هي كارثة بكل المقاييس قد يترتب عليها هدم أسرة بالكامل، إن لم تكن الأمهات حذرات ومدركات ومتذكرات جيدًا لهذا الأمر الذي قد يظن البعض أنه شيء عادي قد فعلوه قديمًا في الماضي من قبيل المجاملة لاحدى جاراتهن أو لأقربائهن، ولكنه للأسف كارثة لا يدفع ثمنها إلا الأبناء بعدما تكون قد وقعت الفأس في الرأس، وصار هناك زواج وأطفال صغار لا ذنب لهم ؛ والسؤال: ماذا يفعل الزوجان إذا اكتشفا أنهما أخوة في الرضاعة وكان بينهما أولاد؟ ولماذا حرم الله تعالى الزواج من الأخوة في الرضاعة؟ وما هي شروط وحقوق الأخوة في الرضاعة، وحكم الاختلاط بهم من خلوة ومصافحة وتقبيل وكشف للعورة أمامهم؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات استعنا برأي بعض علماء الأزهر الشريف الذين أجابونا في السطور التالية. يقول الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف: هذه القضية من القضايا الشائكة والخطيرة التي تحتاج إلى التحقيق والتدقيق بعناية فائقة، والإتيان بالأمهات اللاتي كشفن هذا السر بعد كل هذه السنوات وتسببن في تلك الكارثة، للحلفان على المصحف بأن ما قلنه الصدق والحقيقة، وان الزوجين إخوة في الرضاعة، لأنها قد تكون لعبة قد يقمن بها بعض الأمهات أو الحموات للتفريق بين الزوجين لوجود خلافات عائلية مع عائلة الزوج أو الزوجة، فإن أقسمن كما قلنا على كتاب الله بأن هذا حدث قديمًا وانهن قد أرضعن هذين الزوجين في صغرهما ولم تكن هناك خلافات عائلية، فهنا نسألهن عن عدد الرضعات، فإن كانت خمس رضعات متفرقات مشبعات متيقنات فأكثر في مدة الرضاع، وهي سنتان قمريتان من تاريخ الولادة، تم التفريق بين الزوجين فورًا لأن زواجهما صار باطلاً، ويظل الأولاد كما هما مقيدين شرعًا على اسم أبيهما وأمهما، أما إذا كان عدد الرضعات أقل من ذلك يعني كانت رضعة واحدة أو رضعتين أو ثلاثة أو أربعة، فهنا يظل الزوجين على حالهما ولا يفرق بينهما، وذلك إعمالاً بمذهب الشافعية الذي يعتبر ما أقل من خمس رضعات ليس رضاعًا محرمًا ولا يستوجب التفريق. ويضيف الشيخ الأطرش: أما إذا كان هناك شك ولا يعرف ما إذا كان عدد الرضعات قد بلغ الخمس أم لا فإن الزواج يظل صحيحًا أخذاً برأي الشافعية والحنابلة القائلين بأن التحريم لا يثبت إلا بخمس رضعات مشبعات، وما دامت الخمس مشكوكًا فيهن فإن اليقين - وهو حلٌّ النكاح - لا يزول بالشك. وهذا هو المفتى به لعموم البلوى في ذلك. كما أن هذا الأمر لا يمكن أن يثبت بالشهادة الزور، وذلك إذا ما عرض الأمر على القضاء، واستشعر القاضي أن أحد الشهود شاهد زورٍ، أو صاحب مصلحة في إبطال العقد، أو حصل الشك في شهادته بأي نوع من الشك، كأن لم تكن له علاقة بالرضيع والمرضع، أو كانت له علاقة ولكنه لا اطلاع له على مثل هذه الأمور، أو إذا حدث التضارب في أقواله من حيث عدد الرضعات وكيفيتها وزمانها ومكانها، وخاصة عندما يكون الزواج قد تم فعلًا، فإنه لا تقبل شهادته. سر التحريم ويرجع الدكتور سيف قزامل العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: السبب في تحريم المولى تبارك وتعالى لزواج الأخوة