لماذا يزور الناس منازل الكُتاب؟ ما الذى يبحثون عنه وما الذى يأملون فى الحصول عليه ؟ وكيف يتحول بعض المؤلفين عبر منازلهم إلى مزارات شبه مقدسة لمعجبيهم؟ قد تكون الإجابات فى بحث الناس فى كثير من الأحيان عن الإلهام، متحمسين للوقوف فى نفس المكان الذى ظهرت فيه شخصياتهم الأدبية المفضلة، ليجدوا أنفسهم فى ذلك المنزل حيث تم تصور حياة المؤلف نفسه وكتابة أعماله، أو حيث لفظ أنفاسه الأخيرة. فى منزل كبير بشارع نورثمور بأكسفورد عاش الكاتب جون رونالد رويل تولكين. حيث كتب رواياته الشهيرة «سيد الخواتم»، «الهوبيت» حول صراع العفاريت والأقزام والجان التى تحولت لأفلام سينمائية حققت شعبية كبرى وأرباحا بالملايين . رغم رحيل تولكين إلا أن منزله أصبح مصدر جدل أخيرا بسبب إطلاق حملة لتحويل المنزل إلى متحف ومركز أدبى. وأتت هذه الحملة التى تحمل اسم «مشروع نورثمور»،نسبة إلى اسم الشارع،بمبادرة من الكاتبة البريطانية جوليا جولدينج، من أجل ترميم المنزل الذى يتمتع بحديقة واسعة واستنساخ الأجواء، التى كانت تخيم عليه وقت وجود تولكين فيه. حملة التمويل الجماعى التى انضم لها أبطال الأفلام القائمة على روايات تولكين مثل إيان ماكيلين ومارتن فريمان وجون رايس ديفيز، أطلقت فيديو عبر موقعها تناشد فيه الجميع التبرع لجمع الأموال اللازمة لشراء المنزل الذى تم تثمينه بنحو 4.7 مليون جنيه إسترلينى، ويهدف أصحاب الحملة لتحويله إلى مركز للكتابة الإبداعية وكتابة السيناريو والرسوم، فضلا عن ترميم وصيانة المنزل وبناء منزل هو بيت بالحديقة مستلهم بالكامل من أجواء روايات تولكين. وقال مؤسسو الحملة عبر موقعها الإلكترونى «على عكس الكتاب الآخرين، لا يوجد مركز مخصص لتولكين فى أى مكان فى العالم. تتمثل رؤيتنا فى جعل منزل تولكين، ليس متحفا جافا، بل منزلا عائليا للإبداع المستمر، وإلهام الأجيال الجديدة من الكتاب والفنانين وصانعى الأفلام»، وكشفوا أن التبرعات العالمية التى حصلوا عليها تجاوزت 600 ألف دولار إلا أنهم يسابقون الزمن لجمع 6 ملايين دولار. تعد بيوت الأدباء حول العالم أحد أبرز المعالم السياحية الثقافية التى يحرص على زيارتها القراء ومحبو الأدب، والكثير منها بالفعل تم تحويله إلى مراكز إبداعية ومتاحف تتضمن بعض الممتلكات الخاصة للأدباء أصحاب المنزل الذى عاشوا فيه مثل بعض الملابس، وأدوات القراءة والكتابة التى اعتادوا استخدامها وركنهم المفضل من المنزل حيث كانوا يقرأون أو يكتبون أعمالهم. فهناك منزل الأخوات برونتى بقرية هاوورث فى ويست يوركشاير، الذى يضم أكبر مجموعة فى العالم من أثاث وملابس ومقتنيات الأخوات برونتى بما فى ذلك الخطابات والمخطوطات من الأخوات الثلاث ( شارلوت، وإميلى، وآن) بينما كن يكتبن العديد من رواياتهن الأكثر شهرة مثل «جين اير من تأليف شارلوت، ومرتفعات ويذرينج لإميلى. فى أوائل القرن العشرين، تم تحويل المنزل إلى متحف. لم تكن أجاثا كريستى قادرة على مقاومة