تواجه الفنون المعاصرة، والتي نشأت كتطور طبيعي للثقافة الغربية، في ستينيات القرن الماضي تقريباً، تحديات تفرضها طبيعة تلك الفنون التي باتت تعتمد تقنيات وطرق وأساليب فنية تختلف عن الأساليب والطرق الفنية التقليدية المعروفة؛ وأصبحت تلك الفنون أكثر تعقيدا وتركيباً من الفنون التقليدية، مع دخول التكنولوجيا كعامل أساسي في تكوينها واعتمادها علي مفهوم آخر للجمال، يختلف أحياناً عن المفهوم التقليدي، الذي يعتمد علي الإبهار البصري بشكل أساسي، وباتت تدخل المفاهيم والنظريات كجزء أساسي من تكوينها. ورغم أن الفنون المعاصرة تستفيد بشكلها أساسي من التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت مألوفة لدينا وجزءاً من حياتنا اليومية إلا أن ذلك هو أحد الأسباب التي تطرح تحدياً علي متلقي الفنون المعاصرة؛ والتي بات بعض المتلقين والمشاهدين لها يشعرون أمامها بالإغتراب، مع تحول طبيعة الفن من كونه مصدراً للإغراء والانفعال بمهارات الفنان في صناعة عمله الفني، إلي وسيلة لتوصيل الأفكار ونقد الحياة الحديثة وقيمها، عبر اعتماد بعض النظريات الفلسفية في بعض الأحيان، وإن لم تكن تلك هي الحال دائماً. كسرت الفنون المعاصرة الأشكال التقليدية للفنون وأخذت تشارك في الترويج للأفكار الفلسفية والنقدية الحديثة للحياة المعاصرة، فلم يعد العمل الفني هو اللوحة الموضوعة داخل إطار، ولم يعد ما يجذب المشاهد منظراً طبيعياً أو بورترية جذاب، أو درجة لون في لوحة لماتيس، أو منحوتة فريدة من نوعها، فمع الفنون المعاصرة انقلب هذا كله، وتغيرت المفاهيم الفنية بشكل كبير إلي درجة بات يصعب معها الفصل بين ماهو عمل فني وما ليس بعمل فني، مع تغير مفهوم الجمال واتساع نطاق الأشكال الفنية، حتي أصبح عرضاً للطهي في مكان مفتوح عملاً فنياً جديراً بالتأمل. جزء من مشكلة الفنون المعاصرة، كما يري الفنان التشكيلي عادل السيوي، والذي لا يمكن اعتباره فناناً معاصراً، هو صعوبة وضع تعريف وتحديد لتلك الفنون التي فتحت المجال واسعاً أمام طرق وأساليب جديدة لتوصيل الفن للناس، يري البعض أن استعمال وسائل أو وسائط فنية حديثة كالفيديو والأعمال المركبة كاف لتقديم عمل معاصر لكن لا يبدو هذا دقيقاً تماماً. يقول السيوي إن تعريف الفنون المعاصرة إشكالي، وهناك وجهتان من النظر، أحدها تري أننا جميعاً معاصرين بالضرورة لأننا نعيش في هذا العصر، ووجهة أخري تري أن المعاصرين هم من استطاعوا التجاوب مع متغيرات العصر والتجديد والاختلاف. لكن كلا النظرتين ليستا دقيقتين تماماً بل ومتطرفة كما يري السيوي، فاستخدام تقنيات حديثة وعصرية في عمل فني، لا يجعل من العمل الفني المقدم فناً معاصراً، فقد يقدم فنان ما أفكاراً قديمة عبر وسائط حديثة كالفيديو مثلاً، وقد حدث أن قدم فنانين معاصرين فكرة قديمة جداً وهي معاناة القروي الآت من الريف إلي المدينة عبر وسيط معاصر وهو الفيديو. ومن ثم يري السيوي إن ما يحدد كون العمل الفني معاصراً أم لا ليس فقط الوسيط الفني المستخدم ولكن المضمون ايضاً، وفي