أصبح العنف السياسي سمة رئيسية لحراك المجتمع سواء السياسي عبر المظاهرات اليومية التي يقودها تحالف دعم الشرعية، أو المجتمعي بسبب المطالب الفئوية لبعض شرائحه. إلا أن العنف الناجم عن الحراك السياسي هو الأشد تأثيرًا بسبب سقوط الكثير من الضحايا ما بين قتيل وجريح. مشهد الأمس لم يختلف كثيرًا عن مشاهد كثيرة اعتادها المصريون، حيث بات العنف سمة رئيسية لاحتجاج تحالف دعم الشرعية الذي تقوده جماعة الإخوان، وكان أشد هذا الحراك عنفًا في محافظة الجيزة وتحديدًا في مناطق العمرانية والهرم، وما بين سخط شرائح من المواطنين على العنف واتهام الإخوان بتعطيل المصالح والأرزاق، والجدل ما بين السياسيين حول نهاية هذا الحراك، في ضوء الاعتقاد الراسخ بأن هدف الجماعة في النهاية نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار داخل مصر، يتجدد التساؤل من جديد، هل هناك سبيل للمصالحة السياسية التي تنهي حالة الاحتقان السائدة الآن؟.. أم أن أوانها فات، وأن الحل الأمني هو السبيل الوحيد لمعالجة التحدي الذي تمثله احتجاجات تحالف دعم الشرعية ومؤيديه بالمحافظات؟. الإجابة عن هذا التساؤل سوف تختلف تبعًا للمعسكر الذي يتصدى لتلك الإجابة، فهناك قطاع لا يستهان به داخل التيار المدني بشقيه الليبرالي واليساري يرفض تلك المصالحة، ويعتبر أوانها قد فات، على نحو ما أشار إليه زعيما الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي محمد أبو الغار، أو التيار الشعبي حمدين صباحي، باستثناء بعض الأصوات التي تغرد خارج السراب مثل حزب مصر الحرية، الذي يؤمن رئيسه عمرو حمزواي بإمكانية المصالحة من أجل الحفاظ على الديمقراطية، وأن ليس لها توقيت حاكم ومقدس. إلا أن هناك أحزابا عديدة لا تؤمن بهذا الطرح، منها حزب الوفد، الذي أكد مساعد رئيسه أحمد عودة أن الشعب المصري لن يقبل حاليا المصالحة مع المتورطين في أعمال عنف وإرهاب من جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم. وشدد عودة علي أنه لا تصالح مع من رفع السلاح في وجه الشعب والشرطة والجيش ويسعي لزعزعة الاستقرار في البلاد، مشيرا إلي أن الدماء التي سالت وتسيل حاليا مسئول عنها قيادات الإخوان الذين رفضوا الانصياع لإرادة الشعب، الذي قال كلمته يوم 30 يونيه، معتبرًا إلي أن وقت المصالحة انتهي أوانه حاليا. من جانبه حاول حزب المؤتمر إظهار الفرق ما بين مبدأ المصالحة أو الحوار السياسية، الذي يشمل الجميع، وبين رفض التحاور مع جماعات العنف السياسي، فأكد عضو الهيئة العليا لحزب المؤتمر محمد موسى، أنه ليس ضد الحوار من حيث المبدأ، ولكنه ضد الحوار والمصالحة مع المتورطين في أعمال عنف وقتل من أعضاء وقيادات الجماعة. وقال موسي أيضًا إننا ضد أن يكون الحوار من أجل الحوار فقط، وإنما يجب أن تكون هناك مؤشرات إيجابية من جماعة الإخوان بأن لديها النية الحقيقية في أن تعيد الجماعة إنتاج نفسها بالشروط التي يتقبلها المجتمع المصري. وأضاف، أنه يجب أن يكون هناك إعلان واضح ودقيق عند نبذ العنف والتبرؤ من القيادات التي تورطت في القتل والدماء، مشددا على أنه لا تصالح مع من تلطخت أيديهم بدماء المصريين من أبناء الشعب وقوات الجيش والشرطة. واتفق معه القيادي الآخر بالحزب، مجدي مرشد نائب رئيس الحزب، والذي قال ل"بوابة الأهرام" تعليقا على دعوات المصالحة التي يتم طرحها من قبل بعض الأشخاص مع الإخوان: أنه على جماعة الإخوان أن تعترف بثورة 30 يونيه أولا، ثم تبدأ الانخراط مع بقية شرائح الشعب المصري من جديد، ضمن خارطة الطريق، بالإضافة إلى الابتعاد عن جميع أشكال العنف السياسي في الشارع، والتوقف عن التظاهرات وأعمال التخريب. اتفق مع هذا التوجه بشيء من التحفظ عبد الرشيد أحمد السيد الناشط السياسي ووكيل مؤسسي حزب الثورة تحت التأسيس، بقوله أنه من مصلحة الوطن أن تشارك كل الأحزاب والقوى في العملية السياسية عدا الذين تورطوا في سفك الدماء، مشيرا إلى أن المصالحة يجب أن تكون مع من لم تلوث يده بالدم. وأضاف للبوابة أن هناك شبابًا من الإخوان مضللون فكريًا وكانوا تحت تأثير شيوخ الجماعة المتشددين والذين لا يؤمنون بحرية الرأي والتعبير وكانت الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وكان الوصول للحكم غاية أمانيهم حتى لو كان ذلك عبر بحور من الدم. وعن فكرة تطبيق العزل السياسي أكد عبد الرشيد أنه لا يوجد في العالم ما يسمي قانون العزل السياسي مشيرا إلي أن ذلك بدعة مصرية ابتدعها الرئيس جمال عبد الناصر للانتقام من أتباع الملك وكان عنده حق فيها، أما الآن فالزمن قد تغير وعلينا أن نترك ذلك للشعب الذي عزلهم شعبيا أن يعزلهم سياسيًا أيضًا إذا حاولوا دخول الانتخابات من جديد. غير أن أنصار التيار الديني بما فيهم حزب النور، لا يؤمنون بهذا النهج، حيث أكد قيادي داخل جماعة الإخوان المسلمين، أنهم مع المصالحة وإنهاء حالة الاحتقان السياسي داخل الشارع، ولكن عن أي مصالحة نتحدث، فالمصالحة التي يريدها أنصار ما يصفهم بالانقلابيين تكون على أرضية خارطة الطريق، ونحن نقول أن المصالحة على أرضية عودة الشرعية، وإذا كان هناك خلاف وعدم حسم سياسي فلماذا لا نعود مجددًا للشعب صاحب الإرادة العليا لتقرير وحسم هذا الخلاف. ومن دون تلك العودة سوف نبقى في الشارع في التظاهر والاحتجاج إسماع صوتنا للجميع. فيما يؤمن حزب النور بالمصالحة وأهميتها لإزالة حالة الاحتقان السياسي، إلا أنه حسب مصادر قيادية بالحزب، فإن كلا من الطرفين السلطة والمعارضة الإسلامية ليس لديهما استعداد للمصالحة، فالكل يريد الآخر على أرضيته، ويرفضون إبداء تنازلات متبادلة لإنجاح تلك المصالحة.