أصدرت المحكمة التجارية، في باريس اليوم الأربعاء، قرارًا بتصفية شركة "لوموند ديبلوماتيك النشرة العربيّة"، ليتوقف بذلك واحد من ألمع وأفضل الإصدارات العربية المعنية بالسياسية الدولية بسبب الضائقة المالية التي مرت بها الصحيفة التي كانت تصدر في مصر بعد الثورة بالتعاون مع "الأهرام". وينهي القرار الشراكة بين "لوموند ديبلوماتيك الفرنسيّة" وشركة "مفهوم"، التي كانت قد أنشئت في 2005، علي يد الكاتب الصحفي والمعارض السوري البارز سمير العيطة رئيس تحرير النشرة العربية للموند ديبلوماتيك، وفاء للصحفي اللبنان الراحل سمير قصير، الذي اغتيل بلبنان عام 2005. وقال العيطة عبر صفحته على "فيسبوك" إنه سيقوم بإصدار ما كتبه من افتتاحيات بالنشرة العربية للوموند ديبلوماتيك، التي كانت تصدر شهرياً، في كتاب أو اثنين. وعانت "لوموند ديبلوماتيك النشرة العربيّة" من صعوبات كبيرة، خصوصا منذ انطلاقة الربيع العربي، فرغم تجاوز أعداد توزيعها الورقيّ المليون نسخة بفضل شراكاتها الأساسيّة مع الأهرام المصريّة والقبس الكويتيّة والخليج الإماراتيّة، إلاّ أنّ هذه الشراكات لم تكف لتغطية النفقات بحسب البيان الصحفي، الذي وضعته الصحيفة علي صدر صفحتها الرئيسية في موقعها الإليكتروني. فالتقلبات في شراكاتها مع الصحف العربية التي كانت تتولي إصدارها أدت إلى أزمة مالية طاحنة لم تستطع تجاوزها، ففي المغرب، تمّت محاكمة وتوقيف الزميل توفيق بوعشرين رئيس تحرير صحيفة "المساء"، التي كانت تصدر النشرة هناك. وفي الجزائر لم تستطع صحيفة "الخبر" إصدار النشرة بالرغم من توقيع العقد. وفي تونس، كانت تمنع الصحيفة من الصدور هناك قبل سقوط "زين العابدين بن علي"؛ ولم تستطع الشركة أن تصدر النشرة هناك رغم توقيع عقد آخر بعد الثورة. في السودان، عانت صحيفة "الأحداث" صعوبات جمّة وتوقفت عن إصدار النشرة، "وفي البحرية توقفت صحيفة "الوقت"، الصحيفة التي كانت تصدر النشرة بالبحرين وأعلنت إفلاسها. أما صحيفة "السياسيّة" التي كانت تصدر الملحق في اليمن احترقت ضمن أحداث الثورة اليمنيّة واختفت الشركة الناشرة من أساسها. كذلك توقّفت "الأخبار" اللبنانيّة عن إصدار النشرة العربيّة في سوريا ولبنان، ثمّ "الرياض" السعودية، ثمّ "الوطن" القطريّة. وكذلك صحيفة "الأخبار" المصريّة بعيد انطلاق الثورة. ووقع العيطة عقد مع صحيفة "المصري اليوم" إلاّ أنّ ملحق "لوموند ديبلوماتيك النشرة العربيّة" لم يصدر. وانتهي الأمر بتوقيع عقد مع مؤسسة "الأهرام" لإصدار النشرة وصدرت بالفعل. ولكن هذا الإنجاز الأخير بالتوقيع مع الأهرام بحسب العيطة لم يكن كافياً، فتراكمت الخسارات ملتهمة كلّ الاستثمارات التي وضعتها "لوموند ديبلوماتيك الفرنسيّة" و"مفهوم". وجرت مفاوضات كثيرة لإعادة رسملة الشركة لم تأت بنتيجة. وقال العيطة علي صفحته علي "فيسبوك:، أنه أمام احتمالات مفتوحة، مسلّحاً بتجربة ثريّة عن الصحافة العربيّة وتوجّهاتها التحريريّة وحريّة التعبير فيها، قبل وبعد الربيع، وعن الصحافة الغربيّة ومفاهيمها وتضامنها خاصّة في زمن "الثورات العربيّة".. ولكنّني متفائل، وسعيد بأنني أدفع الثمن حتّى لو أقلّ بكثير من غيري.. من أجل الحريّة.