لها- للمطالبة بما اعتبروه "أكبر عملية نهب يتعرض لها العرب منذ 1400 سنة". وفي الصفحة الرسمية لهذه المجموعة، نقرأ "لم تناضل من أجلي بل من أجل فكرك.. لم تطلب مني تفويضا لذا فأنت وحدك مسؤول عن ما فعلت! سيدي المناضل، النضال لا يقدر بثمن وإن حصل ذلك فالتسمية تتغيّر من نضال إلى ارتزاق. لست مجبرا على أن أستدين وأستدين وأستدين لكي أدفع لك من مال جيلي و الأجيال القادة.. لن نسمح لنوابكم بتمرير أكبر عملية سرقة و نهب منظّم للمال العام في تونس و القضاء الدولي هو الفيصل". وفيما تنامت الدعوات إلى الامتناع عن دفع الضرائب للدولة، وكذلك عن دفع فواتير الخدمات العامة، قال الخبير الاقتصادي سامي الرّمادي على صفحته "لا تؤجل سرقة الليل إلى الغد: عملية براكاج (قرصنة) على خزينة الدول".