استعادت مدينة سيدي بوزيدالتونسية، اليوم الثلاثاء، ذكرى الانتفاضة التي أطلقت شرارتها ضد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي وانتهت بالإطاحة به، لكن شعورًا ما ينم عن محاولات لسرقة رمزية هذه الذكرى. واليوم تدين تونس التي تعيش مرحلة انتقالية بهدف التأسيس لنظام ديمقراطي إلى مفجر الثورة محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده في مثل هذا اليوم عام 2011 ليعلن بذلك بداية النهاية لنظام متسلط أمتد على مدى أكثر من عقدين، وقبله خمسة عقود من نظام الحزب الواحد خلال حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. وقبل أيام قال رئيس الحكومة المؤقتة الحالية علي العريض إن "الموجة الأخيرة للديمقراطية انطلقت من مدينة اسمها سيدي بوزيد وهي علامة يجب تسويقها في العالم وستكون يومًا مقصدًا لكل سكان الأرض". وأضاف العريض أن "إنشاء مؤسسات فيها أو حتى برمجة ذلك أمر يسانده كل العالم مما يستوجب التسويق لهذه الجهة باعتبارها علامة تونسية بامتياز". لكن بخلاف عربة الخضراوات للبوعزيزي التي صادرتها الشرطة وكانت سببا في اندلاع الثورة ثم تحولت إلى مجسم ضخم وسط المدينة، فإن سيدي بوزيد لم يطرأ عليها تغيير يذكر بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام بن علي. وتفسر حالة السخط المنتشرة في صفوف الشباب العاطل والعائلات الفقيرة بسيدي بوزيد وعدد آخر من المدن الداخلية التي كانت في مقدمة الانتفاضة مثل القصرين والرقاب وتالة وقفصة، موجة النفور من إبراز أي مظاهر احتفالية. غير أن سيدي بوزيد التي كانت تستعد لإحياء هذه الذكرى الوطنية والتذكير باستحقاقات الثورة التي لم تتحقق للمدينة، تشعر اليوم بوجود محاولات مشبوهة لسرقة الذكرى لمآرب داخلية وإقليمية. وقال مهدي الحرشاني الناشط بالمجتمع المدني بالجهة لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ): "ما حصل اليوم يعتبر فوضى تنظيمية، هناك رغبة من أحزاب سياسية ودينية لسرقة التظاهرة وعنوانها الرئيسي الواضح أن هناك قوى ثيوقراطية تحاول الالتفاف على ذكرى الثورة". وسيطرت الرايات السوداء والبيضاء المميزة لحزب التحرير والأحزاب السلفية إلى جانب شعارات الإخوان المسلمين وشعار أحداث ساحة رابعة بمصر على مظاهر الاحتفالات اليوم بسيدي بوزيد. وقال الحرشاني "توافد الكثير من الجمعيات والأشخاص الغرباء على المدينة تم نصب خيام لتقديم برامج ثقافية لكنها تحولت للتسويق الحزبي، الواضح أن هناك رغبة من بعض الاتجاهات الدينية لتوظيف الاحتفالات، لأن تاريخ 17 ديسمبر أصبح له رمزية إقليمية ودولية"، وتابع الناشط "سيخلق هذا مشكلًا بالمدينة وسيكون له أثر في الأيام القادمة". ولم تكن سيدي بوزيد وحدها في مرمى هذه التحركات فقد اختار تنظيم أنصار الشريعة المحظور تاريخ اليوم للتحرك بساحة القصبة بالعاصمة أمام مقر الحكومة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين في صفوفهم وبتطبيق الشريعة. ومع ذلك ليست هذه التحركات التي سيطرت على تغطيات عدد من القنوات الإخبارية ما يشغل بال التونسيين اليوم ، فالبلد الذي يشهد مسارًا انتقاليًا صعبًا لا يزال في منتصف الطريق، وعمليا سيحتاج لمدة سنة إضافية على الأقل للانتهاء من إعادة بناء المؤسسات الدستورية. كما يرتبط انتعاش الاقتصاد المترنح (8ر2 بالمائة نسبة نمو لهذا العام) وتقليص حدة البطالة من 16 بالمائة على المستوى الوطني وأكثر من أربعين بالمائة في الجهات الفقيرة، بوضوح الرؤية السياسية. وعلى الرغم من توصل الفرقاء السياسيين مؤخرًا إلى التوافق، نسبيًا، حول وزير الصناعة الحالي المهدي جمعة كرئيس لحكومة الكفاءات المقبلة بعد أشهر من الشلل السياسي، فإن الصعوبات الأهم مازالت في الانتظار بأول المنعطف. ويتعلق الأمر بتطبيق باقي بنود خارطة الطريق التي قدمتها اللجنة الرباعية لحل الأزمة وإتمام مهام المجلس التأسيسي وعلى رأسها المصادقة على الدستور وترتيبات الانتخابات المقبلة. وستوضع بعد ذلك حكومة جمعة المقرر تشكيلها خلال شهر على المحك عبر انكبابها على الملفات الحارقة. وخلال كلمة توجه بها إلى الشعب بمناسبة ذكرى الثورة حث المرزوقي المجلس الوطني التأسيسي على ضرورة إنهاء المصادقة على الدستور قبل يوم 14 يناير ذكرى الإطاحة بالنظام السابق، وانطلاق عمل الحكومة في أجل لا يتجاوز الشهر من اختيار جمعة. وقال المرزوقي إن "الحكومة الانتقالية ستسهر على فرض الأمن وستنشط الاقتصاد وستحقق كل الظروف الموضوعية لكي تنظم في تونس في أقرب الآجال الانتخابات التي تنهي مرحلة وتؤسس لمرحلة جديدة". لكن عددًا من الأحزاب المعارضة التي تحفظت على تعيين مهدي جمعة لا تبدي تفاؤلًا بقدرة الرجل على التطرق إلى أمهات المشاكل وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وأزمة التعيينات الحزبية في الإدارة وإنعاش الاقتصاد وإيقاف الغلاء المستمر للمعيشة. وقال المحلل السياسي نور الدين المباركي ل(د. ب. أ) "يبقى التفاؤل محدودًا لأن نتائج الحوار لم تكن توافقية، يظهر ذلك من خلال الاحتراز الذي رفعته عدد من أحزاب المعارضة بل إن بعضها (الحزب الجمهوري) قرر الانسحاب من الحوار الوطني أصلًا". وتكمن الصعوبة الأولى في إتمام خارطة الطريق في أن حالة التجاذب السياسي مازالت موجودة إلى جانب أن التباين حول دور الحكومة المقبلة مازال قائمًا. وقال المباركي " تريد حركة النهضة حكومة تقنية أي الإعداد للانتخابات المقبلة فيما المعارضة تنتظر عدة خطوات منها على وجه الخصوص مراجعة التعيينات الحزبية وحل روابط حماية الثورة الداعمة للائتلاف الحاكم إلى جانب مراجعة مشروع ميزانية 2014". وتابع قائلا "هذا الأمر إلى جانب التباين في المسار التأسيسي (الدستور) أعتقد انه سيجعل تنفيذ بقية بنود خريطة الطريق أمرًا ليس سهلًا وربما نشهد تمديدًا آخر". لكن تونس اليوم في غنى عن أي أزمة جديدة إذ تتوقف الاستثمارات الخارجية ومساعدات المنظمات المالية العالمية على وضوح الرؤية السياسية والاستقرار الأمني بينما يحتاج إقرار الهدنة الاجتماعية في الجهات الداخلية إلى رؤية المشاريع التنموية على أرض الواقع.