توجهت عين الإصلاح في مجال الثقافة بعد الثورة إلي المجلس الأعلي للثقافة، وطالب البعض باستقلاله عن وزارة الثقافة أو أن يحل بديلاً لها، ووضعت خطة في يوليو من العام الماضي، في عهد الأمين العام السابق للمجلس، د. عز الدين شكري، لإعادة هيكلة المجلس وتفعيل دوره وتغيير قواعد اختيار أعضائه وقواعد منح الجوائز. وتعرضت تلك الخطة لتعديلات وتغييرات شبه كاملة، حتي وصلت إلي مقترح جديد أعدته لجنة شكلها د. شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة السابق، ود. سعيد توفيق، الأمين العام الحالي للمجلس، وينتظر أن يناقش أوائل أكتوبر المقبل تمهيداً لتصعيده للرئاسة للتصديق عليه. وفي الحوار التالي، يلقي د. سعيد توفيق الضوء علي مقترح القانون وأهم ما جاء فيه ويرد علي الأسئلة الخاصة بالشفافية حول عرض المقترح علي المثقفين. ** كمثقف وكأمين عام المجلس الأعلي للثقافة، كيف تقيم الوضع الثقافي الراهن؟. الوضع الحالي ملتبس، علي المستويين الثقافي والسياسي، هناك حالة من الحراك الثقافي في أوساط المثقفين بسبب صعود التيار الإسلامي، والتخوفات فيما يتعلق بالهجمة غير المبررة علي حرية الفكر والإبداع، وهناك شواهد عديدة تدعم وتبرر هذه المخاوف، مثل ملاحقة الفنانين قضائياً وازدراء رموز الأدب في مصر مثل نجيب محفوظ والتهكم علي أعماله. ** البعض يحمل النخب المثقفة مسئولية، عدم سد الفراغ الذي خلفته النظم الاستبدادية، وتقديم مشروع ورؤية تقابل المشروع الذي طرحه الإسلاميون، إلي أي مدي تري صحة هذا؟. ربما يكون هذا صحيحاً علي المستوي السياسي فالنخب السياسية المعارضة لم تضطلع بدورها لا قبل الثورة ولا بعدها، وعلي المستوي الثقافي، لم يكن المثقفون متوحدين لأنه فيما مضي كانت هناك حالة من الانقسام بين المثقفين وتصنيفات لمثقفين بناء علي علاقتهم بالسلطة، فكان هناك ما يسمي بمثقفي النظام والسلطة المبررين للنظام والسلطة والمنتفعين منها، وهذا الفريق منبوذ من جانب فئة أخري من المثقفين، ونحن نريد لهذه الحالة أن تزول ولو تدريجياً لأن المثقف بطبيعته هو شخص يجب أن يكون مستقلاً، هذه طبيعة الثقافة. ** كيف تري العلاقة بين المثقفين والمؤسسات الرسمية ومنها المجلس؟ الجهة الرسمية للثقافة عليها أن تكون الجهة المنوط بها رعاية الثقافة والمثقفين وليس تطويعهم، المثقفون لا يجب أن يكونوا في حالة عداء مع المؤسسة الرسمية، فعلي وزارة الثقافة أن ترعي المثقفين دون أن يكونوا تابعين لها. ونحن نحاول تغيير الصورة التي ترسخت عن العلاقة بين المثقف والسلطة كما لو أن من يتعامل مع المجلس خائن أو يتعاون مع السلطة لأننا لا نفعل ذلك، نحن فقط ندعم ونرعي لكي يزول هذا الحاجز من عدم الثقة الموجود لدي قطاع من المثقفين. ** بعد الثورة، توجهت عين الإصلاح إلي المجلس، وكان الهدف تحقيق استقلال المجلس عن الوزارة أو كونه يحل بديلاً له، إلي أي مدي يقدم مقترح القانون الذي تناقشونه الآن هذا الهدف؟. المقترح لا يسعي لجعل المجلس بديلًا لوزارة الثقافة وإنما يجعله راسماً للسياسات الثقافية للوزارة. ** من المنوط به رسم السياسات الثقافية، هل الجهات الرسمية أم المثقفين المستقلين؟. في المقترح الذي أقدمه كقانون للمجلس الأعلي للثقافة المنوط به رسم السياسات الثقافية هو المجلس، بمعني أن المجلس ممثلاً في أعضائه، وهم من الشخصيات الثقافية البارزة الممثلين بأسمائهم بالإضافة إلي الأعضاء الرسميين الممثلين لوزارة الثقافة، هم المنوط بهم رسم السياسات الثقافية ووضع استراتيجية للثقافة. السياسة الثقافية يجب أن تتمثل في تقديم الدعم والرعاية