تكشف التطورات الأخيرة عن انتصار الحكومة المصرية في المواجهة التي خاضتها مع جماعة الإخوان منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة، على نحو جعل المناخ أكثر ملاءمة للحديث عن حوار سياسي مع بعض رموز الجماعة، يتم من خلاله وضع أسس لمشاركة الإخوان في الحياة السياسية في مصر. ومن أهم عناصر هذا المناخ، أن جماعة الإخوان حالياً تمر بمرحلة الضعف، على نحو جعلها تتراجع نسبيا عن استراتيجيات التصعيد التي حكمت سلوكها منذ 30 يونيو 2013، ولكن تظل احتمالات لعب الإخوان دور "بناء" في المرحلة الانتقالية الثانية في مصر تشوبها حالة ضبابية. الجماعة في مرحلة ضعف: يعزز مرحلة التهدئة في الشارع التي بدأت تشهدها مصر مؤخرا، عددا من العوامل التي جعلت الصراع بين الإخوان والسلطة في مصر، خاصة بعد دخوله مرحلة المواجهة العنيفة المباشرة، عالي التكلفة بالنسبة للإخوان، خاصة فيما يتعلق بالتداعيات السلبية لمثل هذه المواجهة على تماسك تنظيم الإخوان، ووصول الصراع لهذه المرحلة يظهر قدرة الدولة على بسط سيطرتها على الشارع، في فترة أقصر مما كان متوقعا، وما يدعم حالة الضعف التي تمر بها الجماعة ثلاثة عوامل رئيسية. يتمثل العامل الأول، في اتباع الأجهزة الأمنية استراتيجية استهداف قيادات تنظيم الأخوان، فحتى الآن تمكنت أجهزة الأمن من اعتقال 19 قيادة، شملت قيادات الصف الأول من أعضاء مكتب الإرشاد، والقيادات المسئولة عن تحريك الحشود في الشارع، سواء المنتمية للجماعة، أو الاحزاب المتحالفة معها مثل حزب الوسط، إلى جانب المرشد العام للجماعة محمد بديع، وذلك الى جانب وجود قائمة أخرى تضم 17 قياديا جاري ملاحقتهم أمنيا. إلى جانب ذلك، تعمل المؤسسات الأمنية على تفكيك التنظيم من خلال استهداف غرف العمليات، والهياكل المستقرة التي تضمن استمراره في المدى الطويل، ورغم محاولة الجماعة التغلب على مشكلة فراغ منصب المرشد لما له من أهمية في الحفاظ على التنظيم، بتعيين محمود عزت قائما بأعمال المرشد، إلا أن الاهتزاز الذي أصاب التنظيم، انعكس في عدم قدرته على الحشد في الشوارع كما السابق. ويتمثل العامل الثاني في تفكك تحالفات الإخوان في إطار التحالف الوطني لدعم الشرعية، حيث تحدثت الجماعة الإسلامية عن استعدادها للحوار إذا وجهت لها دعوة، كما تحدث طارق الزمر القيادي في الجماعة الإسلامية ورئيس حزب البناء والتنمية ذي التوجهات الإسلامية، لمجلة التايم البريطانية، بأنه ضد استخدام بعض عناصر الجماعة العنف ومساندتهم للاخوان، وأنه أصدر أوامره لقيادات الجماعة بالتزام السلمية، وهذا الوضع يجعل التيار المتشدد داخل الإخوان، والذي يرغب في مزيد من التصعيد العنيف، غير قادر على تنفيذ ما يريد لعدم توافر دعم من الجماعة له. ويتمثل العامل الثالث، في أن مشكلة الأخوان في مصر، لم تعد مشكلة سياسية مع السلطة الحاكمة، أو أمنية مع أجهزة الأمن، حيث أصبحت مشكلة مجتمعية، حيث لم يعد الناس في القرى والمراكز والمدن يقبلون مسيرات الأخوان ومظاهراتهم، وهو ما يتم التعبير عنه كما في حالة المنوفية بتحذيرات لجماعة الإخوان من النزول للشارع، وفي محافظات أخرى باشتباكات ومواجهات مسلحة مع المشاركين في المظاهرات، وعادة ما يصاحب ذلك استهداف للأصول الاقتصادية الخاصة بالجماعة، مثل سلسلة محلات "زاد" التابعة لخيرت الشاطر. وهذا الوضع خلق أزمة داخل تنظيم الإخوان، تكشفت في تطورين رئيسيين، يتمثل التطور الأول في ظهور تنظيمات منشقة عن الأخوان تدين القيادات القطبية للجماعة، وتحملها مسئولية العنف، وتطالب بعزلها، ورغم عدم وضوح حجمها ووزنها وما إذا كانت تضم أشخاص من قلب التنظيم، ومنها إخوان بلا عنف، واتحاد شباب الإخوان، ورغم إن تاريخ جماعة الإخوان مليء بالانشقاقات، إلا ان هذه الانشقاقات في حال استمرارها مختلفة نوعيا، حيث انها تنبذ العنف، على خلاف الانشقاقات التي شهدتها الجماعة من قبل، ومثلت نواة لجماعات انتهجت العنف. ويتمثل التطور الثاني، في استعداد الصفوف المتأخرة من الجماعة، للتواصل مع السلطة من أجل انقاذ الجماعة، وهو ما يعد مسار بديل عن السياسات المتشددة لقيادات الجماعة، ويقود هذا المسار بصورة رئيسية محمد علي بشر وعمرو دراج، ولكن لاتزال قدرة هذا المسار على التأثير على أعضاء التنظيم، وعلى قيادة الجماعة لمسار مختلف عن مسار المواجهات غير واضحة. وهذان التطوران، قد يقودان الأزمة الداخلية للاخوان نحو إعادة انتاج التنظيم من حيث الايديولوجية التي يستند إليها، وهيكله التنظيمي، ودرجة استقلاله عن الدولة، أو أنهما قد يقودان التنظيم إلى أزمة جديدة، وصراع داخلي، خاصة إذا ما استمر التيار المتشدد داخل التنظيم، متمسك بصيغة وجود التنظيم كما استقر طوال العقود الماضية. هل يتم إقصاء الجماعة؟ تتبنى الحكومة الانتقالية منذ 30 يونيو 2013، دعوة للحوار والمصالحة مع جماعة الاخوان المسلمين، بعيدا عن سيناريو 1954 الذي نفذه جمال عبدالناصر، ويعد مؤشرا على استمرار هذا التوجه، هو تعيين قيادات سابقين من الاخوان في المجلس القومي لحقوق الانسان، وهو ما له أهمية رمزية، من حيث تضمنه رسالة تقضي بعدم رفض كلي لأي عضو في الجماعة، حيث ضم التشكيل كلا من كمال الهلباوي، ومختار نوح. ولكن تظل هناك مجموعة من القيود حول الاندماج الكلي للاخوان في الحياة السياسية، يتعلق القيد الأول بمن يمثل الجماعة، ومن من الجماعة ستتم المصالحة معه،حيث من الواضح ان القيادات التي قادت الجماعة طوال الفترة الماضية، لن تكون مقبولة سياسيا خلال الفترة المقبلة، ولذا يرى بعض الأعضاء السابقين في الجماعة، ضرورة تصعيد القيادات الأصغر سنا من أجل الحفاظ على استمرار ما للجماعة. ويتمثل القيد الثاني في الإطار القانوني الذي ستستمر في إطاره جماعة الأخوان، فهناك تنظيم الجماعة بهيكلها الذي استقر فترة "حظرها" في عهد مبارك، وهناك الحزب السياسي ممثلا في الحرية والعدالة، وهناك جمعية الإخوان المسلمين التي تم اشهارها في مارس 2013 كجمعية أهلية، في محاولة من الجماعة للالتفاف على القانون المصري. ويمكن القول أن جزءا من عملية المصالحة ، سيكون مرتبط بتقنين أوضاع التنظيم أو ما تبقى منه، ولكنه لن يستمر كما كان طوال الفترة الماضية. ويتمثل القيد الثالث، في حجم التمثيل السياسي الذي سيسمح به للجماعة، ليس من قبل السلطة فقط، وإنما من قبل الشعب أيضا، وقد تشهد مصر خلال الفترة المقبلة عودة "نموذج مبارك" ، من حيث اقتصاره فيما يتعلق بمشاركة جماعة الاخوان على المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وانتخابات النقابات واتحادات الطلاب في الجامعات، ليكون النموذج الانتقالي، حتى تستقر عملية المصالحة. فالإقصاء الكامل للجماعة، او استئصالها، خيار غير واقعي، حيث نجحت الجماعة طوال العقود الماضية في بناء شبكة اجتماعية واقتصادية سمحت لها بالتغلغل في النسيج المجتمعي، وفي داخل مؤسسات الدولة، في إطار عملية "الأخونة" التي شهدتها مصر منذ يونيو 2012. ورغم أنه لايوجد احصاء دقيق لعدد اعضاء تنظيم جماعة الأخوان،إلا ان هناك تقديرات لعددهم بحوالي 400 ألف عضو، و يشير التقرير الخاص بجريدة الوطن والذي رصد عددهم بالاستناد لشبكات التواصل الاجتماعي الى انهم نصف مليون عضو ينتشرون في 179 مدينة و166 قرية، ويعملون من خلال 648 جماعة على الفيسبوك، كما أنه لايوجد حصر لحجم الثروة التي يمتلكها التنظيم وراس المال الرئيسي له. ويتمثل القيد الرابع، في مدى الزام ما سيتم التوصل اليه لقواعد الجماعة، او الموالين لها، فمن يتم تداول اسمائهم من قبيل محمد علي بشر، وياسر علي غير واضح حجم تأثيرهم على تلك القواعد، حيث من غير المستبعد ان تظل هناك جيوب وخلايا تفضل العنف، وترفض الخضوع للدولة، والاستراتيجيات التي قد تتبعها هذه الجماعات،تمتاز بأنها طويلة الأمد ويصعب منعها، كما تمتاز مطالبها بطابعها الراديكالي والمتطرف. ويرتبط بذلك مسألة خاصة بحجم تأثير الجماعة على الجماعات الجهادية في سيناء، والتي لاتزال تستهدف قوات الأمن، حيث تحدث القيادي في الجماعة محمد البلتاجي أنه يستطيع أن يأمرها بوقف عملياتها، فهل توصل بعض رموز الجماعة لمصالحة ما مع السلطة، سيترتب عليه توقف نشاط هذه الجماعات؟ تعد جماعة الإخوان المسلمون من أقدم الفاعلين من غير الدول في مصر، بل وفي الإقليم، وقد أثبتت طوال الفترة الماضية قدرة على التكيف والعمل في الخفاء من اجل الحفاظ على بقائها، وتغيير استراتيجياتها على نحو يحافظ على بقائها، ولكن تمثل الأزمة الحالية التي تمر بها تحديا حقيقيا للقدرة على البقاء، وتتطلب من الجماعة اتباع استراتيجيات مختلفة، تعيد انتاج هوية الجماعة وهيكلها التنظيمي، ورؤيتها للدولة المصرية، وللشعب المصري، فهذه المرة تحدي البقاء لا تفرضه سياسات الحكومة فقط، وإنما أيضا طبيعة التنظيم.