مرت قبل أيام الذكرى السابعة والستين على صدور قرار مجلس قيادة الثورة عام 1954 بحل جماعة الإخوان الإرهابية، وهو القرار الذي دفع التنظيم للعودة للعمل السري، وعلى ما يبدو أن طريقتهم في التعامل مع مثل هذه المواقف لا تتغير حيث يعودون للجحور التي خرجوا منها في انتظار الفرصة المناسبة للعودة.. الجديد في هذا العصر هو الأدوات التكنولوجية المتمثلة في الشبكات والتطبيقات الاجتماعية التي يعتمد عليها أهل الشر في ممارسة نشاطهم السري عن طريق بث الشائعات وإخفاء الهوية الحقيقية وتضليل الرأي العام.. فكيف يمارس التنظيم النشاط السري عبر الفضاء الإلكتروني؟ وما التطبيقات الهاتفية التي يستغلها تنظيم الإخوان في استقطاب الشباب دون أن يدري؟! يورو فتوى في البداية أعلنت دار الإفتاء، مؤخرا، أن التنظيمات الإرهابية- والتي على رأسها جماعة الإخوان- وجدت في التطبيقات الهاتفية أداة مناسبة لوضعها القائم على التخفي والسرية والاختراق لعقول المسلمين لجذب الأتباع والسيطرة على تفكيرهم؛ فنجد تنظيمَي "داعش" و"القاعدة" يعتمدان بصورة كبيرة على تطبيق "تليجرام"، وبعد شعورهما بإمكانية اختراقه اتجها إلى استخدام تطبيقات أخرى مثل Hoop Messenger لتحقِّق لنفسها قدرة أكبر على عدم الاختراق والتعرض للتجسس، أما التنظيم الدولي للإخوان فقد أطلق قبل عامين تطبيق "يورو فتوى" والذي خدع المستخدمين بشعار "دليل فقهي مبسط وموجز لتمكين المسلمين الأوروبيين من الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية"، لكنه أصبح خلال فترة قصيرة من بين أكثر 100 تطبيق تحميلًا على الهواتف على مستوى العالم؛ هذا على الرغم من أنه يحمل أفكارًا متطرفة هادمة وضد المجتمعات المسلمة في الغرب مثل: أسلمة أوروبا، عودة الخلافة الراشدة، تفجير المجاهدين أنفسهم.. وغيرها من الأفكار. وظيفة لكل تطبيق! يقول مصطفى حمزة، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية والخبير في مجال الإرهاب: إن الوجود الإخواني المكثف على التطبيقات الإلكترونية والشبكات الاجتماعية يقوم على جانب ممنهج ومدروس من خلال توظيف لجان إلكترونية يعملون في الفضاء الإلكتروني بشكل خفي بما يشير إلى عودة الإخوان للعمل السري الذي لجأوا إليه من قبل في فترات تاريخية سابقة، وذلك من منطلق أن الوجود الحقيقي للتنظيم يواجه رفضا شعبيا وملاحقات أمنية، ومن هنا لجأ الإخوان لاستغلال التواجد الإلكتروني والذي من أخطر عيوبه محدودية الملاحقة الأمنية وإمكانية التخفي وصعوبة اكتشاف الهوية الحقيقية في هذا الإطار تقوم عناصر الإخوان بعمل تطبيقات جديدة بعيدة تماما عن السياسة ولكنهم يستغلونها بشكل غير مباشر وهناك تطبيقات قائمة بالفعل يقومون باستغلالها لتحقيق أهدافهم، وكل تطبيق له توظيف معين، فمثلا يقوم الإخوان باستخدام تطبيق "تليجرام" بهدف تجنيد واستقطاب الشباب، كما يستغلون تطبيق "زوم" في عقد الاجتماعات الإلكترونية بين قيادات التنظيم داخل وخارج مصر، أما "غرف البال توك" فالهدف منها الدعوة المباشرة والتجنيد والتأثير المباشر في اعتقادات الشباب ومحاولة استمالتهم من خلال الدردشة المتواصلة، الأكثر غرابة من ذلك أنهم يستخدمون تطبيقات أخرى بعيدة تماما عن السياسة أو الدين مثل "ساوند كلاود" والهدف منه بث تسجيلات صوتية لبعض رموز الإخوان، أما تطبيق "التيك توك" فيستخدمونه بشكل مباشر في بث مقاطع فيديو تخدم أغراضهم مثل فض رابعة، وهناك تطبيق "بيجو لايف" وهو تطبيق يرفع شعار "ممنوع السياسة والدين