للمثقفين وليس فرض أيديولوجية معينة علي الثقافة والمثقفين وليس تطويعهم لخدمة النظام، وهذه هي الصورة المثلي كما أتخيلها وأتصورها وكما نحاول أن نحققها ونطبقها إلي أن تتبلور هذه السياسات وتصبح رسمية ومقررة قانوناً. ودور المجلس وضع استراتيجية تعمل فقاً لها الوزارة وقطاعاتها المختلفة بشكل منسجم يقوم علي التنسيق، خاصة أن أعضاء المجلس يضم هذه القطاعات، ومن ثم من الأفضل رسم سياسة ثقافية موحدة. مثلاً فيما يتعلق بالنشر تشكلت لجنة علي مستوي الوزارة لوضع سياسة موحدة للنشر بدلاً من أن ينشر كل قطاع علي حدي دون أن تكون هناك رؤية توحد هذه الجهود معأ. ** ما هو شكل العلاقة مع الوزارة، وقطاعاتها في ظل المقترح الجديد؟. المجلس يرسم السياسات الثقافية لكل قطاعات الوزارة دون أن يعني ذلك هيمنته كجهة أعلي وإنما هو منسق، ومن خلال أعضاء المجلس الذين هم قيادات الوزارة ولكن ليس وحدهم، فيفعلون ذلك مع رموز الثقافة في مصر. ** من الذي يختار أعضاء المجلس وما هي تركيبة أعضائه؟. هناك ما يسمي أعضاء بمناصبهم مثل رؤساء قطاعات الوزارة، ونقيب السينمائيين ونقيب التشكيليين، وزير التعليم وغيرهم من الممثلين الرسميين، لكن إضافة إلي ذلك هناك أعضاء بأسمائهم وهم يمثلون رموزًا ثقافية رفيعة في المجتمع المصري من كل المجالات، سواء في الفنون أو الآداب أو العلوم الاجتماعية. ** كيف يتم اختيار الأعضاء بأسمائهم؟ كل عضو من هؤلاء له مكانة رفيعة في مجاله، شخصية ثقافية بارزة، والمفروض أن لا يتم هذا الاختيار من خلال شخص واحد، لذلك اقترحت تفعيل ما كان يسمي في قانون المجلس بهيئة مكتب المجلس، هذه الهيئة مع الأمين والوزير هي من تختار أو ترشح. ** إذن سيكون اختيارًا أم ترشيحًا؟ سيكون اختيارًا ولكن لا ينفرد به شخص. ** البعض يري أن الأمور لم تدر بشفافية تامة فيما يخص إعداد قانون المجلس؟ هل من المفروض أنه حينما تقترح أي مقترح يخص قرار إنشاء المجلس أن نحشد كل المثقفين ونعرض عليهم المقترح، دستور الدولة نفسه لا يضعه الشعب المصري كله، هناك لجنة تأسيسة تضعه وليس جموع الشعب. أيضاً نحن لن نخطئ في شيء، القرار نفسه تشكله لجنة لإعداد مقترحات، وتضم ممثلين من القطاعات المختلفة، من الفنون والعلوم السياسية والمفكرين والآداب، وقانونيين إلي آخره، وهم يقدمون مقترحًا في النهاية. والمقترح عرض بشفافية علي لجنة شكلتها تسمي اللجنة الستشارية التي تضم كل مقرري اللجان، وهم 26 لجنة إضافة إلي أعضاء ممثلين من داخل المجلس ومن خارج المجلس، نحو ما لا يقل عن 37 عضوًا وهو عدد لا يستهان به إضافة إلي أن المقررين من حقهم عرضه علي أعضاء اللجنة وعرض علي رؤساء القطاعات الثقافية بالوزارة ومنهم الكاتب محمد سلماوي ومن حقه عرض المقترح علي اتحاد الكتاب. وبعد تلك اللجنة الاستشارية تم تصعيده لأعضاء المجلس كلهم، وفي الاجتماع يقدمون مقترحاتهم ثم يتبلور المشروع. ** ما هي أبرز التعديلات التي طالت مقترح القانون؟. أولاً أن المجلس يكون له الحق في وضع لوائحه ويدعم المقترح الجمعيات الأهلية والتنسيق بين القطاعات المختلفة للوزارة وحرية الفكر والإبداع والتحرر من البيروقراطية في وضع اللوائح والقوانين وقواعد منح الجوائز ولكن لا يوجد شيء ضد الثقافة أو المثقفين، ربما تكون هناك أشياء إضافية تضاف ولكن لا اعتقد أن أحداً يقترح أو يضيف. ** ما هي الخطوة النهائية؟. سيتم مناقشته في الاجتماع الذي يعقد آخر سبتمبر أو أوائل أكتوبر ويتم تصعيده للرئاسة للتصديق عليه بعد ذلك وأعتقد أنه كافٍ جداً نحو 100 مثقف يجتمعوا علي مدار 6 أشهر يدرسوا المقترح ليبلوره. .