"الله يرحمك يا جدي" ... كلمة يستخدمها الكثير منا عندما يتطلع إلي صورة جده الذي توفي منذ سنوات بعيدة ولم يحالفه الحظ أن يتحدث معه أو يرى تعبيرات وجهه المختلفة، هذه الحالة التي تغلب على ملايين الناس حول العالم استغلتها إحدى المنصات العاملة في حقل التكنولوجيا مستغلة حنين هؤلاء إلي الماضي. فقد شهد نهاية شهر فبراير الماضي إنجازًا تقنيًا رقميًا كبيرًا أطلق عليه "deep nostalgia" أو الحنين العميق؛ حيث جذب أنظار الملايين من رواد منصات السوشيال ميديا، وكان صاحب هذا الإنجاز منصة أطلقت علي نفسها اسم "MyHeritage" أي تراثي، حيث استغلت تلك المنصة حنين الكثير من الناس إلى موتاهم، وأعلنت عن إصدار تقنية جديدة تستطيع تحريك صور الموتى تراها تتحرك يمينًا ويسارًا أحيانًا وتبتسم أحيانا أخرى. التقنية لاقت تفاعلاً كبيرًا من رواد منصات التواصل الاجتماعي، وبدأوا بالهرولة فرادي وجماعات إلي موقع المنصة المزعوم بدافع الحنين إلي الماضي. وهنا يطرح السؤال نفسه.. ما قصة هذه المنصة وما أبعاد تحريك صور الموتى علي المستوى النفسي والاقتصادي؟ أجاب عن هذا التساؤل عدة متخصصي . فمنصة "MyHeritage" وتعني بالعربية تراثي تأسست 2003 ، والشركة المالكة للمنصة لديها 430 موظف وهي شركة متخصصة في "علم الأنساب". وبلغ رأس مال منصة (ماي هرتيج) 49 مليون دولار عند انطلاقها 2003، ولديهم 62 مليون مستخدم نشط على موقعها والمنصة متوفر ب 42 لغة، ولديها قاعدة بيانات تضم حوالي 13 مليار سجل تاريخي ، كما أن لديها أكثر من 50 مليون مستخدم حول العالم . المهمة الأساسية للمنصة هي إنشاء شجرة لعائلتك والبحث عنهم حوال العالم، إلي جانب البحث عن الأقارب البيولوجيين، وذلك بالاستعانة بالحامض النووي من طالب الخدمة . وقد قام مستخدمو المنصة ببناء حوالي 58 مليون شجرة عائلية على "ماي هرتيج"، كما تُجري ما يقرب من 5 ملايين اختبار DNA لمستخدميها، حيث يطلب منك إدخال بيانات عائلتك بالكامل للحصول علي عائلتك المفقودة حول العالم. أما عن أسعار الخدمة فتبدأ من 129 دولارًا حتى تصل إلى 319 دولارًا سنويًا في حين تبلغ تكلفة اختبارات الحمض النووي 59 دولارًا. واستطاعت الشركة إنشاء أكثر من 10 ملايين مقطع فيديو ومشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في وقت قصيرمنذ إعلانها عن تقنية تحريك صور الموتى. وفي وقت سابق قامت شركة (فرانسيسكو بارتنرز) الأمريكية المتخصص في الاستثمار بالتكنولوجيا بعقد صفقة اندماج مع "ماي هيرتج" قُدرت قيمتها ب600 مليون دولار. تضمنت الصفقة بندًا يسمح ل MyHeritage بزيادة قيمة الصفقة إذا اكتسبت المزيد من المشتركين؛ بسبب تنزيلات متجر التطبيقات، وذلك يعني أن الصفقة قد تقفز إلى 700 مليون دولار. استخدم البعض هذه الميزة لتحريك صور قديمة لأقربائهم الموتى ولعمالقة التاريخ من سياسيين ومطربين وفنانين، وكان الهدف المعلن من هذه التقنية هو تحريك الصور القديمة واستغلال حنين الكثير من رواد السوشيال ميديا إلي أحبائهم الموتى أو حتى نجومهم المفضلين. التأثير النفسي أما عالمة النفس الإكلينيكي فالنتينا ستويشيفا فكان لها رأي آخر نشرته مجلة "Psychology Today" حيث قالت:"إن الحنين إلى الماضي يمكن أن يكون شيئًا جيدًا لهدف تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز إحساس المرء بمعنى الحياة ولكن ليس معني ذلك الإفراط في الاستغراق في ذكريات الماضي". وأضافت ستويشيفا عندما نركن للحنين إلى الماضي بشكل متطرف يمكن أن يؤدي بنا إلى سلوكيات غير مفيدة وعواقب سلبية والفارق بين الحنين المفيد والضار هو الفرق بين دمج المشاعر الإيجابية للذكريات في الحاضر مقابل التخلي عن الحاضر من أجل استعادة بعض اللحظات في الماضي بشكل دائم." وتعتبر التقنية الجديدة من سلالة ما يطلق عليه التزييف العميق أو Deepfakes، وهي سلسلة وصفها المتخصصون أنها من سلسلة التكنولوجيا سيئة السمعة، حيث استغلها البعض في أهداف إجرامية وابتزاز لأصحاب صور أبرياء، وذلك بعد دمج الصور وصناعة فيديوهات مفبركة لهؤلاء الأشخاص الذين يقعون ضحية لهذه التكنولوجيا الخبيثة. #