داخل دائرة من اليأس والندم أحيا فمصيبتي في بعض نفسي، شقيقتى الصغيرة وابني، قصما ظهرى بفعلهما وطعنانى بسكين تلمة غدرا.. شقيقتى أهدرت كرامتى وابنى تلوث بدمها. كيف لى أصدق أن الطعنة القاتلة التى أتتنى من الخلف وغارت فى أعماقي، مزقت روحى كانت من رحمى من كانت طفلة صغيرة بين يدى تركها لى والدى ورحل فكنت لها الأب وعاشت بين أولادى لا أفرق بينها وبينهم حتى كبرت وأصبحت عروسا، كانت ابنتى حقيقة فأنا لم أنجب غير صبيان وكانت المدللة بينهم فعندما تركتها أمها وقررت أن تتزوج بعد وفاة والدى وهى فى البيت معنا الأميرة الصغيرة ولكنها ما إن كبرت حتى أرادت أن تكون لها استقلالية ذاتية، ترفض أن يملى عليها أحد رأيه، ما تفكر فيه ويروق لها تندفع نحوه بلا تردد وكثيرا ما كان تهورها يوقعها فى مشكلات كثيرة خاصة أننا نعيش فى مجتمع قبلى تحكمه أعراف وتقاليد لم تكن عيشتنا بالصعيد تروق لها وتتمرد على حالة الانغلاقية كما كانت تسميها فقررت أن تستكمل دراستها الجامعية فى القاهرة ورغم رفض أولادى للفكرة ساندتها ودعمتها بكل ما يتيح لها إرادتها، كنت أحسبها إنسانة طموحة لها أحلام عظيمة تسعى لتحقيقها ولكنى لم أفطن إلى اندفاعاتها وما يمكن أن توقع نفسها فيه وهى وحيدة فى مجتمع منفتح إلى حد كبير يختلف عنا فى كثير من عاداته وتقاليده، صحيح هى كانت فى مدينة جامعية وتحت رقابة صارمة كانت تبعث شيئا من الطمأنينة فى نفسى عليها ولكن هذا لم يمنعها من أن ترتبط عاطفيا بشاب استطاع أن يملك عليها نفسها ويوقع بها بعنكبوتية فى شراكه وينال منها شرفها وكرامتنا كلنا، ثم اختفى عنها لتجد نفسها وقد تلوثت تعجز حتى أن تعود إلى البلد بعارها فهربت واختفت عنا. وقتها لم نكن نعلم عنها شيئا غير أننا نبحث عنها فى كل مكان حتى وصل إليها ابنى الأكبر ووقعت الكارثة التى أقعدتنى فى الفراش طريح العجز والخزى فقد طعنها ولدى طعنة قاتلة وجاءنى يزف الخبر أنه غسل عارنا بيده .. صرخت فى وجهه صرخة من تلقى طعنة فى ظهره قتلته ولم تحملنى قدمى من يومها وألقى القبض على ابنى لأفقده وابنتى فى وقت واحد وكأنه كتب على أن أموت على يد إنسانة كنت لها أبا طعنتنى فى شرفي، وابن أعمته تقاليد بالية فأوقع نفسه فى جريمة قتل أكلت زهرة شبابه سجينا وما بقى لى فى الحياة غير حسرة وندم انتظر ساعتى لعلى أستريح. هل أخطأت فى تربيتى لأولادى ولها حتى يورثونى كل هذا الحزن المميت؟ كم هى حسرتى على ابنتى وشقيقتى التى ضاع عمرها وشرفها هدرا وكم هى حسرتى على مستقبل ابنى الذى ضاع وما بيدى حيلة غير أكف الضراعة لله من فراشى أن يمن على برحمته وينزل سكينته على. لم تحمل نفسك ما هو فوق طاقتها يا أخى فمن منا يملك من أمر نفسه شيئا فكل ما وهبنا الله من عيش وأسباب بقدر وأنت لم تخطئ فى تبنى شقيقتك الصغرى بعد وفاة والدك وما كان لك أن تفعل غير ذلك ولست مسئولا عن اندفاعها وسقوطها فمن منا كما قلت لك يمكنه أن يملك من أمر نفسه أو غيره شيئا وإلا كيف يحاسب كل إنسان على عمله أمام الله ؟ وثق أنك قد أديت رسالتك وفق ما استطعت ولكنه الشيطان يبعث سمومه فى الآذان فيحكم قبضته على من يضعف إيمانه فيدفعه للغى شيئا فشيئا وابنتك أو شقيقتك الصغيرة اندفعت وراء شيطانها فكان لها ما كان وابنك الذى كان أسيرا لموروثات ثقافية توارثتها أجيال لم يستطع كبح جماح نفسه وارتكب جريمته ظنا منه أنه ينتقم لشرفه وشرف عائلته لم يعرف أنه ليس حاكما بأمره يصدر أحكاما وينفذها على غيره دون وجه حق، هل يدرك الآن كيف أودى بمستقبله وضيع نفسه وحياته بعصبية بائدة دمرته؟ ثم إنك تحمل نفسك تبعات تقاليد سيطرت على ابنك وفعلت به ما فعلت وأنت نفسك ابن لهذا المجتمع ولكن فكرك يختلف فى أمر هذا الموروث ولم تنسق وراء فكرة الدم مقابل الشرف كما انساق وراءها ابنك فهو المسئول عن اختياره فلا تجلد نفسك على ما هو ليس منها ويكفيك ما وقع لك من شلل من أثر الصدمة ولعل هناك علاجا طبيا لما أنت فيه لو أنك استطعت التعايش مع الحياة وتجاوز أزمتك فمن حكمة الله فينا أننا مادمنا على قيد الحياة تكمن الإرادة بداخلنا وتقوى مع الأزمات كى نتجاوزها ونقلب صفحات ما مضى ونسطر صفحات جديدة نتجنب فيها ما وقعنا فيه بالماضى ولعل ابنك يستوعب الدرس فى محبسه ويخرج للدنيا إنسانا جديدا أكثر وعيا بأسس الحياة السليمة . وتذكر يا أخى قول الله تعالى «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَلَا فِى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» {الحديد: 22 23.