افتتح مهرجان دبى السينمائى الدولى دورته التاسعة مساء أمس بفيلم من أجمل الأفلام وأعذبها فى تاريخ السينما العالمية. الفيلم هو "حياة بى" للمخرج التايوانى أنج لى وانتاج شركة فوكس للقرن العشرين إحدى كيانات الإنتاج الهوليوودية السبع الكبرى. قصة الفيلم البسيطة مثال حقيقى لتعانق البساطة والعمق والمتعة معا حتى أنها تصلح كمثال حقيقى لما يجب أن يكون عليه الفيلم السينمائى الجماهيرى. بطل الفيلم اسمه (بيسين موليتور) أسماه والده كذلك تيمنا بحمام سباحة فرنسي وقع الأب فى هواه. لكنه لم يعرف كم سيسبب هذا الاسم متاعب لابنه حيث تتشابه حروف الاسم مع كلمة (تبول) بالإنجليزية، فيصبح سخرية لزملائه الدائمة لكنه يتغلب على ذلك باجتهاد غير عادى يجعله الطالب الأسطورة والعبقرى الاستثنائى. تدورالأحداث فى بونديشيرى احدى المستعمرات الفرنسية بالهند حيث تمتلك أسرة (بى) حديقة حيوانات خاصة. وبرغم أن بى تربى كهندوسي فإنه يستمر فى رحلته كمراهق لاكتشاف المسيحية ثم الإسلام. يبدو بى صاحب شخصية استثنائية حتى إنه يرغب فى مصادقة الحيوانات المفترسة وخاصة نمر بنغالى سمى ريتشارد باركر بسبب احدى الاخطاء المكتبية. يقرر الأب الهجرة لكندا واصطحاب أسرته معه وكذلك كل الحيوانات التى يملكها معه. يحدث ما لا يحمد عقباه وتغرق سفينة الشحن اليابانية التى يسافرون عليها ولا ينجو سوى الابن الذى رموا له بقارب نجاة فى لحظة استثنائية. يجد بى ابن الستة عشر عاما معه حمار وحشى ونسناس بعد أن ضاعت أسرته كلها منه أمام عيناه. يظهر ضبع بقارب النجاة يقتل الحمار الوحشى والقرد. قبل أن يظهر النمر ريتشارد باركر ويقتل الضبع. الفيلم بأكمله بعد ذلك عبارة عن محاولة نجاة بى على ظهر القارب ومعه النمر. يحفل الفيلم بمجموعة ضخمة من الحكم والمعانى العميقة عن العلاقة مع الكائنات الاخرى ومعنى الوجود وأسباب الخلق وقيم الصداقة والرحمة والتعايش المشترك وكيفية ترويض الشراسة كل ذلك فى سيمفونية ضخمة من الحوار مع الله والاحساس بقيمته وحكمه فى الوجود. بعد محاولات مضنية للتعايش مع البحر الهائج وأسماكه المفترسة وإيجاد وسائل مبتكرة لقهر الجوع والعطش والطقس المتقلب، تنشئ الصداقة الحقيقة بين الإنسان والنمر. وبعد المرور على جزيرة رائعة مليئة بالسناجب تصبح مياهها واشجارها مسمومة ليلا يمضى بى ونمره الى جزيرة اخرى يكتب لهم بها النجاة. لكن بقدر ما تألم بى من موت عائلته فى حادث غرق السفينة يتألم أكثر عندما يجد النمر يرحل بدون ان ينظر له نظرة وداع. تحكى الاحداث من خلال (بى ) وقد اصبح ناضجا يقص قصة حياته وقد أصبح في كندا على أحد الكتاب المحليين هناك الذى جاء ليسجل حكايته لتصدر فى كتاب. ويظل اجمل ما يقوله الرجل إلى بى أن قصة جعلته يؤمن بالله. يحفل الفيلم الذى يرتقى ليصبح قصيدة بعشرات اللقطات الاعجازية من المؤثرات البصرية والجرافيك نفذتها شركة ريتم اند هيوز خاصة لحركة الحيوانات وتعبيراتها وحركة الفلاينج فيش والدولفين وكذلك تقلبات الطقس من أعاصير لعواصف وغيرها. حتى أن الفيلم يؤرخ لمرحلة جديدة من استخدام المؤثرات البصرية لأشكال أكثر شعرية وإنسانية أكثر رقيا فى التعبير.