يشهد سوق المال حالة من الغليان بعد تجاهل المسودة الأولى للدستور المصرى الجديد الهيئة العامة للرقابة المالية من باب الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة. وتقدم عدد من الجمعيات والجهات العاملة فى سوق المال للجنة التأسيسية للدستور بمقترح لضم الهيئة العامة للرقابة المالية ضمن ما نص عليه الباب (الرابع) من مسودة الدستور الأولى ضمن باب الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة. وتضمنت الجمعيات الموقعة على البيان الشعبة العامة للأوراق المالية بالاتحاد العام للغرف التجارية والاتحاد المصرى للتأمين والجمعية المصرية لإدارة الاستثمار والجمعية المصرية للتمويل والاستثمار والجمعية المصرية للأوراق المالية. ونصت مسودة الدستور على أن تتمتع الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة، المنصوص عليها فى الدستور، بالشخصية الاعتبارية العامة، والحياد، والاستقلال الفنى والإداري والمالي، ويجوز عند الاقتضاء (بموجب قانون) إنشاء أجهزة رقابية وهيئات مستقلة أخرى، خاصة أن تقارير الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة علنية، تنشر على الرأى العام، وتقدم إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب، ويجب على المجلس أن ينظرها ويتخذ حيالها الأجراء اللازم فى مدة لا تتجاوز تسعين يوما من تاريخ ورودها إليه وتبلغ الأجهزة الرقابية سلطات التحقيق المعنية بما تسفر عنه نتائج أعمالها من قيام دلائل على ارتكاب مخالفات أو جرائم على النحو الذى يحدده القانون. كما نص الدستور على أن يعين رئيس الجمهورية رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، وهم غير قابلين للعزل ويحظر عليهم مزاولة الأعمال المحظورة على الوزراء، ويتبع فى اتهامهم ومحاكمتهم القواعد والإجراءات المقررة فى هذا الدستور لاتهام ومحاكمة الوزراء و يشكل كل جهاز رقابى أو هيئة مستقلة بمقتضى قانون، يحدد اختصاصاتها الأخرى غير المنصوص عليها فى هذا الدستور، ونظام عملها، ويمنح أعضاءها والعاملين الفنيين فيها الضمانات اللازمة لأداء عملهم، ويبين طرق تعيينهم وترقيتهم ومساءلتهم تأديبيا وغير ذلك من أوضاعهم الوظيفية بما يكفل استقلالهم. ويوضح الدكتور عوض الترساوى أستاذ القانون بجامعة القاهرة إن هذا الباب من الأبواب المستحدثة ولم ترد موضوعاتها وأحكامها قط فى الدساتير المصرية المتعاقبة، بيد أنها جاءت فى العديد من الدساتير العالمية والمقارنة، وفى العديد من مشروعات الدساتير التى تعبر عن اجتهادات وطنية فردية أو جماعية. ويؤكد أن عدم إدراج هيئة الرقابة المالية ضمن الهيئات المستقلة بالدستور يخالف الأعراف العالمية ففى الولاياتالمتحدةالأمريكية إن سلطات التنظيم أنشئت فى شكل لجان مستقلة، وتنبثق منها لجنة الإشراف على العمليات المالية والبورصة وفى المملكة المتحدة فإن نظام الحكومة البرلمانية لا يمثل من الناحية النظرية عامل ملائم لاستقلال السلطات الإدارية المستقلة فاستقلالها لا يعدو أن يكون نسبيا إذ أن مسئولية الحكومة أمام البرلمان أحد أركان هذا النظام. ويقول محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن المناخ القانونى فى مصر ما زال المسيطر على الحكومات المتعاقبة، كما أن التشبث بمبدأ مركزية الإدارة، بالإضافة إلى عدم فهم الدور الذى تقوم به الهيئة العامة للرقابة المالية فى تنظيم والرقابة على القطاع المالى غير المصرفي، مشيرا إلى إن الاتجاه السائد فى الدول الأوروبية يجعل من سلطة تنظيم الأسواق المالية سلطة مستقلة إذ أن الاستقلال عنصر أساسى فى السلطة، على أساس مواجهة السلطات السياسية، للسلطة التنفيذية بوجه خاص، وانعدام السلطة الرئاسية الوصائية على سلطة تنظيم الأسواق المالية، بمعنى أنه لا يجوز توجيه أوامر أو مجرد تعليمات إليها من الحكومة لذلك فإن استقلال سلطة تنظيم الأسواق المالية هو الذى يميزها عن غيرها من السلطات الإدارية التقليدية ويحيطها بالعديد من الضمانات. ويضيف إن تنظيم النشاط المالى والاقتصادى يعد وظيفة تقليدية من وظائف الدولة غير أن هذا التنظيم قد تطور مؤخرا بشكل ملحوظ، وكان من أبرز ملامحه إنشاء سلطات إدارية مستقلة تتولى تنظيم هذا النشاط. ويضيف أنه أصبح إنشاء سلطة مستقلة لتنظيم النشاط المالى أمرا له عدة اعتبارات ترجع إلى ضرورة التزام الدولة الحياد وإلى تحقيق المرونة والفعالية فى تنظيم القطاع المالي، مؤكدًا ضرورة ضم الهيئة العامة للرقابة المالية ضمن الهيئات المستقلة بالدستور. ويضيف أنه بموجب الضم يقرر المجلس الدستورى إنشاء سلطه إدارية مستقلة يعد ضمانة أساسية من أجل ممارسه حرية عامة لهذا القطاع الحيوى، مؤكدا أن هذا المفهوم هو ما يجب أن يتبناه دستور مصر الحرة بعد ثوره 25 يناير ليكون مواكبًا وغير مانع من تطبيق تلك الأفكار الحديثة فى آليات الرقابة على الأسواق المالية وما قد ينشأ من أفكار أكثر تطورًا وأول ما يجب مراعاته هو صراحة النص الدستورى على استقلال الهيئة فى مباشره وظائفها أمام البرلمان.