شاب مصري يحقق إنجازا عالميا يخدم البشرية: التركيبة الوراثية للسرطان كيرلس شهدي ل"مجلة الشباب": - البداية حينما فشلت في تطوير علاج كيماوي للمرض فلم أيأس - قبل ما حققناه لم يكن هناك أي تأكيد على دور العوامل الوراثية في الإصابة بالسرطان - حصلت على منحة زمالة الجمعية الأمريكية لعلاج الأورام "الاسكو" كأول طبيب مصري - أتمنى استكمال أبحاثي مع الجهات المصرية وتقدمت بطلب لوزارة البحث العلمي طبيبان مصريان في عمر الشباب توصلا مع فريق دولي في كلية طب ويل كورنيل بالولاياتالمتحدة إلى الدور الوراثي في الإصابة بمرض السرطان، والإجابة عن سؤال هل المصاب بالسرطان سيصاب أبنائه به أيضا؟ الدراسة المهمة احتفت بها مجلة نيتشر العلمية البارزة لما سيمثله ذلك من طفرة في تطوير علاجات هذا المرض الخبيث وتصميم برامج وقاية منه. الطبيبان هما بيشوي فلتس وكيرلس شهدي الذي فتح قلبه وعقله لمجلة الشباب. • بعد هذا النجاح لابد أن نسألك عن نشأتك ودراستك ومن ساعدك في مسيرتك العلمية؟ نشأت في قرية صغيرة في صعيد مصر تتبع محافظة سوهاج، جدي لأمي كان يملك مكتبة مليئة بكتب التاريخ وكانت كل متعتي كطفل التلصص على هذا العالم المكتوب. جدي الأستاذ جابر العسال كان رجل تربوي من طراز فريد وكان مؤمن بقيمة العلم، الشيء الذي ترك أثرا كبيرا بداخلي طوال سنين الدراسة. التحقت بكلية طب قصر العيني، وأثناء الدراسة تعرفت على الدكتور رأفت رجائي وهو أستاذ بقسم علاج الأورام، أتاح لي دكتور رأفت فرصة كبيرة لتعلم أساسيات الدراسات الإكلينيكية، واشتركت معه في دراسة عن علاج كيماوي جديد لمرضى سرطان المثانة، كانت النتائج مخيبة للآمال، لكن هذه النتائج المتواضعة للعلاج الكيماوي حفزتني للبحث عن حلول أخرى لهذا المرض العنيف، بعد ذلك اخترت علاج الأورام كتخصص لي، وأثناء فترة التدريب حصلت على ماجستير علاج الأورام مع مرتبة الشرف من كلية طب قصر العيني وماجستير في الدراسة المتقدمة للأورام مع اسمى تقدير من جامعة أولم بألمانيا، ودبلومة في أساسيات البحث الإكلينيكي من كلية طب هارفارد بالولاياتالمتحدة. أيضا ساعدني بشكل كبير د. لؤي قاسم وهو باحث متميز في مجال سرطان الثدي، وكان يقدم لي دعم منقطع النظير. • كيف حصلت على المنحة من كلية طب ويل كورنيل بالولاياتالمتحدة؟ أثناء فترة تدريبي تعرفت على الدكتور المصري بيشوي فلتس الأستاذ المساعد بكلية طب ويل كورنيل، حيث طلبت منه الإشراف على بعض أبحاثي التي أجريها ومع الوقت تكونت علاقة جيدة بيننا واشتركنا في نشر بعض الأبحاث سويًّا، وبمساعدته تقدمت بمقترح لدراسة التغييرات الجينية لسرطان المثانة وهذا ما أهلني أن أحصل على منحة زمالة الجمعية الأمريكية لعلاج الأورام "الاسكو" كأول طبيب مصري يحصل عليها، وذلك لاستكمال أبحاثي في هذا المجال في كلية طب ويل كورنيل في نيويورك، وهي من أفضل خمس مستشفيات في الولاياتالمتحدة. وقد بلغت قيمة المنحة ما يعادل مليوني جنية مصري آنذاك. • وهل هناك مصريين كثر في هذه الكلية وما حجم إنجازاتهم؟ برنامج طب الأورام في ويل كورنيل يحتوي على أطباء مصريين منهم د. بيشوي فلتس. تخرج د. فلتس في كلية الطب بجامعة اسيوط في عام 2005 وبعد إنهائه فترة النيابة بمستشفى روشستر لم يحتج سوى لثمان سنوات ليحصل على لقب أستاذ مساعد ومعمل خاص يحمل اسمه. في مطلع القرن الواحد والعشرين، كان المفهوم الجديد لعلاج السرطان هو "الطب الشخصي" حيث أدركنا أن الورم نفسه يختلف من مريض لآخر بل أن في ذات المريض تختلف الخلايا السرطانية عن بعضها وأن هذا التباين يقف عائق رئيسي ضد كل الأدوية الموجهة التي ما انفك علماء بيولوجيا السرطان عن استحداثها من الحين للآخر. قام د. فلتس وفريقه بتحليل الطريقة التي تطور فيها أورام المثانة طفرات جينية لتجعلها مقاومة للعلاج الكيماوي، ويبدو أن سرطان المثانة يحدث له تطورات مستمرة قبل وبعد العلاج الكيماوي. وقد تعرف هذا البحث عن بعض الشبكات البيولوجية التي تساعد في حدوث المقاومة للعلاج. نشرت دورية "نيتشر جينتيكس" هذه النتائج، وتصبح هذه الورقة هي بحث العام (2017) في تاريخ أبحاث سرطان المثانة. وساعد هذا البحث المحوري د. فلتس للحصول على منح كثيرة لاستكمال أبحاثه على دور الجينات في سرطان المثانة. أيضا يوجد د. أسامة جرجس وهو أستاذ طب الأورام بكلية طب ويل كورنيل ويقود برنامج زرع النخاع هناك، وله أبحاث مهمة في هذا المجال. • ما أهمية الكشف الذي توصلتم لإثباته؟ السرطان من الأمراض اللى لسه معرفتنا بطبيعتها مش مكتملة وفي أبحاث كل يوم بتحاول تفهم ليه المرض بيحصل وليه بيتطور بالشكل العنيف ده. أحد الجوانب اللى بنحاول ندرسها مؤخرًا هي دور الوراثة في أنواع السرطان المختلفة. العوامل الوراثية أحد الأسباب اللى بدأنا ندرسها منذ سنوات كسبب في حدوث السرطان وانتشاره العنيف. العوامل الوراثية للسرطان اللى برضو بنسميها "الطفرات الجينية" هي ببساطة خلل في المادة الوراثية للخلية بيورثه المريض من الأب او الأم وفي مرحلة معينة في حياته بيساعد في حدوث السرطان. قبل نشر دراستنا، لم يكن لدينا أية معلومات واضحة عن دور العوامل الوراثية أو ما يعرف بالطفرات الجينية في حدوث سرطان المثانة تحديدًا. فكونا فريقا بحثيا في كلية طب ويل كورنيل باشراف د. بيشوي فلتس مع مشاركة فرق بحثية من جامعات أخرى. جمعنا عينات من مرضى سرطان المثانة واستخدمنا تكنولوجيا حديثة في تحليل التكوين الجيني، المشروع البحثي أخد حوالي 3 سنوات لتطوير طريقة جديدة لاكتشاف الطفرات الوراثية، وقدرنا بالفعل نكتشف كل الطفرات الوراثية اللى بتلعب دور مهم في حدوث سرطان المثانة وتطوره. اكتشفنا أن حوالي نصف المرضى بيحملوا على الأقل طفرة موروثة واحدة بتعطل وظيفة الجين اللى بتحصل فيه وتساعد في حدوث سرطان المثانة. إحنا عارفين أن تكوين السرطان مش بيعتمد على طفرة واحدة لكن عدة عوامل بتتداخل مع بعض علشان تعطل في النهاية مسارات حيوية في الخلية، وبالفعل قدرنا نوضح إن الطفرات الموروثة المكتشفة في الدراسة بتتداخل مع تغييرات جينية عديدة أخرى تؤدي لخلل في مسارات حيوية هامة لعمل الخلية والذي بدوره يؤدي لحدوث السرطان وانتشاره. • ما الخطوة التي ستتبع ذلك؟ الدراسة دي ساعدت في اكتشاف طفرات وراثية قابلة للاستهداف الدوائي. طبعا البحث بتاعنا هيفتح باب لتطوير دراسات إكلينيكية لاختبار أدوية العلاج الموجه لمرضى سرطان المثانة. طبعا معرفة الطفرات الموروثة هيساعد في عمل برامج وقاية للمرضى وذويهم. أخيرا الطريقة الجديدة اللى استخدمناها هتكون متاحة لتحليل التكوين الجيني لأنواع أخرى من السرطانات لاكتشاف الطفرات الموروثة إللى فعلا بتأثر في وظيفة الجين. • هل تواصلت معكم أي جهة مصرية للاستفادة من الدراسة التي أثبتوها علميًا؟ في الحقيقة تقدمت بمقترح بحثي للحصول على تمويل من صندوق العلوم والتنمية التكنولوجية التابع لوزارة البحث العلمي، وذلك لدراسة التغييرات الجينية في مرضى سرطان المثانة المصريين. وأتمنى أن يلقى المقترح دعمًا لكي نستطيع البدء في هذه الدراسة في كلية طب قصر العيني. • ما الرد على من يقول إن التعليم المصري لم يعد يقدم نوابغ؟ ليس صحيحًا، معدل الباحثين المصريين في المؤسسات الأكاديمية المرموقة جيد جدًا، وأعتقد أن المشكلة في كيفية تسهيل الأمور لهؤلاء الباحثين في العودة لمراكز الأبحاث المصرية بعد قضاء فترات تدريب أو زمالة خارجية. • هل كان يمكن أن تقوموا بهذا الإنجاز في مصر؟ طبعًا الأبحاث الكبيرة للى زي كده بتبقى مكلفة جدًا، وتحتاج لبنية تحتية قوية، بعض من هذه المصادر متوفر في مصر لكن مازال الحصول على تمويل ضخم هو العائق الرئيسي، لكن هناك خبرات كثيرة في دراسة الجينوم البشري ومعامل مجهزة في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية في القاهرة ومؤسسة مجدي يعقوب، وأتمنى أن نستطيع التعاون مع هذه الجهات لإنتاج دراسات عالية الجودة في مصر. أخيرا أود أن اشكر الجمعية الامريكية لعلاج الأورام "الاسكو" لدعم أبحاثي في ويل كورنيل ومن قبل مدرسة قصر العيني للأورام "الكازو". وطبعا أود أن أشكر مرضى سرطان المثانة وذويهم الذين شاركوا في هذه الدراسة. نقلا عن مجلة الشباب. د. كيرلس شهدي د. كيرلس شهدي د. كيرلس شهدي