تظل لوحة المجاعة بأسوان من عهد الملك زوسر من الأسرة الثالثة المصرية القديمة، نصًا تاريخيًا خالدًا ومهمًا، فاللوحة لا تعبر عن اتصال المصريين بنهر النيل الخالد وحسب، بل تعبر عن أهمية نهر النيل للمصريين في كافة الأزمنة والعصور، فلولاه ما كانت الحياة، ولولاه ما كانت مصر هبة النيل. يقول الأثري الدكتور راجح محمد ل"بوابة الأهرام"، إنه تم العثور في جزيرة سهيل جنوبأسوان بصعيد مصر، على لوحة جرانيتية معروفة باسم "لوحة المجاعة"، وقد كُتب النقش بالخط الهيروغليفي، ويحتوي على 42 عمودًا، وتتحدث اللوحة عن مجاعة طويلة حدثت في مصر أثناء حكم الملك زوسر، وكيف أن هذا الملك لجأ إلى مصادرة محاصيل النوبة الشمالية، وإرسالها لأقاليم مصر؛ لتخفيف حدة هذه المجاعة، كما تصف قلقه وخوفه من المجاعة التي حلت بالمصريين جراء نقص نهر النيل. يعتبر الملك زوسر أول من قام ببناء حجري ضخم فى التاريخ، وهو الهرم المدرج، وقد اتخذ منف عاصمة له ولحكمه، ويُعد من أقوى الملوك فى تاريخ العالم القديم، إلا أن فترة حكمه شهدت نقصًا كبيرًا لمنسوب النيل؛ ما أدى لمجاعة جعلته يقوم بالتفتيش في أرشيف الأقدمين، وماذا فعلوا؟؛ من أجل هذا تم تصميم هذه اللوحة في جزيرة سهيل جنوب ألفنتين التي دونت ما فعله زوسر كى ترويها الأجيال من بعده، ويضيف راجح محمد أن نقش المجاعة والنقوش ظاهرة بوضوح لأنها على أسطح الصخور؛ ما سهل على الأثريين ترجمتها وتدوينها فى مجلدات أثرية ضخمة. وعلى وجه الحجر يروى النقش للبشر بلغة عذبة: " كان قلبي في ضيق مؤلم؛ لأن النيل لم يرتفع لسبع سنوات، الحبوب لم تكن وفيرة، البذور جفت، كلّ شيء من الأشياء التى كانت لا بدّ أن تؤكل كانت في كميات مثيرة للشفقة، كلّ شخص محروم من حصاده، لا أحد يمكن أن يمشي كثيرا، الأطفال كانوا يصرخون، الشباب كانوا منهكين؛ قلوب كبار السنّ كانت حزينة وسيقانهم أنحنت إلى الأرض، وأيديهم اختفت بعيدا، حتى الخدم كانوا بدون عمل، المعابد أُغلقت وقدس الأقداس غطّيت بالغبار.. باختصار: كلّ شيء في الوجود أُصيب". ويؤكد راجح محمد، أن المصريين القدماء فى عهد الملك مينا موحد القطرين قبل الملك زوسر قاموا بتحويل مجري النيل، بل فكروا فى إنشاء الجسور، ووضعوا مقاييس للنهر، بل وعبدوه، وكيف لا وقد أهدى هذا النهر الخالد لهم الحياة منذ العصور القديمة؟، حيث كان الاعتقاد عندهم أن النيل هو أبو الألهة ، بل تعج النقوش الأثرية والتماثيل وغيرها من أدبيات المصري القديم، باهتمام القدماء بنهر النيل. يقدم نقش المجاعة حيرة الملك زوسر الكبيرة حيال تلك الأزمة، كما يؤكد النص أن زوسر الملك طلب من كهنة معبد تحوت المساعدة فى إزاحة هذه الفاجعة، وتقديم السبب لنقص النيل، بل كان عليه أن يبحث فى الأرشيف القديم، وهل واجه القدماء كارثة نيلية مثل تلك التى واجهته؟، ولقد كان رد كهنة معبد تحوت بأن من يتحكم فى فيضان النيل هو الإله "خنوم" فى جزيرة إلفنتين، وأن الإله خنوم غاضب؛ لذا لايسمح بتدفق المياه فكان لابد من ترضيته بالقرابين كى يري الملك زوسر بعدها حُلمًا لنهاية المعاناة. ويقول النص"ينظر الملك للوراء إلى الأرشيفات، يحاول إيجاد أصول فيضان النيل وفهم دور خنوم، إله الكبش فى الدولة القديمة فى ألفنتين في تمرّد المياه، ثمّ يقدم الملك قرابين إلى خنوم، والإله يظهر له في حُلم، ويعده: " أنه سيأمرالنيل بالإرتفاع لك، لن يكون هناك سنوات أكثر بأن يخفق الفيضان في تغطية أيّ منطقة من الأرض الزهور ستورق وتحمل، انحناءات جذوعها غبار الطلع" حيث عادت الحياة لمصر بعد 7 سنوات من المجاعة بسبب نقص النيل.