في الرضاعة، لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ}[ النساء : 23]، لأن لبن الرضاعة يسهم في إنبات اللحم وانشاز العظم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا رضاع إلا ما أَنبت اللحم وأنشز العظم" رواه أبو داود . كما ان هذا اللبن يحتوي مواد جينية لا توجد في اللبن العادي حيث يختلف من أم لأخرى، فالطفل عندما يرضع من أم غير أمه ويتجرع هذه المواد تتكون لديه أجسام مناعية بعد عدة رضعات فقط، ويكتسب بعض الصفات الوراثية المناعية من هذه الأم المرضعة لتصبح بمثابة أم له. ويكمل الدكتور قزامل: فهذه الصفات الوراثية التي اكتسبها الرضيع من تلك الأم المرضعة تشبه تمامًا التي اكتسبها أولادها الحقيقيين منها ليصبحوا وكأنهم أخوة لها، لذلك حرم زواج الإخوة بالرضاعة لأنهم يملكون نفس الصفات الوراثية، ويمكن أن يؤدي زواجهما إلى أمراض وراثية خطيرة إذا ما حدث تلاقي أو تلاقح بين هذه الجسيمات المتشابهة فى حالة زواج إخوة الرضاعة، ولهذا حرم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الزواج قبل أربعة عشر قرناً، والذي جاء به العلم الحديث اليوم، ليؤكد صدق كلامه صلى الله عليه وسلم ، وصدق تحريمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" متفقٍ عليه. شروط الإخُوة ويبين الدكتور علي فخر مدير إدارة الحساب الشرعي وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: إن الإخوة في الرضاعة لا بد أن تكون من رضاعة طبيعية ادمية وليست صناعية، فالطفل الذي يرضع مع طفل آخر من علبة لبن صناعي واحدة أو من ببرونة واحدة سواء كان بها لبن صناعي أو حتى لبن ماشية كلبن الأبقار أو الماعز على سبيل المثال لا يمكن أن يكونوا أخوة في الرضاعة، لأنهم لم يرضعوا بشكل طبيعي من أم واحدة، ولو حدث ورضع هذان الطفلان الصغيران بشكل طبيعي، وكان أحدهما ولدًا والاخر بنتاً وكبرا وأرادا الارتباط أي الخطوبة، فهذا لا يجوز ويفرق بينهما حتى لو رضع أحدهما مرة واحدة من أم الآخر، ولو كانت مصةً واحدة درءًا للشبهات. كما يبين الدكتور فخر: إن الإخوة من الرضاعة أو المحارم من الرضاعة ليسوا كالإخوة والمحارم من النسب في مسألة الصلة والزيارة والنفقة والميراث، فصلة الرحم وغيرها من الحقوق يختص بها الأقارب، ولكن لا مانع من صلتهم بالزيارة والسلام عليهم والدعاء لهم، وتقديم الهدايا والمساعدات المادية لهم إن كانوا فقراء ومحتاجين من باب البر والمودة والرحمة، وإذا لم نفعل ذلك فلا حرج علينا، وإن كان يفضل أن نفعل هذا العمل الطيب حتى نؤجر عليه إن شاء الله، لأنه يستحب للإنسان أن يكرم ويحسن إلى من تربطه بهم علاقة رضاع . ويضيف الدكتور فخر: كما أنه يجوز الاختلاط بالإخوة والمحارم من الرضاعة، والخلوة والنظر إليهم ومجالستهم ومصافحتهم وتقبيلهم في جبهة الرأس، وهم كذلك الحال معنا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" أي أن كل ما يحرم من النسب، فمثله يحرم من الرضاع، ولكن إذا كان هذا الاختلاط سيفتح بابًا للفتنة من وراء ذلك، وجب علينا غلق هذا الباب والتعامل بتحفظ درءًا للفتنة.