يبدو أن التغيير بعد 30 يونيو طال كل شيء بالسياسية، فزيارات المسئولين الأجانب التي كانت دومًا ما تثير غضب ورفض العديد من القوى السياسية والثورية؛ بسبب ما يعتبره البعض تدخلَا بالشأن المصري، أو دعمًا لتيار تجاه الآخر ، بدأت النظرة الداخلية إليها تتغير، وتلقى تلك الزيارات استحسانًا كبيرًا من تلك القوى. بدا ذلك واضحًا في زيارة الممثل الأعلى للشئون السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي لمصر كاثرين آشتون حاليًا. إلا أن ذلك لم يمنع من بروز نوع جديد من الجدل السياسي بشأن موقف الخارج من تلك التغييرات السياسية، هل هي تأييد ودعم لتلك التغييرات وإزاحة الإخوان عن السلطة، وإقرار بالواقع الجديد في مصر، أم أنها لتأمين المصالح الغربية لدى الحكم الجديد بما فيها الضغوط لتأمين سير العملية الانتقالية والديمقراطية في مصر، بما يحمله من تأمين دمج التيار الديني والإخوان بالعملية السياسية من جديد بعد مصالحة وطنية شاملة. فمن جانبها، قالت مي وهبة المتحدثة الإعلامية باسم حركة تمرد، إن اللقاء الذي جمع آشتون مع أعضاء الحركة محمد عبدالعزيز ومحمود بدر، جاء بناء علي طلبها. وأوضحت وهبة أنها تتوقع أن يدور الحديث حول إجراءات المرحلة الانتقالية وكيفية سير العملية الديمقراطية نحو غاياتها الأساسية، لافتة إلي أنها لا تعتبر تلك الزيارة تدخلا في شئون مصر؛ لأن مصر هذه المرة في موقع قوة وندية تجاه الآخرين، ولا مانع من الجلوس معهم لمعرفة ما يطرحونه من أفكار ورؤى سياسية واقتصادية. كما أكدت أن تصنيف تلك الزيارة علي أنها خاصة بالشأن المصري، يرتبط بطبيعة الموضوعات التي ستتطرق إليها آشتون مع القوى السياسية والثورية المصرية. واختلف معها في تلك الرؤية، خالد المصري المتحدث باسم حركة شباب 6 أبريل، الذي قال: إن زيارة آشتون للقاهرة مرتبطة بكيفية تأمين والحفاظ على مصالح الاتحاد الأوربي في مصر، وأن كل ما يهمها أن تكون مصر بحالة من الاستقرار السياسي الأمني أيًا كانت النخبة الحاكمة، لتأمين مصالحها، وموضحًا أنه لا يعتقد أن تكون زيارة آشتون بمثابة تدخل في الشئون المصرية، أو دعم الإخوان المسلمين، إنما يمكن النظر إليها بوصفها اعترافًا ضمنيًا بثورة 30 يونيو الشعبية. وأضاف خالد المصري أن الأوربيين لديهم مصالح في مصر والمنطقة العربية التي تملك القاهرة نسبة النفوذ الأكبر داخلها، فضلا عن أن الأوروبيين لم يكونوا مؤيدين لنظام الإخوان بخلاف موقف الإدارة الأمريكية، وإن كنت أعتقد أن الجميع سيرضخ لإرادة الشعب المصري حسب توصيفه. ومن جانبه اعتبر محمد عطية عضو المكتب السياسي لتكتل القوى الثورية، أن زيارة آشتون مجرد إجراء طبيعي لرؤية الوضع المصري علي حقيقته، والاستماع لكل الأطراف المتنازعة لتحديد موقفها النهائي من التحول السياسي بمصر، فضلا عن الاطمئنان على عدم تطور الأوضاع الداخلية نحو الفوضى وعدم الاستقرار السياسي. وأضاف خالد المصري أن آشتون أعطت تأييدًا لثورة 30 يونيو، فضلا عن أنها تحاول تدعيم المصالحة الوطنية، وعدم إقصاء التيارات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين. وحسب وجهة نظره، فإن عطية قال: إن جماعة الإخوان المسلمين قبلت بنصيحة الإدارة الأمريكية والأوروبيين، بالتعامل السياسي مع الواقع الجديد والدخول في المصالحة الوطنية، إلا أن هناك بعض الأطراف الداخلية لم يقبلوا بعد بإمكانية دمج الإخوان من جديد بالمشهد السياسي، وزيارة آشتون وحوارها مع القوى السياسي نقل رغبة الأوروبيين الشديدة في أن يكون الإخوان طرفًا أساسيًا بالعملية السياسية الجديدة. اعتبر عطية أن نصيحة آشتون بالمصالحة الوطنية، معناه أنها انتقلت من تأييد الإخوان ورجوع محمد مرسي للسلطة، إلي قبولها بالأمر الواقع ونتائج ثورة 30 يونيو، وأنها حاولت طرح مبادرات التصالح بين جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية مع التيارات المدنية، لكن فيما يبدو أن تصرفات جماعة الإخوان أهدرت كل تلك الجهود حسب تصوره. لم تختلف كثيرًا مواقف القوى السياسية من تلك الزيارة، إذ يري الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية أن زيارة آشتون تستهدف المزيد من الإحاطة بالموقف الجديد في مصر، وتقصي الحقائق حول الوضع القائم، وكيف أيد المصريون الواقع الجديد وصنعوه يوم 30 يونيو، ويومي 3 و26 يوليو الحالي. وأضاف أن آشتون تقوم بالاتصال بالمسئولين لتبين الحقيقة الواضحة والساطعة من أن الشعب المصري قال كلمته وعلي الجميع احترام إرادته الحرة. وحول ما إذا كانت الزيارة تدخل بالشأن المصري، قال الدكتور السلمي لا تعتبر الزيارة تدخلا، وإنما هناك علاقات دولية وثنائية مشتركة، وهناك مصالح مشتركة. ولذا فإن الأمر يقتضي الوصول للحقيقة، مؤكدًا أننا في مصر ليس لدينا ما نخفيه أو نخشاه. وقد شاهد العالم كله ما حدث في مصر يوم 26 يوليو، وعلينا عدم الإفراط في الحساسية تجاه مثل هذه الزيارات، إلا إذا كانت هذه الزيارة أو غيرها جاءت بمطالب، وعلي المسئولين المصريين التصرف حيال هذا الأمر إذا ثبت. فيما اختلف جوزيف نسيم رئيس تنظيم الشباب بحزب الجبهة الديمقراطية، مع السلمي، قائلاً: إن الاتحاد الأوروبي بدا يتدخل بالشأن المصري؛ حماية لمصالحه علي حساب الآخرين، واصفا ما يقوم به الاتحاد الأوروبي تجاه مصر بأنه عمل ضد الإنسانية، ومحاولة للتحكم في مصائر البشر. بل ذهب إلى أبعد من ذلك وقال إن الاتحاد الأوروبي يدعم الإرهاب في مصر، وهو أمر عكس ما ينادي به من قيم عليا، وحقوق وحريات، مما يفقدنا الأمل في معتقداتنا تجاه الغرب.