ساعات تفصلنا عن الاحتفال ب الذكرى الثامنة والستين لثورة 23 يوليو تاريخ انتهاء الملكية وإعلان الجمهورية، يمر الاحتفال هذا العام في ظروف استثنائية يواجه فيها الوطن تحديات غير مسبوقة، تبلغ ذروة 7 سنوات كفاح، عقب نجاح مصر منفردة في إزاحة مخططات تقسيم الوطن العربي ووأد حلم هيمنة الإخوان المسلمين أحد أذرع الحزب التركي الحرية والتنمية المدعوم بتمويل قطري، الذي سعى للهيمنة على الحكم في الشمال الإفريقي تمهيدًا لمخطط الاستيلاء على ثروات المتوسط واستكمال أدوات الضغط على أوروبا أو ربما تأمينها ولذلك حديث آخر.. تحديات ستخلد تاريخ العام الحالي "2020" فبين دفات دفاتره يواجه فيه العالم جائحة كوفيد 19 ، فرضت آثارها على مصر بإجراءات اقتصادية استثنائية في وطن ينمو ويطمح أن يجد مكانًا بين الكبار، ونجح في تحقيق نمو 5٪ للربع الثالث من العام الحالي رغم تلك الآثار، مرورًا بتصاعد أزمة سد إثيوبيا التي تهدد الأمن المائي للمحروسة الذي يعتمد 97٪ من مياهها على نهر النيل الذي اجتمع الفرقاء لاحتجاز تدفقه عن دول المصب، فضلا عن مكافحة إرهاب في الشمال الشرقي من سيناء في مثلث "رفح العريش الشيخ زويد"، تحركه قوى معلومة وأخرى خفية بتوقيتات محسوبة كورقة ضغط عند اللزوم، إضافة لتهديد بانتشار المرتزقة والتكفيريين على الحدود الغربية في ليبيا بتحد سافر مدعوم بقوات تركية تصعد وتقترب من خط أعلنه الرئيس خطا أحمر لأمننا القومي " سرت الجفرة ". جميعها كما نرى أزمات لا يد لنا في تصعيدها، إلى جانب تحديات متوارثة قرر النظام الحالي أن يتعامل معها بمواجهات حاسمة بالتوازي وبلا مواربة أبرزها "الزيادة السكانية، الأمراض المستوطنة، معدلات الفقر وأثرها في انتشار العشوائيات، البطالة، التعليم، التنمية..."
كانت تلك المقدمة ضرورية لتوجيه السؤال الأصلي، ففي ظل تلك التحديات وذلك الموقف الاستثنائي والمشهد الملتهب، هل آن الأوان ل تغيير النشيد الوطني بما يلائم المستجدات على الساحة وحالة الشحذ الشعبي التي نحتاجها، الحالة التي تتصاعد وتتراجع في صورة تنافس وسوم "هاشتاج" يتبدل يوميًا ويخضع لضوابط مختلفة، وهو الأمر الذي لا تحتمله تلك التحديات التي نواجهها.
فلماذا لا نستدعي " نشيد الجيش "، الذي يهز بكلماته القوية ولحنه المميز، أرض طابور الكلية الحربية في مشهد مهيب لتخرج دفعات خير جند الأرض كل عام، ويتضمن كل محددات أمننا القومي، ويردد اسم "مصر" الوطن والمستقر صراحة، بكلمات صاغها بميزان الذهب الشاعر الكبير فاروق جويدة ولحنها المبدع كمال الطويل:
رسمنا على القلب وجه الوطن نخيلا ونيلا وشعبا أصيلا وصناك يا مصر طول الزمن ليبقى شبابك جيلا فجيلا على كل أرض تركنا علامة قلاعًا من النور تحمي الكرامة عروبتنا تفتديك القلوب ويحميك بالدم جيش الكنانة وتنساب يا نيل حرًا طليقًا لتحكي ضفافك معنى النضال وتبقى مدى الدهر حصنًا عريقًا بصدق القلوب وعزم الرجال يد الله يا مصر ترعى سماك وفي ساحة الحق يعلو نداك وما دام جيشك يحمي حماك ستمضي إلى النصر دومًا خطاك..
التحديات الراهنة هي الدافع الرئيسي لاقتراح تغيير النشيد الوطني بلحن أكثر حماسة يعلن استقرار الجمهورية الخامسة ويشهد تصريحًا واضحًا لمحددات الأمن القومي "أرضًا وحدودًا وشعبًا ونيلًا"..
أما النشيد الوطني الحالي "بلادي، بلادي، بلادي"، فقد ألّفه محمد يونس القاضي، ولحنه سيد درويش، والذي كان ذو روابط وعرى وثيقة مع قادة الحركة الوطنية، مثل مصطفى كامل والتي يعد النشيد من إحدى أشهر خطبه عام 1907م وكلماتها: " بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي.. لكِ حياتي ووجودي، لكِ دمي، لكِ عقلي ولساني، لكِ لُبّي وجناني، فأنتِ أنتِ الحياة.. ولا حياة إلا بكِ يا مصر"، وتم تبنيه في العام 1979. وقام موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بإعادة تلحينه وتوزيعه بتوجيه من الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
التغيير المقترح لم يكن الأول منذ أول نشيد وطني فالبداية ترجع إلى السلام الوطني الذي بدأ عزفه في عام 1869 في عهد الخديو إسماعيل، وينسب وضعه إلى المؤلف الموسيقي الإيطالي فيردي. ثم أصبح نشيد "اسلمي يا مصر" الذي ألفه مصطفى صادق الرافعي، ولحنه صفر علي، هو النشيد الوطني في الفترة من 1923 حتى 1936، ويستخدم النشيد حاليًا كنشيد الشرطة المدنية ويتم ترديده خلال طابور الكلية وفي مناسباتها الرسمية، وهو ذات النشيد الذي أعاده للظهور الآن المطرب الشاب محمد محسن بتصوير جديد لفت أنظار الشباب إليه..
وتم تغيير النشيد الوطني مرة جديدة، مع إنهاء الملكية في 1952 وقيام ثورة يوليو ألغي العمل بهذا النشيد، وتم تبني نشيد الحرية من ألحان محمد عبدالوهاب وكلمات الشاعر كامل الشناوي، والذي مطلعه "كنت في صمتك مرغم". وفي سنة 1960 صدر القرار الجمهوري رقم 143 باتخاذ سلام وطني جديد هو المؤسس على لحن كمال الطويل لنشيد "والله زمان يا سلاحي" من كلمات الشاعر صلاح جاهين لأم كلثوم، وهو النشيد الذي نال شعبية كبيرة في عام 1956 خلال ظروف العدوان الثلاثي على مصر، ولم تكن هناك كلمات مصاحبة للحن، لذا كان يطلق عليه اسم "السلام الجمهوري" وليس النشيد الجمهوري. وظل لحن "والله زمان يا سلاحي" هو السلام الجمهوري حتى عام 1979.
النشيد الوطني المقترح هو ترجمة فعلية للانتشار التلقائي ل هاشتاج " كلنا الجيش المصري " والذي انتشر فور موافقة مجلس النواب على السماح لقواتنا المسلحة بالقيام بأعمال خارج حدود الوطن إذا دعت الحاجة. تجديد النشيد الوطني هو رسالة للداخل والخارج بأن محددات الأمن القومي لا تقبل تهاونًا، وتبث روح الأمل والانتماء في نفوس الشباب وتجمع قلوب المواطنين على كلمة واحدة هي "مصر"..