شراء منزلها ووصفته بأنه « أجمل مكان فى العالم ، لقد ألهمت أجواؤه بلا شك رواياتها الغامضة . كانت أجاثا وعائلتها جامعين متعطشين، لذا الكثير من مقتنياتهم الرائعة معروضة الآن بالمنزل مع دفاتر كتب مليئة بالمعلومات حول أشهر كاتبة غموض فى العالم. ويغمرك متحف تشارلز ديكنز ذو الأجواء الرائعة فى حياة ديكنز ككاتب ورجل أسرة. المنزل يقع فى لندن حيث كتب ديكنز «أوليفر تويست»، «أوراق بيكويك»، محققًا شهرة دولية. تم إنشاء المنزل ليشبه كيف عرفه ديكنز، فهو مليء بالمفروشات الفيكتورية والأعمال الفنية الرائعة وحتى المكتب الذى كان ديكنز يكتب عليه. وفى منزل ريفى جميل عاشت جين أوستن حيث أكملت أشهر رواياتها «كبرياء وتحامل»، «إيما»، «العقل والعاطفة»، المنزل الآن متحف جين أوستن الذى أعيد ترميمه ليعكس المنزل العائلى المريح الذى كانت تعيش فيه أوستن. بالنسبة للكثيرين من زواره، تعد الطاولة الصغيرة هى أهم ما يميز زيارتهم المنزل، ولحظة اكتشاف قطعة الأثاث المتواضعة هذه هى اللحظة التى يشعرون فيها كما لو كانوا حقا فى المكان الذى كتبت فيه جين روايات وشخصيات لا تنسى. أصبح الاتجاه لزيارة منازل الكُتاب شائعا بشكل خاص، فى بريطانيا على الأقل، بأواخر القرن التاسع عشر. وبمرور الوقت أصبح للأدب جانب مادى (الكتب، منزل الكاتب ومقتنياته، إلخ) بالإضافة إلى جانبه غير المادى المتمثل فى إبداعه الخيالى. كلا الجانبين أصبحا غير منفصلين، فبيت الكاتب مهم جدا للذاكرة، معظم الدول حول العالم تستثمر فى بيوت الكُتاب وتراثهم الأدبى باعتباره تراثا يجب الترويج له كجزء مهم من تعزيز ونشر ثقافتها .بل إن هناك دراسات كثيرة حول تأثير بيوت الكُتاب على السياحة والترويج للثقافة، فضلا عن استكشاف تصورات ومشاعر الزائرين، والتى تكشف عن خيال واسع يحيط ببيت الكاتب، وطبيعة العلاقة الثلاثية بين المؤلف وأعماله والأماكن التى عاش بها وتأثر بها فى كتابة أعماله. فالأعمال الأدبية لها قدرة على تخيل الأماكن، وعند مشاركتها، تصبح جزءا من الذاكرة الجماعية ؛ حيث تبين من بعض الدراسات حول أسباب زيارة بيوت الأدباء أن ارتباط الزائر بالمؤلف وأعماله يأتى فى المرتبة الأولى تليها استدعاء الخيال ومقارنته بالواقع وهو ما يدعم فكرة أن بيوت الكُتاب هى «أماكن لحفظ الذاكرة» . للأسف فى مصر وعالمنا العربى بوجه عام لا نجيد استثمار بيوت الأدباء بل إن كثيرًا منها عانى ويعانى الإهمال والأمثلة على ذلك كثيرة مثل منزل عملاق الأدب العربى عباس العقاد الذى أوشك على الانهيار حتى صدر له أخيرا قرار بترميمه، هناك أيضا منازل كُتاب مثل أمل دنقل وأحمد رامى ويوسف إدريس، ومحمود تيمور، ويحيى حقى، ونعمات أحمد فؤاد، ولطيفة الزيات وغيرها الكثير من التى تنتظر إحياءها واستثمارها والترويج لها ولإرثها الأدبى الذى يعد جزءًا لا يتجزأ من ثقافتنا..فهل نوليها أخيرا الاهتمام الذى تستحقه كما يفعل الغرب مع كُتابهم؟ نقلا عن صحيفة الأهرام