عشت عمرا مع زوجى وأنا أعتقد أن السعادة لم تخلق إلا لى معه، أحببته كما لم يحب أحد من قبل ولن يحب أحد من بعد حتى أولادى لم ينتقصوا شيئا من حبى له بحبى ورعايتى لهم ومضت بنا الأيام لا أتذكر أنى أغضبته يوما وللأمانة هو أيضا لم يغضبنى وكان يحبنى بجنون حتى أشعر أن قلبه يمتلئ حنانا يكفى الدنيا كلها وكبرت وكبر حبى له رغم علامات السنين ونتوءات العمر الهرم تعلن وجودها ما يوحى أن أوراق السنين النضرة تساقطت بربيعها لم تترك لنا غير خريف نحياه وقارا وسكينة وكنت أظن أيضا أن تاريخنا العاطفى سوف يمتد رغم رحيل الشباب حتى نهاية العمر ولكنى كنت على موعد مع اختبار قدرى صعب فقد ارتبط زوجى وهو فى الستين من عمره بفتاة صغيرة فى عمر ابنته نجحت فى إحكام سيطرتها عليه وشغلت قلبه وعقله وأوعزت له أن ينفصل عنى شرطا لموافقتها على الزواج منه ولم يتردد ألقى على يمين الطلاق وقال إنه سيترك لى الشقة وسيبعث لى كل شهر بنفقتى وعلى أن أتفق مع أولادى أن يتناوبوا على رعايتى وأعتبره قد رحل عن دنياى وانعزل بدنياه الجديدة ومن أحب. واجهته بعمرى الذى مضى فى خدمته ورأسى التى اشتعلت شيبا وأنا فى بيته بأولادنا الذين كبروا وتزوجوا حتى أصبح جدا.. قلت له أن يتعقل فهو مقدم على أمر سيدمره نفسيا قبل أن يدمرنى ويدمر بيته وأولاده ولكنه لم يلتفت إلي، قال لى إنه لن يتركنى فى حاجة لأحد وأنه يتحمل نفقتى حتى آخر العمر وأنه يعمل حسابا للعشرة ولن يتخلى عن مسئوليته تجاهي. ترى هل حقا هذا ما أستحقه بعد كل هذا العمر مجرد جدران تؤوينى ونفقة يتصدق على بها كل شهر قد تمنعه منها زوجته الصغيرة المدللة يوما ما.. هل فاتورة عمرى تنحصر فى فتات يرميه لى يسد جوعى وأين كرامتى وحب العمر الذى أهدر ولم يعد له قيمة ؟ رحل حبيبى وشرع فى تحقيق ما أراد، لم يلتفت وراءه لم يشعر بآلامى ولا بقلبى المسن وهو يتمزق وأنا أراه يضيع منى ومن نفسه حتى أولاده لم يستمع لتوسلاتهم ورجائهم أن يعود عن غيه ومضى وتركنى وحيدة من غيره ولم أعتد الحياة بدونه، كان هو رفيق العمر فيها وكنت أنا ظله الذى يتحرك خلفه دائما ولكنى الآن تائهة كطفل فقد أمه لا يدرى أين يذهب ولا ماذا تفعل به الدنيا وحيدا لا حول له ولا قوة، حاول أولادى أن يعوضونى عن غيابه، كانوا معى كل يوم يربتون على كتفى يحيطوننى بحبهم وعطفهم ولكنى لا أشعر بهم تعجزنى حيرتى ويحبسنى فراشى مرضا وضعفا، يتهالك القلب منى وتهش عظامى وكأن الروح تتآكل شيئا فشيئا ولا أدرى إن كانت النهاية تقترب منى أم أنى من يقترب منها.. ! عندما أخبره ابنى بحالتى الصحية أعطاه مالا وطلب منه أن يوفر لى الأطباء والعلاج ما يعيد إلى صحتى لا يدرى أنه دائى ودوائى ولا حياة لى بدونه. هل جن عقلى أنى مازلت متمسكة بحب عمرى ولا أقبل فاتورة زائفة قدمها لى بعد كل هذه العشرة بيننا ؟ لقد قرأت ما قلته ردا على صاحبة مشكلة »خريف الحب« التى تزوج عليها زوجها وأجبرها على ذلك وهددها بأخذ أولادها الصغار أو التخلى عن نفقته لهم وأقدر رأيك فى أن الشرع أباح للرجل تعدد الزواج وفق حق متبادل بينه وبين زوجته وليس حقا منفردا له وإن تم الزواج بهذا الحق المتبادل فلابد أن يقوم على شروط عدل نفسية ومادية فى نفس الوقت. ألا ترى أن هذا العدل والحق الشرعى غابا عني؟ ففى حالتى أنا لم أخير فى شيء كحق شرعى فى أن أقبل ما أراده زوجى أو أرفضه كما أنه رمانى بطول زراعه إرضاء لامرأة فى عمر أولاده، صحيح أنه تكفل بى وأعطانى حقى فى الحياة تحت كنفه وفى بيته ولكنه انتزع قلبى ومزقه بلا شفقة فهل فى هذا عدل أو رحمة ؟ س. م. المنيا كم أنت امرأة جميلة يا سيدتى فى روحك وفى حبك ووفائك أيضا لرجل تاه وضاع عقله فى مرحلة خرف فقد فيها وعيه وانساق وراء فتاة لعوب استطاعت أن تلهو به كيفما تشاء مسيطرة على كل حواسه وعقله ناسيا عشرتكما الطيبة وحبا عظيما تولد فى قلبيكما فتيا وكبر عمرا طويلا بينكما ونسى نفسه أيضا لا يبالى شيئا غير متعة زائلة قد لا يقوى عليها كثيرا فهو نسى عمره الذى مضى وصحته التى مضت مع عمره ففى يقينى يا سيدتى أنه سيعود لك قريبا يرجو صفحك نادما خجلا فبريق الشهوة والرغبة المستحيلة بداخله ستعجزه أن يستمر طويلا. أنا معك يا سيدتى فى أن جرم ما ارتكبه زوجك فى حقك ليس فيه أى صورة من صور العدل أو الرحمة بل تجبر على نفسه وعليك ولكن فى اعتقادى ما فعل كل هذا عن وعى كامل وربما كان مريضا بتلك الفتاة ويحتاج أن تصبروا عليه وتحاولى وأبناؤه استعادته لا تكلوا من المحاولة فالفتاة التى أوقعت به لا تريد منه غير المال وسرعان ما تلفظه بعد أن تبلغ منه ما أرادت. أيضا لمَ تستسلمى لذلك الإحساس اليائس ينمو فى نفسك فيدمرها ويوقعك طريحة الفراش متهالكة، انهضى يا سيدتى ليس من أجل نفسك فقط ولكن من أجل أولادك فهم ثمرة العمر الذى لم يضع كما ظننت فهم فاتورة عمرك الحقيقية لا حب رجل لم يعرف قيمة حبيبته التى شاركته عمرا فألقى بها بعيدا بعزم ما عنده لعله يرجع يوما ويثوب لعقله فما بينكما رصيده أعظم من أن يضيعه ويتوارى فاصبرى صبرا جميلا واستقوى بيقينك فى الله أن يرد الظلم عنك واستندى على أولادك فبحبهم ورعايتهم لك هم السند الحقيقى لك. و لك أن تنعمى بوعد الله سبحانه وتعالى لك بصبرك وإيمانك مصداقا لقوله تعالى فى الآية 35 من سورة الأحزاب: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً».