ذلك اليوم هو بالنسبة لى عيد ميلاد جديد لحياة طالما حلمت بها فقد كنت قبل هذا اليوم بأكثر من عشر سنوات رجلا يحيا بلا أمل، بداخلى إحساس يعذبنى ويصمنى دائما بأن رجولتى ناقصة لأنى عاجز عن الإنجاب والعيب منى وليس من زوجتى وقد كانت صابرة على حالي، وعبثا ترددت على الأطباء بحثا عن علاج للعقم حتى من الله بنعمته على وحملت زوجتى بعد سنوات طويلة من الحرمان، الأطباء حاولوا معنا كثيرا دون جدوى ولكنها إرادة الله أن رزقنا بطفلة بعد أن يئست وزوجتى وكأنها معجزة تحير لها الطيب ولكنها لاشيء أمام قدرة الله ورحمته واعتبرت اليوم الذى ولدت فيه طفلتى هو يوم ميلاد جديد لحياتى كأب وأصبحت أحتفل بميلادى معها فى كل عام حتى اكتملت سنوات عمرها عشر سنوات واكتشفنا فجأة إصابتها بمرض خبيث لم يستمر معها طويلا، التهم براءتها لتختفى من حياتنا إلى الأبد وأعود لحسرتى وحرمانى وكأنها لم تكن إلا حلما خاطفا بريئا، رحلت ومات معها إحساسى بالحياة إلا من يوم يتجدد كل عام أحتفل فيه بيوم ميلادها وميلادى غير مصدق أن ابنتى الوحيدة ما عادت فى الحياة لقد كانت فرحة عمرى كله انتظرتها حلما وباتت واقعا ولكنه واقع أقرب إلى السراب سرعان ما تلاشى كدخان امتلأت به حبا وحنانا وما أن تدثرت به حتى تبخر. صدقنى لست معترضا على مقدرات الله سبحانه وتعالى وأعلم جيدا أنها أمانته واستردها وأدرك كل ما يمكن أن يقال من مواساة فى مثل هذه الظروف ولكنها نفسى التى اشتاقت وحرمت وعطشت وما ارتوت حتى جفت أيامها واستوحشت من جديد ولا قدرة لى على إحكام النار تشتعل فى قلبى ولا السيطرة عليها وما أرجو غير رحمة ربى ومغفرته. أكتب لك لعلى أستريح أخرج ما فى نفسى لا رافض ولا معترض على حكم ربى ولكنى متألم واللوعة تحاصرنى فأين المفر من ذلك الإحساس اللا متناهى من الألم ر. و. القاهرة ترفق بحالك يا أخى ولا تقنط من رحمة الله فإنه لا يقنط من رحمة الله غير القوم الكافرين وأنت مؤمن ومدرك أن الحياة للإنسان حق والموت أيضا حق وكلنا ملاقيه يوما ولكل أجل كتاب كما حدد لنا رب العزة والرحمة. أنا معك ليس أقسى على النفس من أن تحترق تعلقا بشئ راح وانقضى ولن يأتى ثانية بما يشبه الوهم يتضخم داخلك حتى ينفجر فيك فلا يبقى عليك ولكن هل تستسلم لهذا يأسا وإحباطا.. أفق يا أخى ما خلقنا الله فى الدنيا إلا برسالة نعمر بها الدنيا عملا وعبادة ومن مقتضيات الحياة فى هذه الدنيا ذلك الصراع الدائم من أجل البقاء سواء بالعمل المضنى والشاق أحيانا للحصول على لقمة العيش أو بمحاربة عقباتها وإحباطاتها حتى لا نتجمد فى مكاننا وأنت يا أخى جمدت روحك عند اللحظة التى ماتت فيها ابنتك وكأنك مت معها ولكن على قيد الحياة ونسيت أن الذى أنعم عليك بها رغم سنوات العقم وعجز الأطباء لقادر على أن يعوضك ويرزقك غيرها ولكن لابد أن يكون إيمانك بالله ويقينك به أكثر من هذا الضعف والموات الذى أنت عليه الآن. يا أخى إن أعظم خلق الله وأشرفه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ابتلى نفس الابتلاء الذى ابتليت به عندما فقد ابنه وصبر واحتسب وقال قولته الشهيرة «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ثم دعا لابنه وثبته عند السؤال يقينا وإيمانا وهذا رسولنا الكريم فما بالك أنت؟.