تزور بعثة صندوق النقد الدولي مصر نهاية أكتوبر الحالي، لاستكمال المناقشات حول أول قرض لمصر من الصندوق منذ 9 سنوات، والذي أثير لغطًا وجدلًا كبيرين حول اشتراطاته ومتطلباته، إلا أن الجميع أغفل حقيقة أن مصر لم تحصل على التمويل الكامل، لأي اتفاق تمويلي وقعته مع الصندوق، الذي اكتفى بتقديم دور إرشادي منذ 1993. وأصبحت مصر عضوًا بصندوق النقد الدولي منذ 27 ديسمبر 1945، بحصة عضوية تبلغ 943.70 مليون وحدة "حقوق سحب" تعادل 1.5 مليار دولار أمريكي، وفقًا لأسعار الصرف في نهاية مايو 2011، وبناء على حصة العضو يتم تعيين الحد الأقصى لالتزامه المالي تجاه الصندوق، وما يتمتع به من قوة تصويتية، كما تؤثر الحصة على حجم التمويل الذي يمكنه الحصول عليه. ويمثل مصر في صندوق النقد الدولي الدكتور عبد الشكور شعلان، وهو من مواليد 1927 في قرية المشاعلة إحدى قرى محافظة الشرقية بمصر, وحصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا وعمل في صندوق النقد الدولي منذ عام 1979، وحالًيا يشغل منصب ممثل مصر والدول العربية بالصندوق. كان شعلان، قد أكد في تصريحات صحفية خلال الزيارة السابقة لبعثة صندوق النقد الدولي لمصر، أن اتفاق يتم التوصل له بشكل مبدئى يتم عرضه أولاً على مجلس إدارة الصندوق المكون من 24 عضوًا، ليعطى قراره، موضحًا أن الصندوق أصبح أكثر مرونة فيما يتعلق باشتراطاته، حيث كان فى السابق كان الصندوق يملى شروطه، ويطالب بتنفيذ بعض الاشتراطات قبل إعطاء القرض. ونفذت مصر منذ الثمانينات، وتحديدًا خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، 4 برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، وذلك بقيمة إجمالية قدرها 1.1558 مليار وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 1.8 مليار دولار أمريكي، غير أن حوالي خُمس المبلغ المتاح فقط، هو الذي تم صرفه بالفعل 263.2 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 421.3 مليون دولار، وانتهى آخر هذه البرامج في عام 1998، وتم سداد المبالغ المستحقة بالكامل. وفي العام المالي 1987-1988، اتفقت مصر مع الصندوق على عقد اتفاق للاستعداد الائتماني بقيمة 400.2 مليون دولار، للمساعدة في حل مشكلة المدفوعات الخارجية المتأخرة وأوجه الضعف الهيكلي التي انعكست في شكل تضخم محلي متزايد، وفي ظل هذا البرنامج، حصلت مصر على 116 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (تعادل 185.7 مليون دولارا أمريكيا بأسعار الصرف في نهاية مايو 2011. وخلال الفترة بين عامي "1991-1993"، عُقد اتفاق استعداد ائتماني آخر مع مصر بقيمة 234,4 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 375.2 مليون دولار نظرًا لتزايد عجز الحساب الجاري، وتراجع المنح والتدفقات الرأسمالية الداخلة، إلى جانب قيود التمويل الخارجي، مما أثار القلق بشأن قدرة مصر على تمويل وارداتها من المواد الغذائية والوفاء بالتزامات خدمة الديون. واعتبارا من "1993-1996"، وافق الصندوق على مبلغ إضافي قدره 400 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 640.3 مليون دولار أمريكي في إطار "تسهيل الصندوق الممدد"، وبلغ مجموع التمويل المتاح لمصر في تلك الفترة 634,4 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 1.01 مليار دولارا أمريكيا، غير أن مصر لم تسحب منها سوى 147,2 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 235.6 مليون دولار أمريكي. كما أتاح الصندوق لمصر تمويلاً إضافيًا بمقتضى اتفاق جديد للاستعداد الائتماني في 1996-1998 بقيمة 271,4 مليون وحدة حقوق سحب خاصة تعادل 434.4 مليون دولار أمريكي، حيث كان إطار البرنامج الموضوع وفقًا "تسهيل الصندوق الممدد" قد أصبح لاغيًا في ذلك الحين، ولم تسحب مصر أيا من الأموال المتاحة لها في ظل هذا البرنامج، لذي ظل شكلاً إطاريًا سمح لمصر بالحصول على إلغاء 50% من دينها الرسمي المستحق لبلدان أعضاء في نادي باريس، ومنذ عام 1993 لم تطلب مصر أي قروض من الصندوق، واقتصر دوره على المشاورات والمساعدة الفنية. وعلق فاروق العشري، الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الإدارة العليا بالبنك المركزي الأسبق، إن قروض صندوق النقد الدولي تتطلب اشتراطات لمنحها للحكومة التي تتفق معه على القرض من أهمها وجود توافق تشريعي ومن السلطة القائمة لضمان الوفاء به حال تغيير الحكومات، مشيرًا إلى أن الحكومات المصرية لم تستطيع الوفاء بتلك الشروط، ولاتقوم بتنفيذها على الوجه الأكمل. وأضاف أنه كان يتم المضي بخطوة أو اثنتين في الشروط المتعلقة بقروض الصندوق الذي يتسم قروضه بفترة سماح طويلة وفوائد مخفضة وذلك من باب المساعدة للدول النامية، إلا أن القرض يكون على مراحل يسبق كل منها تقييم لمدى الاستجابة للمتطلبات والاشتراطات وحال عدم الالتزام الكامل بها أو التوقف عن السداد، يتم التوقف عن صرف باقي القرض والدخول في مراحل تالية كمفاوضات إعادة أو جدولة للديون. وأوضح أن مصر وبعض الدول قد تواجه ظروفًا قهرية تجعلها عاجزة عن السداد أو تطبيق الشروط كالخوف من ثورات اجتماعية والغضب الشعبي وما يثير السلام الاجتماعي والأمن العام أو حدوث زيادة بالإسراف في استخدام بعض الوجوه أو سوء تقدير لبعض دراسات الجدوي، مشيرًا إلى أنه بدءًا من عام 1991 كانت اشتراطات البنك كبيرة فيما يتعلق بمفاوضاتها مع مصر.