والجنس" إلا أنهم يستخدمونه بشكل غير مباشر عن طريق "جر رجل" المستخدمين للدخول إلى "تليجرام" أو غيره من التطبيقات بحيث يكون فريسة سهلة لاستقطابهم. ويضيف حمزة أن هناك قسما داخل التنظيم يضم خريجي هندسة الإلكترونيات وخبراء تكنولوجيا المعلومات، وهم المشرفون الفعليون على النشاط الإخواني في الفضاء الإلكتروني، وهذا القسم موجود في التنظيمات الأخرى وربما يقوم بنفس الدور، وبخلاف القيادات التي تقوم بتنسيق هذه الأدوار، فإن جمهور تنظيم الإخوان على السوشيال ميديا يقوم بشكل عشوائي بتحقيق أهداف التنظيم وأغلبهم غير معروفين أو مرصودين وبعضهم أيضا يظهرون بأسماء وهمية، ومطلوب منهم أن ينفوا عن أنفسهم شبهة الانتماء للجماعة على أرض الواقع والظهور بصورة المواطنين العاديين الناقمين على الحكومة والدولة. جيل إلكتروني ويذكر حمزة أن الهدف الرئيسي من كافة التطبيقات هو ممارسة سياسة الاستقطاب واستمالة الشباب ببث الشائعات والأخبار الزائفة، مع العلم أن هذا الاستقطاب يتم دون الإفصاح عن الهوية أو الشخصية الحقيقية، وفي الماضي كان يتم الاستقطاب بشكل مباشر عن طريق المساجد والجامعات أما الآن فالاستقطاب يتم عن طريق التطبيقات والسوشيال ميديا، وعلى مدار سنوات نجح التنظيم مع الأسف في خلق جيل جديد يمكن أن نطلق عليه "الجيل الإلكتروني" وهو الجيل الذي نجح التنظيم في استقطابه دون أن يتعلم شيئا أو يقرأ بعمق في أفكار التنظيم أو حتى عن الدين الإسلامي بصفة عامة كما أنه لم يلتقي بأي قيادة إخوانية وبالتالي فهو جيل تافه وفارغ من المضمون وهو جيل غير قارئ أيضا وهؤلاء أكثر تعصبا وجهلا وميلا لممارسة التطرف وأقل قدرة على التبرير المنطقي أو العقلاني لأفكار التنظيم بمعنى أنه جيل بلا ثقافة وفكر ومنهج. ويمكن أن نقول إن 90% من هذا الجيل غير "مؤدلجين" بمعنى أنهم لا يحملون أفكارا سياسية معينة، ويتم استقطابهم بشكل أساسي للانضمام للميليشيات الإلكترونية، والكثير منهم أيضا ربما لا يعرفون أنه تم استقطابهم وأنهم أصبحوا نشطين دون قصد في صفحات وتطبيقات تخدم أغراض الإخوان. ألتراس إخواني أما د. عمرو عبدالمنعم، باحث متخصص في شئون الجماعات الإسلامية وسوسيولوجيا الإفتاء، فيقول: مخطئ من يظن أن تنظيم الإخوان انتهى للأبد، ومخطئ أيضا من يظن أنهم توقفوا عن ممارسة نشاطهم السري، فعلى مدار 67 سنة مضت منذ صدور قرار مجلس قيادة الثورة بحل الجماعة، لم تلجأ الجماعة للصمت، ذلك أن حل الجماعة كشف عن حقيقتها وأزمتها الفكرية كما كشف أيضا عن طريقة تفاعلها مع العمل السري، وذلك بعد مواقف كثيرة لجأوا فيها للعنف بداية من اغتيال حكمدار العاصمة وضرب حارة اليهود وإشعال المرافق العامة واغتيال النقراشي باشا والذي تم بفتوى من الشيخ سيد سابق وهي الفتوى التي ندم بسببها كثيرا، مرورا بمحاولات قلب نظام الحكم في عهد عبدالناصر وأخيرا الجرائم التي ارتكبوها في حق الدولة وتشكيل جماعات مسلحة قامت بعمليات إرهابية مثل حسم ولواء الثورة وغيرها. ويضيف عبدالمنعم: يأخذ العمل السري الآن مظهرا حديثا من خلال الواقع الإفتراضي أو الفضاء الأزرق وهو البديل السحري للعمل والانتشار بأقل تكلفة ممكنة، من خلال الشبكات الاجتماعية وكل ما هو جديد في تطبيقات الموبايل والذكاء الإصطناعي، ويقوم بتنفيذ هذه المخططات ما نطلق عليه "الألتراس الإخواني" أو "الذباب الإلكتروني"، ومن المعروف لدينا كباحثين في هذا الملف أنهم يتلقون دورات مكثفة على أيدي أجهزة استخبارات أجنبية، كما أنهم درسوا