المقابل، يمكن تقديم مضمون معاصر، عبر وسيط تقليدي، كالفوتوغرافيا مثلاُ، لذلك يظل تحديد هوية الفنون المعاصرة، التي لا يزال المؤرخون يختلفون حول تاريخ بدايتها في الغرب، سؤالاً إشكالياً. تعد الفنون المعاصرة، بحسب الفنان المصري باسم يسري، تطوراً طبيعياً للفن الذي لم يكن بإمكانه تجاهل التطور الهائل في مجالات العلوم والتكنولوجيا، ويعد باسم نفسه فناناً معاصراً ليس لأنه يستعمل وسيطاً معاصراً، ولكن لأنه مشغول بصياغة قضايا عصرية عبر خلق طريقة فنية خاصة به، تعبر عن أفكاره وفلسفته الجمالية. يستعمل باسم في أعماله، وسائط قديمة، فهو يستخدم "الكراكيب"، والمخلفات في صناعة بعض أعماله، لكن يظل عمله فناً معاصراً، لأنه يخلق بتلك الوسائط القديمة سياقاً جديداً وحواراً من نوع مختلف. نشأت الفنون المعاصرة، في سياق غربي خالص، وكانت تعني كلمة معاصر وقت نشأتها، انتهاء تجربة الحداثة وقيم التنوير الأوروبي، والثورة عليها، والتي يري عادل السيوي إنها كانت تجربة أوروبية بالكامل أيضاً، فكانت الفنون المعاصرة، إشارة لكسر القواعد الكلاسيكية للأعمال الفنية، والقطيعة مع تلك القواعد. وفيما يري البعض أن نشأة الفنون المعاصرة في بيئة ثقافية غربية بالكامل، يعوق فهم المشاهدين والمتلقين من خارج الثقافة الأوروبية لتلك الأعمال خارج باعتبارها دخيلة عليها، يري السيوي وباسم العكس تماماً، فيري باسم أننا كما استوردنا السلع التكنولوجية "الغربية" واستعملناها، لا يوجد فارق عندما يتعلق الأمر بالفنون، وتظل النقطة الحاسمة بالنسبة له، هي هل سيتحكم الوسيط والسياق الغربي في عملك كفنان أم أن الفنان سيستطيع استخدام وتطويع تلك الأشكال من الفنون لصناعة سياق خاص به. اتسمت الفنون الكلاسيكية بنخبوية، إذ كان لها جمهورها من الصفوة القادرة علي شراء تلك الأعمال الفنية الباهظة الثمن، والتي كان تعبر عن ثقافة تلك النخب الغنية فكانت الكنيسة تسيطرة علي إنتاج الفنون في القرون الوسطي، ثم سيطرت النخب البرجوازية عليه في القرن التاسع عشر، لكن الفنون المعاصرة كسرت تلك النخبوية إلي حد كبير وخرجت بالفنون للشارع. فتحت الفنون المعاصرة كل المجالات باستخدامها لطرق مبتكرة لتوصيل الفنون، وتخلت عن النخبوية، فالتجربة المعاصرة بحسب السيوي لا تمتلك أوهام الفنون التقليدية. توفر تلك الفنون ألواناً مختلفة من المشاهدة، فقد تسير داخل أنبوب لمشاهدة عمل فني، وقد تدخل داخل صندوق الدنيا لتري الدنيا عبر فتحاته من الداخل وليس العكس، وقد تشاهد مسرحية دون نص. ساهمت تلك الأشكال المبتكرة في تقريب الفنون المعاصرة إلي المشاهدين، بعيداً عن هالة الفنون التقليدية المقدسة. أتاحت الفنون المعاصرة مساحات كبيرة من الحرية والأشكال المتعددة العصية علي التصنيف، لكنها اثارت في نفس الوقت مشكلات حول إعادة تعريف مفهوم الفن نفسه، إذ لم تعد توجد تقاليد أو قواعد وأصبحت المرجعية الداخلية لكل عمل هي المقياس الوحيد، وأصبح علي المتلقي قبول ذلك الأمر المحير والمربك ولكن المثير والمنتج لرؤي كثيرة غنية أيضاً.