حروب الشائعات وتجربة إسقاط جورجيا، ويريدون أن يكرروا مثل هذه النماذج في مصر عن طريق استغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وجائجة كورونا مع العلم أنها جميعا ظروف عالمية وليست محلية فقط. أيضا عبث الإخوان على السوشيال ميديا أصبح وظيفة يتقاضى عليها البعض أموالا طائلة، فعلى سبيل المثال هناك مجموعات في مدينة تركية تسمى "باشاك شاهير" هؤلاء وظيفتهم بث الشائعات ومقاطع الفيديو وإشعال الرأي العام على السوشيال ميديا باستغلال مواقف وقضايا وأحداث معينة. التوعية الرقمية الكثير من الخبراء يؤكدون أننا بحاجة لنمط جديد من التوعية الرقمية بخطورة المنصات الاجتماعية، في هذا الإطار، يقول الدكتور فتحي شمس الدين، أستاذ الإعلام بجامعة بنها، وخبير الإعلام الرقمي، أن تنظيم الإخوان يعتمد على عنصرين أساسيين في توظيف السوشيال ميديا والتطبيقات الإلكترونية في تضليل الرأي العام واستقطاب الشباب، وأول عنصر هو المليشيات الإلكترونية، حيث تمتلك الجماعة الكثير من المليشيات التي تتحرك في الفضاء الإلكتروني من خلال طرح عدد من الشائعات، فتقوم برصد أخطر شائعة أو أكبر موضوع يشغل الرأي العام ومن هنا تبدأ هذه المليشيات في استغلال هذه الحالة وتقوم بتضخيمها ثم تبدأ في بث رسائل معينة لتخلق "تريند" وهو العنصر الثاني الذي تقوم الجماعة بتوظيفه في هذه الحالة، ومن ثم تبدأ تستغل التريند في تضليل الرأي العام وتخلق حالة من الوهم لدى الرأي العام بهذه القضية، كما تخلق من موضوع بسيط قضية وأزمة كبيرة بهدف بث روح الإحباط والتشاؤم واليأس في النفوس. وبخصوص الضوابط التي تغيب تماما عن الإعلام الرقمي، يضيف شمس الدين: نتفق أن من أهم مشكلات التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي عموما أنه إعلام مفتوح المصدر، بمعنى أنه لا توجد قوانين أو اتفاقيات دولية أو ميثاق دولي يحدد آلية عمل شبكات التواصل الاجتماعي وبالتالي لا توجد رقابة على هذه الشبكات أو التطبيقات، والرقابة القائمة هي رقابة خاصة بالشركات المالكة لهذه التطبيقات كشركة فيسبوك مثلا، وذلك وفقا لأجندتها الخاصة أو سياساتها الشخصية والتي تتغير كل فترة، فلا توجد ضوابط واضحة أو قوانين تنظم آلية عمل الجماعات المتطرفة في الإعلام الرقمي، وهذا يعطي لهم مساحات كبيرة لأن يكونوا متفاعلين على الفضاء الإلكتروني ويقومون ببث الشائعات بشكل عام، وهذا يحتم علينا أن تكون هناك وسائل إعلامية رسمية ترد بصورة سريعة لمواجهة هذا النشاط المتطرف. ويذكر شمس الدين أنه يجب أن تكون لدينا إستراتيجية واضحة للتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف المحمولة خاصة في ظل استغلال الجماعات الإرهابية لهذه التطبيقات، ويجب أن تكون الفكرة الأساسية لهذه الإستراتيجية هي التوعية الرقمية والإعلامية، والتي تشمل مثلا الوعي بكيفية التمييز بين الشائعة والخبر الصحيح، وكيف يتم استخدام الشبكات الاجتماعية بصورة صحيحة وكيف تحمي بياناتك الشخصية من الاستغلال، كما يجب أن تكون هناك حملات قومية موجهة للشباب وطلاب الجامعات والمدارس وأن تكون التوعية الرقمية جزءا أساسيا من المناهج الدراسية مثل منهج التربية الإعلامية، وبما أننا نتحول نحو المجتمع الرقمي يجب أن يكون هناك توعية حقيقية داخل المجتمع لمواجهة الشائعات، وأن تكون هناك مواجهة سريعة بإتاحة المعلومات والبيانات لمواجهة المعلومات المغلوطة وهذا يحمي الشباب من الاستقطاب المعلوماتي على شبكات التواصل الاجتماعي.